مع الألوان الراقصة على التراب الندي الذي يُبشِّرنا بعودة الحياة إلى الارض.. وعودتها إلينا نحن الناس بعد شتاء طويل؛ أمام هذه الإحتفالية التي نسميها الربيع؛ نحن أمام إحتفال من نوعٍ آخر، احتفال نكرس له يوما من السنة ليكون أرقى عناوين المحبة والعطاء، ليكون إحتفالية الحياة بحدّ ذاتها. يوم نحتفل فيه بأمهاتنا؛ بذلك الحب اللامشروط الذي يتحفننا به، هذا الحب الذي يقدمن في سبيله الغالي والنفيس، فقط لرؤية البسمة وقد علت وجوهنا؛ حتى وإن كنا السبب في كل أنواع الأذى والمرارة لهنّ.
جرت العادة أن تنتظرني أمي في مثل هذا الصباح كي أمر وأشرب معها قهوة الصباح، أو حتى لتسمع صوتي الصباحي الاجش على الطرف الآخر من الهاتف.
أمي.. إنتظريني هذا العام أيضاً، فقد أمر لأشرب قهوة الصباح على شُرفتك؛ وإذا تأخرت، فانتظريني
ورجاءً لا تلومني؛ فقد أمر على أمهات ليبيا اللواتي أصرين على شرب القهوة في مآتم أبنائهن ووطنهم، بعد أن بدأن يفقدن الأمل بغد مشرق بهيج.
أو قد أمر على أمهات البحرين علني أستطيع أن أهرِّب لهن بعضاً من البن، خلسةً عن عيون “الخليج” المحيطة بهن؛ علهن يستطعن تحضير قهوة العزاء (الممنوع).
أو قد تأخذ بي الدروب إلى سوريا حيث لا خبر يقين حتى عن شاهد عيان؛ فلست أدري ما نوع القهوة التي سيقدمنها؛ أهي قهوة “الأهلا وسهلا” أملاً بأن تنزاح تلك الغيمة المشبوهة عن أرضهن، أم هي قهوة مآتم ما سيأتي.
قد لا يتسع الوقت لكي أمر على أمهات مصر وتونس، أو أمهات الجزائر والمغرب.. أو.. أو.. أو كل أمهاتي العربيات.
ولكنني سأمر بالطبع على أمهات فلسطين..
آهٍ يا أمي ماذا أحدِّثك عنهن؛ فهن يشربن قهوة العزاء والقهر منذ ستة عقودٍ ونيّف.. ولا من مواس. سأبدأ بالقدس ومن بعدها حيفا ويافا، وطولكرم، وغزة (طبعاً غزة)، وأريحا، والناصرة.. و.. وكل ذاك التراب الغالي.
أمي إنتظريني..
أو بالأحرى لا تنتظريني هذا العام.
فأنا العربي الذي كُتِبَ عليه القهر، حتى في ما يُسمّى “ربيع العرب”. فلن أحضر عيدكِ هذا العام. ما زالت ليبيا تنزف، ما زالت بغداد تتأوه، ما زالت دمشق تعاني، ما زالت بيروت سجينة.. ما زالت القدس مُحتلة.
أمي لا تنتظريني، فإني سأشرب قهوتي المُرة هذا العام على شرفة غُربتي، ورجاءً لا تذرفي الدموع، بل إزرعي بدلاً منها ورود الحرية.
Leave a Reply