بيروت
تختصر وثائق “ويكيليكس” حول لقاءات الزعماء اللبنانيين بالمسؤولين الأميركيين
حجم المأساة التي يعيشها الشعب اللبناني بسبب “التكاذب” بين السياسيين والاختلاف الحاد في الرؤى الوطنية، نتيجة انشغال كل منهم بشؤون جماعته الضيقة.
ولئن صارت هذه الوثائق، على خطورة مضمونها، أمراً اعتيادياً في المشهد السياسي اللبناني ومادةً للتندر، فإن المتغير أن حال البلاد والعباد صارت بحاجة الى معجزة على الصعيد السياسي والاقتصادي قبل ان تتجه الى الانهيار الكامل، لولا بعض من حاجة دولية لبقاء النظام اللبناني على ما هو عليه بكامل علله.
منذ 3 أشهر تقريبا، يبذل رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي المساعي، على خط تذليل عقبات تشكيل الحكومة، بلا طائل، بعد ان وصلت المفاوضات الى حائط مسدود نتيجة استمرار الصراع بين الرئيس ميشال سليمان والنائب ميشال عون على حقيبة الداخلية في العلن، ما يهدد بانفراط التوافق على الحقائب الأخرى.
رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط اختصر المشهد الحالي بوصفه الوضع بـ”الداء المستفحل” في الحالة اللبنانية و”الذي يتمثل بجنوح البعض نحو تغليب المصالح الخاصة على المصلحة العامة، وهذا ربما ما يجب أن تتم معالجته باقدام البعض في الفريقين الآذاريين على الانتحار الجماعي لاراحة المواطنين من العبثية التي نعيشها على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية”.
وحسم جنبلاط بأن “الوضع الحكومي في لبنان قد وصل الى أفق مسدود، نتيجة المطالب العبثية لبعض الأفرقاء في الأكثرية الجديدة”، ورأى أن “الخروج من المأزق السياسي القائم في البلد يُحتم على بعض الأفرقاء في المعارضة والموالاة الاقدام على الانتحار الجدي”، ولا يصف هذا “الانتحار بالمخزي، انما يضعه في خانة التضحية بالذات من أجل الجماعة”، مستشهداً بالتاريخ بقوله “إن كبار القادة في الأساطيل الغربية كانوا يغرقون أنفسهم مع السفينة عندما تغرق”.
وشدد جنبلاط على أن “الثوابت الأساسية في الحكم في لبنان، وبعيداً عن الخلافات السياسية، تتلخص بأهمية التأكيد على بقاء وحماية سلاح المقاومة كرادع أساسي لمواجهة أي مغامرة اسرائيلية، وعدم استخدام هذا السلاح في الداخل، ولكن خارج هذين المبدأين فإن الباقي يصبح ضرباً من ضروب العبث في السياسة والاعتداء على المشاعات والاقتصاد والتعيينات وكل شيء آخر”.
على مسار مواز، كان ميقاتي يحاول طوال الأسبوع عكس اجواء تفاؤلية، فأكد، امام وفد من الوكالات العربية والاجنبية التي شاركت باحتفال اليوبيل الذهبي للوكالة الوطنية، ان الاتصالات مستمرة لتشكيل الحكومة الجديدة، مشيراً إلى أنه لا بد في النهاية من الوصول الى حل وتفاهم لأننا جميعا بمركب واحد واي ثقب يصيب المركب يصيبنا جميعا.
اما الرئيس نبيه بري فكان الأكثر شفافية في نقل حقيقة ما يجري في الكواليس، حين أعرب في حديث صحفي عن “قرفه الشديد” من الوضع الراهن، مشيرا الى أنه “استخدم كل الوصفات الممكنة للمساعدة في معالجة العقد القائمة”. ولفت بري الى “ما في شي ما عملتو، من صلاة الغائب الى صلاة الاستسقاء، وما بينهما من اقتراحات، لكن للاسف ظلت الامور ترواح مكانها، بسبب النكايات”. وتابع “لقد تبين ان هناك مشاعات في الحكومة والدولة تستباح ايضا، وليس فقط المشاعات الموجودة على الارض”.
ورداً على سؤال حول ارتباط تأخير الحكومة بالقرار الظني والمحكمة الدولية، نفى اي علاقة لهذا الموضوع بالتشكيل، موضحاً انه “منذ التكليف لم يتكلم أحد عن القرار الظني او ذكره”.
ولفت بري الى أن “السياسة الآن لم تعد تكتفي بالتحليل، بل تعتمد ايضا على ان يكون لديك معلومات”، معتبراً أن “العقدة اللبنانية ويا للاسف سخيفة جدا وهذا هو المؤلم فيها”. بري جدد التذكير بقوله ان “هناك من يقول ان سوريا تريد التروي في موضوع تشكيل الحكومة”، رأى أن “سوريا إذ تريد الحكومة أمس وليس اليوم”.
بدوره، اعتبر رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، بعد لقائه بري في مجلس النواب، أن “حالة البلد بالويل”؛ ليعود ويحذر، في حديث تلفزيوني، أن
أنه “إذا كان رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي يريد أن يناور بحكومة أمر واقع فهذا عمل خطير وهو مقيد باستشاراته مع النواب، والمحاسبة في المجلس النيابي أمر غير مألوف”، مشيرا أن “لا مشكلة شخصية مع ميقاتي، ولا أحد يستطيع أن يعاير العماد عون بخياراته السياسية ولا بسلوكه الأخلاقي”.
وتساءل عون “هل نسوا كم مرة كسحناهم في الانتخابات وكسحنا ملياراتهم؟، وهناك تجاهل واستخفاف وعدم مسؤولية ليس فقط بالكلام بل بتقدير الموقف”، مطالبا في هذا الاطار باحترام الطائف نصا وروحا وإذا ارادوا نأتي بلغويين وقانويين ليشرحوا لنا مواد الدستور ومستعد أن أحترمه بالفاصلة والنقطة”. وأوضح عون أن “مسؤولية ميقاتي أنه كرئيس مكلف من قبل أكثرية يجب أن يحترم أراءهم في الاستشارات ولا يأتي الينا بأشخاص بالإعارة ليمثلونا ونكون مسؤولين عنهم”.
وشدد عون على ان “هناك من لا يريد تسليم السلطة للأكثرية الجديدة بل أن يعطلوها بشكل أو بآخر”، مشيرا الى ان “على سليمان وميقاتي أن يؤمنوا الأكثرية للحكومة التي سيصدرونها، وهما بالتفكير يبدون كذلك وإن لم يكونوا بالشكل كذلك”.
وفيما يتعلق برئيس الجمهورية ميشال سليمان، راى عون ان سليمان خرق الحيادية وسمعنا في “ويكيليكس” وغيرها أحاديثه، وسياسة الغرب هي ضد استقلال لبنان وسيادته، مشيرا الى ان “سليمان لم يصارحني بالمشكلة العالقة عندها الحكومة، وأنا أعرف أن هناك عرقلة خارجية والطقم السياسي كله موجود في السفارة الأميركية وهذا قرأناه في ويكيليكس، وقبل أن يشكلوا الحكومة أعطوا وعود للأميركيين وغير الأميركيين أن الحكومة لن تتألف كما تريد الأكثرية الجديدة، وما معنى الرحلات والمقابلات الخارجية مع فيلتمان وزيارة واشنطن قبل تأليف الحكومة”.
واعتبر ان “رئيس الجمهورية رئيس شرف للقوات المسلحة لأنه لا يأمرها بل مجلس الوزراء، ورئيس الجمهورية يسهر على تنفيذ الدستور، الحقائب الوزارية تحشر رئيس الجمهورية بمسؤولية محددة، كنت أتمنى لو رئيس الجمهورية احتج وأرسل رسالة لمجلس الوزراء لأن وزيرة المال لم ترسل الموازنة مع انعقاد الدورة الاستثنائية لمجلس النواب، سليمان مارس في الانتخابات مباشرة على الأرض وكان يستدعي الناس ويستدعي ضباط الأمن، الرئيس كان طرفا في الانتخابات النيابية والانتخابات البلدية في 20 قضاء”.
وحول وزارة الداخلية والخلاف حولها، سأل عون: “أي مديرية تعمل بشكل صحيح في وزارة الداخلية؟ هل ساروا باللامركزية الإدارية؟، هل حلت أزمة السير؟ وقصة الصندوق البلدي؟ وهذا مرتبط بحقوقه هو ويجب أن يكون عنده، وهل قوى الأمن الداخلي قصة كباش أم تطبيق قوانين؟ وإذا لم يكن وزير الداخلية قادر أن يكابش فسنأتي بمن يكابش”.
وأشار عون الى انه “لو قامت وزارة الداخلية خلال 3 سنوات بأي عمل إصلاحي لكنا قبلنا، وسليمان يريد الداخلية من دون ضوابط، قبل تأليف الحكومة الماضية كان هناك اجتماع ثلاثي بيني وبين سليمان والحريري وقلت له الأمور لا تسير بطريقة جيدة وهما تعهدا أن يأخذا الموضوع على عاتقهما، لا يوجد ضابط في قوى الأمن موجود بمكانه كله بالتكليف هناك شلل بممارسة السلطة”، مشددا على أن “رئيس الحكومة ليس حر التصرف بل يمارس صلاحياته وفق قوانين، وأنا مصر على وزارة الداخلية وإذا أرادوا بالتوافق لا مانع لدي وأستطيع أن أعرض عدة أسماء لديهم كفاءة”.
وبعيدا عن زواريب السياسة، كان ينقص اللبنانيين تهديدهم بلقمة العيش حتى تكتمل الأزمة الإقتصادية.
أخر مؤشرات تردي الوضع المعيشي تحذير وزيرة المال ريا الحسن من وجود أزمة مالية تهدد حصول موظفي القطاع العام على رواتبهم نهاية هذا الشهر. وهو ما استدعى ردا من وزير الاتصالات شربل نحاس فاعتبر أن تحذير الحسن “خطير جدا، وهو في أي دولة يسبّب اضطراباً وشللاً وكأنه إعلان لإفلاس الدولة”، لافتا الى ان الامر يتعلق بـ40 بالمئة من الشعب اللبناني.
نحاس وفي حديث تلفزيوني اكد ان الموظفين سيحصلون على رواتبهم نهاية الشهر، لافتا الى انه “ما صدقنا خلصنا من تهديدات عبد المنعم يوسف لموظفي اوجيرو لتهدد هي كل موظفي الدولة”.
Leave a Reply