تعتبر مسيرة زعيم تنظيم “القاعدة” بمثابة لغز كبير، فالتحولات الكبرى لمسيرة هذا “الزعيم” تطرح تساؤلات يصعب الإجابة عنها لعل أبرزها كيفية تحول حليف الـ”سي آي أي” الأول في الثمانينات و”بطل” النظام السعودي الى خارج عن القانون ثم الى ”أخطر رجل في العالم”
منذ أن أصبح أسامة بن لادن الاسم الأول على لائحة “الإرهاب” الأميركية والعالمية، نسجت حوله هالة مزج فيها الواقع بالوهم والخيال. وأصبح بحركة منه أو تهديد أو إيماءة غير مفهومة تدق دول الغرب نواقيس الخطر وترفع حالات التأهب. وأصبحت باسمه تسن القوانين وتنزع الحريات وتطغى دوائر الأمن على قرارات الدول.
لذلك يرى البعض أن وجود بن لادن كان له منفعة متبادلة بين دعاة نشر التشدد الديني من جهة ودعاة التشدد الأمني والاستخباراتي من جهة أخرى. وبالنظر الى تاريخ أسامة بن لادن يتبين أن الرجل ساهم في أهم تطورات العقود الثلاث الأخيرة، من انهيار الاتحاد السوفياتي الى قوانين الإرهاب العالمية وغزو العراق وأفغانستان وانتشار الإسلاموفوبيا التي طغت على نظرة العالم الغربي حيال العالم الإسلامي.
سيرة بن لادن
ولد أسامة في الرياض في العام 195٧، ودرس في مدرسة دار “الذكر” النموذجية التي تأسست في الخمسينيات على يد الأمير فيصل بن عبد العزيز والتي درّس فيها أجانب مثل برايان فايفيلد شايلر وسيموس أو براين اللذين ذكرا في مقابلة مع صحيفة “نيويوركر” الأميركية أنهما واكبا بن لادن خلال تلك الفترة.
ودرس بن لادن، الذي سافر الى عدة بلدان في تلك الفترة، في ميدان الإدارة والاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز، التي تعرف في مجتمع جدة بأنها “جامعة النخبة”، وعبرها تعرف الشاب السعودي من أصول يمنية إلى فكر “الإخوان المسلمين”، بعد أن كانت السعودية قد فتحت أبوابها لمدرسين من سوريا ومصر والأردن يحملون فكر “الإخوان”. وتشير مصادر إلى أنه حاز درجة البكالوريوس في الهندسة المدنية في العام 1979 فيما تشير مصادر أخرى إلى حصوله على درجة البكالوريوس في العلاقات العامة، العام 1981.
تأثر بن لادن في حياته الجامعيّة بفكر كل من محمد قطب وعبد الله عزام. الأول كان بمثابة الداعية الرسمي لفكر أخيه سيد قطب الذي كتب “معالم في الطريق”، وهو الكتاب الذي يُعدّ اللبنة الأساسية في “الجهاد” للمجموعات الإسلامية المتشددة والداعي للجهاد ضد كل من هو غير مسلم.
أما عزام، وهو أردني من أصل فلسطيني، فقد خطط للجهاد ضد السوفيات في أفغانستان، وقام بهداية بن لادن إلى تعاليم موسى القرني، وفكرتها الأساسية أن المسيحيين واليهود هم أعداء الإسلام، الذي قيل إنه أصبح لاحقاً “مفتي بن لادن”.
وفي تلك الفترة، توقف بن لادن عن سماع الموسيقى وارتداء الملابس الحديثة وبدأ يقرأ الكتب الدينية بانتظام ويدخل في الأنشطة الدينية المقامة في جامعته ويغوص فيها أكثر فأكثر وأصبح مهووساً بفلسطين، ثم دخل في مناقشات فقهية في الدراسات الإسلامية.
في العام 1982 قرّر أسامة الدخول إلى أفغانستان عبر باكستان للمشاركة في الجهاد. وبعد رؤيته للطبيعة الجبلية الصعبة لأفغانستان، قرر أسامة الاستفادة من تجربته في المقاولات، التي كان قد كسبها عن أبيه، فاستقدم عدداً هائلاً من المعدات والجرارات والحفارات لمساعدة المجاهدين على تمهيد الجبال وشقّ الطرق وإنشاء المعسكرات. وتكررت زياراته إلى أفغانستان وإشرافه على نقل الأموال والسلاح والمعدات، كما تضاعفت مساهماته في بعض المعارك، لكن بشكل غير منتظم. كما ساهم بن لادن في افتتاح عدد كبير من المعسكرات في جبال أفغانستان وارتبط يومها بعلاقات وثيقة مع زعماء المجاهدين، وفي مقدمتهم زعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار والجنرال شاه مسعود.
وبعد أن تفرغ للجهاد في العام 1986، قرر أسامة أن يتوسع في تنظيم العملية الجهادية ويكون له معسكراته وخطوط إمداده.
خلال سنوات “الجهاد الافغاني” ضد الاحتلال السوفياتي في الثمانينات، جند أسامة بن لادن ومساعدوه الآلاف من العرب للقتال وعرفوا في ما بعد باسم “الأفغان العرب”. وقد استمد بن لادن قوته في تلك المرحلة من علاقات متينة مع وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) والأميركيين الذين قدموا له وللمجاهدين كل أشكال المساعدة، وظلت العلاقة قائمة خلال السنين العشر للحرب. حتى كان يعرف بن لادن في الـ” سي آي أي” باسم “العميل تيم عثمان”.
وبانتهاء الحرب وانهيار الاتحاد السوفياتي، التفتت هذه القوة الإسلامية الراديكالية التي أتاحت لها حرب أفغانستان فرصة التدرب على مختلف فنون القتال، إلى الوجود الأجنبي في العالم الإسلامي الذي تعزز بعد الغزو العراقي للكويت في الثاني من آب (أغسطس) من العام 1990، إلا أنها لم تقم بأية عملية ضد الوجود الغربي في شبه الجزيرة العربية الأمر الذي لم يبدد الشكوك باستمرار العلاقة بين بن لادن و”القاعدة”. إلا أنه في بداية التسعينيات، تقول بعض التقارير، أنه بعد عودة بن لادن الى السعودية تردد انه دخل في خلاف كبير مع عائلة آل سعود الحاكمة، قبل أن ينتقل الى السودان، التي مدّته بجواز سفر مزوّر تنقل به عبر العالم، مع قيام حكومة الإنقاذ الإسلامية التي لقيت دعمه. لكن في العام 1996، طلبت منه الخرطوم ان يغادر البلاد تحت ضغط الاميركيين.
في هذه الفترة كان بن لادن لا يملك امتدادات في العالم الإسلامي، إلا أن بعض عمليات التفجير والاعتداءات التي وقعت في التسعينات تم اتهام “القاعدة” بالوقوف ورائها وبدأ نجم بن لادن يصعد بعد عام ١٩٩٦ حيث أسس تنظيم “القاعدة” إثر عودته الى أفغانستان.
وقبل ذلك اتهم بن لادن بتمويل تنظيم “الجهاد” في اليمن وتفجير منشآت نفطية عدة وكذلك عن الهجوم على فندق عدن في العام 1992 الذي استهدف عناصر من المارينز الأميركيين كانوا في طريقهم إلى الصومال. كما اتهم بتدبير الإنفجارين اللذين استهدفا سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي عاصمة كينيا ودار السلام عاصمة تنزانيا في العام 1998، وأدّيا إلى مقتل نحو 200 شخص وأكثر من 5000 جريح. واتهمته المخابرات الفيليبينية، بدورها، بدعم مجموعة “أبو سياف” وبإقامة خلايا إسلامية متطرفة.
وبعد خروجه من السودان اضطر بن لادن للانتقال الى افغانستان، مرة أخرى، حيث اسس تنظيم “القاعدة” عام ١٩٩٦ ومد له، بسرعة كبيرة، شبكة كاملة في مختلف دول العالم.
وكان لبن لادن علاقة متذبذبة مع النظام السعودي الذي حضن انطلاقته بالتعاون مع الأميركيين، فمع انسحاب القوات السوفياتية من أفغانستان، وُصف بن لادن بـ”البطل” من قبل السعودية، ولكن سرعان ما تلاشى هذا الدّعم حين هاجم التواجد الأميركي في السعودية إبان الغزو العراقي للكويت سنة 1990، كما هاجم النظام السعودي لسماحه بتواجد القوات الأميركية التي وصفها بن لادن “بالمادية” و”الفاسد” على الاراضي الاسلامية، إلا أنه لم يقم سوى بهجومين محدودين على أراضي المملكة.
وقد أسقطت السعودية عن بن لادن الجنسية في العام 1994 بسبب “تصرفات غير مسؤولة تتعارض مع مصلحة المملكة وتسيء إلى علاقاتها مع الدول الشقيقة”، بينما أعلن شقيقه الأكبر بكر باسم أسرته “شجبه وإدانته تصرفات شقيقه”. كما أثارت انتقاداته للأسرة الحاكمة خصوصا غضب السلطات السعودية.
وفي 11 تموز في العام 1995، كتب بن لادن رسالة مفتوحة إلى الملك فهد يحثه فيها تأييد شن حملة من الهجمات الفدائية لإخراج القوات الأميركية خارج المملكة، وكانت هذه الرسالة بمثابة التحذير، فقد بدأت القاعدة بتنفيذ الحملة في وقت لاحق من العام نفسه، واتهم بن لادن بالوقوف وراء انفجاري الرياض والخُبَر.
متفرقات عن مقتل بن لادن
– ساهمت قناة “الجزيرة” التي تأسست بالتزامن مع تنظيم “القاعدة” عام ١٩٩٦، برفع شعبية أسامة بن لادن في العالم العربي، وكانت تحرص دائماً على بث أشرطته وخطبه، وإعطائه أكبر مساحة ممكنة من التغطية رغم أن قطر تحتضن أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط.
– نُقل عن مسؤول في المخابرات الأميركية أن الولايات المتحدة نفذت العملية التي قُتل فيها بن لادن بشكل منفرد ولم تخطر أيا من شركائها في مجال مكافحة “الإرهاب” سلفا. واستبعد المسؤول أن يكون المسؤولون الباكستانيون على علم بوجود بن لادن في المجمع السكني في إبت آباد قرب العاصمة إسلام آباد. وتتناقض تلك المعلومات مع تأكيد وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أن التعاون مع باكستان هو الذي ساعد على الوصول إلى مخبأ بن لادن.
– في أواخر تسعينيات القرن الماضي، تلاقت جهود أسامة بن لادن مع جهود الأمين العام لتنظيم “الجهاد الإسلامي” المحظور المصري أيمن الظواهري، وأطلق الاثنان فتوى تدعو إلى “قتل الأميركان وحلفائهم أينما كانوا وإلى إجلائهم من المسجد الأقصى والمسجد الحرام”. والظواهري هو طبيب أوقف في العام 1981 إثر اغتيال الرئيس المصري أنور السادات، وأصبح في ما بعد الساعد الأيمن لبن لادن.
– يصنّف أسامة بن لادن الإرهاب إلى نوعين “المذموم” و”المحمود”. فالإرهاب المذموم، برأيه، هو الذي يرتكبه اللصوص والمجرمون بحق الناس عبر العصور. أما المحمود فهو الذي يقوم ضد دول “كبرى” جاءت لنهب ثروات الأمة والاعتداء على مقدساتها. ويصف من يقوم بالعمليات بـ”المجاهدين بالإرهاب”.
– فور إعلان الرئيس الأميركي أوباما نجاح عملية اغتيال أسامة بن لادن زعيم “القاعدة”، نشرت عديد من وكالات الأنباء والقنوات العالمية صورة مفبركة بشكل واضح لابن لادن على أنها صورته بعد مصرعه. إلا أن قناة “جيو” الأكثر شعبية في باكستان التي بثت الصورة، اعتذرت عنها بسبب اكتشافها بأنها مفبركة وسرعان ما تبعتها القنوات الإخبارية الأخرى ووكالات الأنباء.
– قالت وكالات أبناء أن ابنة لاسامة بن لادن في الثانية عشرة من عمرها ومعتقلة في باكستان مع إحدى زوجاته واطفال آخرين كانوا موجودين في المنزل عندما هاجمته مجموعة الكومندوس، انها رأت الجنود الاميركيين يقتلون والدها، كما ذكر مسؤول في اجهزة الاستخبارات الباكستانية.
Leave a Reply