بعد أن كانت شعبية الرئيس الأميركي قد وصلت الى الحضيض مثقلة بالهم الاقتصادي وارتفاع العجز والدين الفدراليين، جاء مقتل زعيم تنظيم “القاعدة” أسامة بن لادن الأسبوع الماضي ليكون بمثابة “شيك على بياض” لباراك أوباما مع بدئه لحملته الانتخابية العام المقبل،
فقد سجلت شعبية باراك اوباما قفزة متقدمة 11 نقطة بعد مقتل بن لادن، كما افاد استطلاع للرأي اجرته “سي بي أس” و”نيويورك تايمز” ونشرت نتائجه الاربعاء الماضي. واوضح هذا الاستطلاع الشهري الذي اجري بعد العملية، ان 57 بالمئة من الاميركيين الذين سئلوا اراءهم قالوا انهم يؤيدون ما قام به الرئيس الاميركي، في مقابل 46 بالمئة.
وقد ادى اصدار الرئيس باراك اوباما امرا بشن عملية سرية لقتل بن لادن الى تحقيقه مكسبا سياسيا كبيرا فيما يستعد لخوض انتخابات الرئاسة التي يأمل في الحصول عليها لفترة ثانية. ويرجح ان يؤدي القضاء على بن لادن الذي لم تتمكن الادارة الاميركية السابقة من القبض عليه، الى تحقيق اوباما مكاسب سياسية كبيرة وقد يغير المفهوم عن قيادته وامكانياته في مجال الامن القومي.
واعتبر اوباما الخميس الماضي ان مقتل بن لادن هو رسالة الى “الارهابيين” بأن الولايات المتحدة لن تنسى أبدا “١١ ايلول”. وقال اوباما خلال توقف لم يعلن عنه مسبقا في مركز للاطفاء في مانهاتن بعد وصوله الى نيويورك، ان قتل بن لادن وجه رسالة. وقال وهو يقف امام سيارة اطفاء “عندما نقول اننا لن ننسى ابدا، فاننا نعني ذلك”.
وزار أوباما نيويورك الخميس الماضي للمشاركة في الاحتفالات بمقتل زعيم “القاعدة”. ووضع إكليلاً من الورود على ضريح ضحايا مركز التجارة العالمي في نيويورك.
ولن يدع أوباما الإنجاز يمر مرور الكرام، حيث ألقى الأسبوع الماضي ثلاثة خطابات ركّزت على المناسبة آخرها كان يوم الخميس الماضي في موقع برجي “مركز التجارة العالمي” اللذين استهدفا في هجمات “١١ أيلول” في نيويورك.
وسبق ذلك إشادة أوباما بعملية قتل بن لادن، ودعا الأميركيين للوحدة في مواجهات التحديات التي ما زالت ماثلة أمامهم، وأثنى أوباما، في كلمة أمام مجموعة من النواب الديمقراطيين والجمهوريين في حفل غداء بالبيت الأبيض، على “الأبطال الذين نفذوا العملية العسكرية الخطيرة، ومسؤولي المخابرات وكافة الأجهزة المشاركة، كما أشكر زعماء الكونغرس من الحزبين، فهذا الشعور بالوحدة الذي شعرنا به في أحداث “11 أيلول” نشعر به اليوم مجددا بعد اغتيال بن لادن، ونشعر أننا أسرة أميركية واحدة”. ودعا أوباما الأميركيين إلى الوحدة “لمواجهة التحديات التي ما زالت تواجه بلادنا”.
ومن جهته أشاد ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي السابق بالرئيس أوباما “لأمره بتنفيذ عملية قتل بن لادن”، لكنه حذر من أن “الاستكانة للشعور بالرضا عن هذه العملية قد يكون كارثة بسبب احتمال حدوث هجمات انتقامية ضد الولايات المتحدة”.
وكان أوباما قد أعلن في كلمة له في وقت متأخر من الأحد الماضي، مقتل بن لادن، في عملية سرية نفذتها القوات الأميركية الخاصة خارج العاصمة الباكستانية، إسلام أباد. وقال أوباما إنه أصدر أوامره لاقتناص بن لادن، بعد جمع معلومات استخباراتية وافية. وبعد دقائق قليله من الاعلان عن مقتل بن لادن، بدأت حشود هائلة بالتجمع امام البيت الابيض وهم يهتفون “يو أس أي.. يو أس أي” ويلوحون بالاعلام الاميركية في مشهد نادر من الابتهاج والفرح. وقد سمعت اصوات المحتشدين من داخل البيت الابيض، ولا شك في انها سترفع معنويات فريق اوباما بشكل كبير بعد عامين من الازمات المتتالية داخل البلاد وخارجها والتي بدت في بعض الاحيان انها اكبر من طاقة الرئاسة.
كما يعد القضاء على بن لادن دليلا على ان اوباما قادر على تولي سلطة بلاده بسهولة ويسر، ومن المؤكد انه سيعزز سلطته بين قادة العالم. الا انه بالنظر الى تقلبات السياسة واستمرار التحديات الاقتصادية، يرى بعض المراقبين، أن نصرا بهذا الحجم لا يضمن وحده للرئيس الاميركي اعادة انتخابه لفترة ثانية. فعادة ما تركز الانتخابات الاميركية على الاقتصاد نظرا لان الناخبين لم يشعروا بعد بانعكاسات تحسن الاقتصاد الاميركي، ولذلك فيبدو ان اوباما لا يزال في منطقة خطرة سياسيا.
وقد اظهر استطلاع نشرته شبكة “سي بي أس” وصحيفة “نيويورك تايمز” الشهر الماضي ان 46 بالمئة من الاميركيين فقط اعربوا عن رضاهم عن اداء اوباما، فيما اظهرت جميع الاستطلاعات ان تعافي الاقتصاد المتعثر يثير مخاوف الناخبين.
رغم ذلك فانه مهما حدث قبل موعد الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، سيذكر التاريخ الاميركي لاوباما انه الرئيس الذي قتل بن لادن، وبالتالي فقد تعزز ارثه بشكل كبير خلال ساعات قليلة.
ولا تزال تفاصيل الغارة الجريئة على مخبأ بن لادن المحصن في باكستان غير واضحة، الا ان مسؤولين اميركيين قالوا انه نفذتها قوات خاصة في مروحيات بعد عملية استخباراتية استمرت عدة اشهر (تفاصيل ص ١١). ولو ان العملية فشلت لتعرض اوباما لسيل من الانتقادات القاسية التي كانت من الممكن ان تقوض نسبة التاييد له وتثير الانتقادات لاسلوبه في القيادة. وكان ذلك سيدفع الكثيرين الى مقارنته بالرئيس الديموقراطي جيمي كارتر الذي تضررت مصداقيته السياسية عندما فشلت عملية لانقاذ رهائن في ايران.
وبعد النجاح في القضاء على بن لادن، سينبري حلفاء اوباما الى وصفه بالذكاء والشجاعة والحزم في القيادة والشخص الذي قضى على اكبر اعداء اميركا. وسيجعل هذا الحدث موقف منافسه الجمهوري في 2012 اكثر صعوبة من حيث انه لن يتمكن من القول انه متهاون مع الارهاب أو انها قائد عسكري ضعيف.
وسيراقب المحللون ليروا كيف سيؤثر مقتل بن لادن على تصميم اوباما البدء في سحب القوات الاميركية من افغانستان. ويتزايد الاستياء من الحرب في افغانستان بين صفوف الاميركيين، ويتساءل الناخبون الاميركيون لماذا تصمم واشنطن على البقاء في البلاد لسنوات مقبلة بعد مقتل بن لادن، عدوها اللدود. وقد تتضرر مكاسب اوباما السياسية اذا ما نجحت فلول “القاعدة” او الجماعات الاسلامية المتطرفة في الانتقام لمقتل بن لادن بمهاجمة مصالح اميركية.
Leave a Reply