أرجو أن يكون المشاهد العربي قد تمعن جيداً بالمنظر المقزز للنفس في المشهد السوري الذي بثته قناة “أن بي أن” اللبنانية عن مجموعة من السلفيين التكفريين وهم يذبحون جندياً سورياً كالنعجة ثم يقطعون رأسه ويرمونه في الشارع. أو مشهد حرق الكنيسة في ضاحية إمبابة في مصر من أجل إشعال الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين وخنق الثورة في المهد. فحتى بعد رحيل كبير التكفريين الذين علمهم السحر، لن ينته هذا “الخط” الإجرامي الشيطاني الذي يتجرأ على هدر دم مسلم آخر أو حتى نظير له في الخلق ويعد نفسه أن يفطر بالجنة، هكذا وبكبسة زر.
لكن مشهدية ذبح العسكري السوري من دون ذنبٍ اقترفه، إلا ذنب أنه موظف في النظام، تعبر عن النموذج الذي يريد أنصار الحرية والديمقراطية (فقط في سوريا، لا البحرين) ايصاله إلى الحكم. وليس أخطر من هذا المخطط إلا مخطط “شرعنة” عبد الحليم خدام وإبرازه كمنقذ للشعب مع أنه رأس الفساد والإهتراء والهرهرة الأخلاقية والسياسية وكل الصفات البشعة التي خلقها ربنا، مثله مثل رفعت الأسد “قائد” سرايا الدفاع السيء الذكر التي روعت الآمنين لسنين طويلة، أو بندر بن سلطان بوش الذي كان اليد اليمنى لـ”أبي حذاء”.
المشهدية النافرة تنسحب على مصر حيث تبين أن النظام الفرعوني كان أول مخطط للفتنة بين المصريين الذين عاشوا مئات السنين بسلام ووئام، من اجل البقاء على تسلط النظام. ومن بعد العهد اللامبارك البائد، قامت حفنة تكفيرية “لادنية” بحمل الراية الملعونة للقوة الظلامية من أجل الفرقة والإنشقاق الوطني.
لقد وصلت هجمات البؤر المسلحة ضد أمن وإستقرار سوريا إلى درجة أن المعارضين السوريين الحقيقيين الذين بقوافي بلدهم، لا في ألمانيا أو عواصم الغرب، والذين سجنوا فعلاً وضحوا من أجل مبادئهم، وهؤلاء لهم احترامهم وتقديرهم، أعربوا عن خوفهم على بلدهم من إنحراف وإستغلال “أحصنة طروادة”، المسلحة المندسة بين الناس، للمطالب المحقة بالتغيير والإصلاح. هذا ما يفسردخول الوهابي التكفيري المدعو اللحيدان على خط المؤامرة عبر دعوته العلنية لقتل سبع ملايين علوي في سوريا على طريقة القرضاوي المعلق هذه الأيام بين السماء والأرض في غيبوبة طويلة (لا شماتة ولكن الله يمهل ولا يهمل)، ودخول قناة “التزويرة” القطرية على خط إذكاء الفتنة عبر التركيبات الإعلامية المفبركة.
لكن بعون الله، تم كشف الرأس المنافق المدبر لجريمة امبابة كما أن الشعب السوري الأبي أوقف المخطط الجهنمي بتقسيم سوريا وحرق المنطقة برمتها. فكما كشفت عينة المشهد المرعب في سوريا، جرت مذابح طائفية متعددة بقيت بعيدة عن الإعلام كان القصد منها “هجرة إثنية” علوية ودرزية وسنية وإفراز سوريا إلى مكعبات مذهبية تمهد لتقسيمها لعدة دويلات وكانتونات تضع حداً لخسارة إسرائيل في مصر وتونس والخليج غداً. ولهذه الغاية، استنفذت كل الأساليب خصوصاً عبر خاصرة سوريا الرخوة في “شبه الوطن” الذي تصرف مسوؤلوه (بلا صغرة) وكأن سوريا بلدٌ تابع لجزر الكناري. ما أقل الوفاء في “عدم الوطن”! فالمقاومة معذورة بإلتزام الصمت الذي تتبعه حيال ما يجري في سوريا لأسباب معروفة أقلها عدم إستغلال دفاع المقاومة عن سوريا طائفياً والتسبب بمتاعب جديدة لدمشق. ولكن ماذا عن باقي الأطراف مثل رئيس الجمهورية الذي لم يبادر لتكليف نفسه عناء إظهار الوفاء لسوريا في عز محنتها، عدا بعض الكلام المعسول عبر…الهاتف! بل لم يسارع فخامة الرئيس إلى مساندة الصديق وقت الضيق بمجرد رفع عتب التحقيق بستين عملية تهريب سلاح من شمال لبنان إلى سوريا أو في قضية تورط النائب “الزرقاوي” جمال الجراح في التحريض المسلح (بالمناسبة، بشرى سارة للبنانيين فقد أنجز سعيد ميرزا مضبطة إتهام ضد مخالفي البناء غير الشرعي ووعد أن مشروعه الجديد هو إستنابات قضائية بحق نساء العيادة النسائية في الضاحية!). سوريا لها أفضال على رئيس الجمهورية بموافقتها على إنتخابه، لكنه أهدر نصف ولايته بهدر العلاقات معها مرعوباً من نفوذ العماد عون ومراهناً على الأحصنة الخاسرة، والنصف الثاني يمضيه بالتفكير في وراثته. الشعب السوري لم يبخل بماله وكل ما يملك من منازل من أجل تعزيز وتكريم اللاجئين اللبنانيين في حرب صيف ٢٠٠٦، لكننا اليوم لا نرى إهتماماً جدياً من القطاعات الشعبية بدعم الشعب السوري ووحدته وعزته ما خلا زيارة يتيمة لرئيس الإتحاد العمالي العام إلى نظيره السوري.
لقد لاحظنا كيف أن المحكمة البلمارية-الإسرائيلية غيرت من قرارها “الزاني” ثلاثة مرات في غضون خمسة أشهر ودائماً في توقيت أكثر من مريب وحسب مقتضيات الوضع. ويبدو أن المحكمة ستعود إلى نغمة إتهام سوريا من جديد من أجل تعريتها أمام العالم في لحظة حرجة من تاريخها وإنكشاف أمنها الذي وصفة الإعلامي رفيق نصرالله بأنه أخطر من الحرب الاسرائيلية العسكرية، هذا الإنكشاف الذي يتم بمساعدة لبنانية وأموال بترودلارية. فمن يدفع مليارين ومئتي مليون دولار من أجل إنتخاب الصقر لكي يعاقب ذكاءنا يومياً، لا يقصر عن دفع المليارات المرقومة للإضرار بسوريا ووقف الربيع العربي والثورة الشعبية الوطنية في البحرين. ألم تقل السعودية لسعد “أصبر”؟ كما أن هذه هي الترجمة العملية لشعار “الشعب يريد إسقاط السلاح”.
لكن ستبقى سوريا بشعبها وجيشها ونظامها عصية على الإنكسار وإن الغد لناظره قريب!
Leave a Reply