دمشق – أخذ المشهد السوري الأسبوع الماضي بالتحول من طغيان الوضع الأمني على الأحداث الى مسار سياسي، بعدما انبسطت السيطرة الأمنية على معظم مناطق التوتر، ولا سيما في حمص وبانياس وبعض مناطق ريف دمشق، التي شهدت تظاهرات في الأسابيع الماضية، إلا أن ذلك لم يمنع الناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي من الدعوة الى جمعة تحدٍ جديدة تحت عنوان “جمعة الحرائر”.
ففي السياق السياسي أكد الرئيس بشار الأسد المسؤولية المشتركة بين الحاكم والشعب في تحقيق الإصلاحات المطلوبة، وإشارته خلال لقائه وفداً من فعاليات ريف دمشق إلى أنه أيضاً ينادي “بالإصلاح أكثر منكم”، مشيراً إلى أهمية الفصل بين القضايا التي يمكن “تطبيق الإسعاف السريع فيها” والقضايا التي تحتاج الى “معالجة صبورة”.
كلام الأسد جاء منسجماً مع ما أكدته المستشارة الرئاسية بثينة شعبان لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية في مقابلة نشرت الأربعاء الماضي، برز فيه قولها إن الأسد كلفها بلقاء ناشطين معارضين أمثال الكاتبين ميشال كيلو ولؤي حسين والباحث الاقتصادي عارف دليلة والكاتب سليم خير بك. ويعتبر هذا التوجه دليلاً على رغبة دمشق في إرساء أرضية “لإمكانية حوار مشترك بين مكونات المشهد السوري” حين تتوفر “البيئة المناسبة، التي تتجاوز الحل الأمني”.
وقد يكون من بين مؤشراته إطلاق السلطات السورية سراح عدد من المعتقلين البارزين، ومنهم الأمين العام لحزب التجمع الديموقراطي حسن عبد العظيم والكاتبان حازم نهار وفايز سارة والقيادي في حزب الشعب الديموقراطي جورج صبرا والمعارض كمال شيخو.
أضيف إلى مؤشرات تحوّل الأزمة الأمنية في سوريا نحو خلاصات سياسية، مؤشران إضافيان، تمثل الأول في مناقشة القيادة السورية للمرة الأولى مع شيوخ محافظة حماه إغلاق ملف الثمانينيات والانتهاء إلى تفاهمات تريح الجانبين، وايضا إعلان الحكومة تكليف لجنة دراسة تعديل قانون الانتخابات العامة خلال أسبوعين كمهلة قصوى
من جهتها، اعتبرت المستشارة الرئاسية بثينة شعبان في مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز” أن الأخطر في الأحداث التي عصفت بسوريا منذ حوالى الشهرين قد مر “وأصبح وراءنا”. وقالت “آمل أننا نعيش المرحلة النهائية من هذه القصة”. ورأت أنه “لا يمكن أن نكون متسامحين مع أناس يقومون بتمرد مسلح”، معبرة بذلك عن رفضها للمحتجين بوصفهم كما ذكرت “مزيجاً من الأصوليين والمتطرفين والمهربين والمدانين السابقين والذين يتم استغلالهم لإثارة اضطرابات”. وأوضحت “نريد أن نعتبر ما حدث في سوريا بمثابة فرصة. إنها فرصة يجب أن ننتهزها للتقدم في مجالات عديدة، وخصوصا في المجال السياسي”.
كما نقلت الصحيفة عن شعبان قولها إن الأسد طلب منها إجراء محادثات مع بعض الناشطين، وقد التقت الأسبوع الماضي مع شخصيات معارضة مخضرمة، ووعدتهم بصحافة حرة وأحزاب سياسية وقانون للانتخابات. وجاءت مقابلة شعبان مع “نيويورك تايمز” بعد مقابلة مع رجل الأعمال السوري رامي مخلوف، ابن خال الرئيس الأسد. وقال مخلوف إنه “إذا لم يتحقق الاستقرار فى الأراضى السورية، فمن المستحيل أن يتحقق بدوره فى إسرائيل”. واعترض مخلوف عند سؤاله ما إذا كان حديثه يحمل تهديدات، قائلاً: “أنا لم أقل حربا.. ولكنى أقول لا تدعونا نعانى، ولا تضعوا الرئيس بشار الأسد تحت ضغوط، ولا تدفعوا دمشق للقيام بأي شيء ليست سعيدة للقيام به”. وأشار مخلوف إلى أنّ الأولوية بالنسبة للسوريين هي السؤال عن الإصلاح الإقتصادي، قبل الحديث عن الإصلاح السياسي معترفاً أنّ “التغيير قد جاء فى وقت متأخر.. ولكنها ليست نهاية العالم!”
حذر رجل الأعمال، من أنّ البديل للنظام الحالى، يكون بقيادة السلفيين، قائلاً إن ذلك يعنى الحرب فى سوريا وخارجها، موضحاً: “وهو الأمر الذي لن نقبل به، الشعب سيحاربهم، ولكن هذا سيكون كارثة حتمية، فنحن لدينا الكثير من المقاتلين”.
ومن جهتها، أعلنت السفارة السورية في واشنطن، في بيان لها، أن رامي مخلوف لا يحمل أي منصب في الحكومة السورية ولا يتحدث باسم السلطات السورية.
وقال السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى، في رسالة نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” رداً على المقابلة التي أجرتها مع مخلوف، “أريد إعلامكم أن رامي مخلوف، رجل الاعمال الذي أجريتم معه مقابلة مطولة، هو مواطن سوري عادي. إنه لا يحمل أي منصب رسمي في الحكومة السورية ولا يتحدث بالنيابة عن السلطات السورية. إن الآراء التي عبر عنها شخصية ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقرن بالموقف الرسمي للحكومة السورية”.
والجدير بالذكر أنه ليس لرجل الأعمال مخلوف أي منصب سياسي في سوريا، ويعتبره المعارضون رمزاً من رموز الفساد في البلاد.
مواقف دولية
أما دولياً فقد سرت عقوبات الاتحاد الأوروبي رسمياً ضد 13 شخصية سورية، في مقدمها شقيق الرئيس ماهر الأسد، وتشمل العقوبات حظرا على الأسلحة ومنع 13 مسؤولاً من دخول دول الاتحاد وتجميد أصولهم، فيما لم تتخذ واشنطن أي إجراءات تجاه النظام السوري.
وشملت العقوبات الأوروبية أيضاً مدير الاستخبارات السورية علي مملوك، ووزير الداخلية محمد إبراهيم الشعار، والرئيس السابق للأمن السياسي في درعا عاطف نجيب، ورئيس قسم دمشق بالفرع الداخلي لأمن الدولة حافظ مخلوف، ورئيس الأمن السياسي محمد ديب زيتون.
كما تشمل العقوبات أيضاً رئيس الأمن السياسي في بانياس أمجد العباس ورجل الأعمال رامي مخلوف، ابن خالة الرئيس بشار الأسد، ورئيس الاستخبارات العسكرية عبد الفتاح قدسية، ورئيس الاستخبارات في سلاح الجو جميل حسن، ورئيس استخبارات ريف دمشق رستم غزالة.
كما شملت قريبَي الرئيس السوري فواز ومنذر الأسد لارتباطهما بما وصفه الاتحاد الأوروبي بمليشيا الشبيحة، التي يتهمها المحتجون بمهاجمتهم.
وفي نيويورك، أطلقت دول غربية محاولة جديدة لحمل مجلس الأمن الدولي على إدانة سوريا. وأوضح دبلوماسيون ان بريطانيا أثارت، خلال اجتماع لمجلس الأمن حول حماية المدنيين في الصراعات المسلحة، رفض سوريا السماح لبعثة تقييم إنسانية بالدخول إلى درعا.
وقال دبلوماسي في مجلس الأمن إن بريطانيا تسعى الآن للتحرك “سريعاً” لاستصدار قرار أو بيان في المجلس حول سوريا هذا الأسبوع، لكن الجهود لممارسة ضغط على سوريا تواجه بمعارضة من روسيا والصين ودول أخرى تعتبر أن التحالف الفرنسي-البريطاني-الأميركي الذي يشن غارات جوية في ليبيا تجاوز تفويض الأمم المتحدة.
واعتبر المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر أن “قمع الحكومة السورية في مدن مثل درعا وبانياس لا يؤدي إلا إلى أعمال عنف جديدة وتعزيز التصميم ومطالب الشعب السوري”. وأضاف إن “الإعلانات الخاطئة عن الإصلاح مثل رفع حالة الطوارئ مصحوبة بتوقيف تعسفي لأكبر عدد ممكن من الأشخاص لا تشكل كذلك رداً على مشاكل سوريا”. وأبدى اقتناعه بأن النظام سيرغم “على مواجهة المساءلة أخيراً عن أعماله”.
من جهته، طالب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون سوريا بوقف الاعتقالات الجماعية للمحتجين المناهضين للحكومة والاستجابة لدعوات الإصلاح. وطالب بان السلطات السورية بالسماح بدخول عمال الإغاثة الأمميين ومراقبي حقوق الإنسان إلى مدينة درعا (جنوب) التي انطلقت فيها شرارة الاحتجاجات ضد النظام.
وحث في ندوة صحفية بجنيف، الرئيس السوري على الاستجابة لدعوات الشعب المطالبة بالإصلاح والحرية، وأن يوقف الاعتقالات الجماعية للمتظاهرين السلميين.
ميدانياً، ساد الهدوء الحذر كلاً من حمص وبانياس ومنطقتي المعضمية وداريا بعد عمليات عسكرية بدأت منذ أكثر من أسبوعين. إلا أن التوتر بقي سائداً في منطقة تلكلخ المحاذية للحدود اللبنانية، حيث دارت اشتباكات مع مهربين من أهالي المنطقة منذ أيام بسبب تشديد الجانبين السوري واللبناني رقابتهما عليها لمنع تهريب السلاح.
وعرض التلفزيون السوري لقطات من مدينة درعا، بينت أجواء طبيعية في المدينة التي تشهد حركة أسواق اعتيادية. كما أجرى لقاءات متفرقة مع مواطنين من أهلها رحبوا جميعاً بدخول الجيش “وإعادة الأمان والهدوء للمدينة”.
Leave a Reply