نيويورك – أصدر مسؤولو وزارة الخزانة الأميركية أشد تحذير حتى الآن للكونغرس بضرورة رفع سقف قدرة الحكومة على الاستدانة من أجل تفادي تخلفها عن السداد مما قد يلحق الضرر بوضعها المالي، بعد أن بلغ الدين الأميركي السقف القانوني له الإثنين الماضي عندما بلغ حاجز 14,3 تريليون دولار. وقد خلصت دراسة جديدة إلى أن اقتصاد الولايات المتحدة مهدد بالسقوط في كساد جديد إذا لم تتمكن واشنطن من إقناع الكونغرس برفع سقف الديون السيادية، وتخلفت عن سداد القروض المستحقة.
وقال نيل وولين نائب وزير الخزانة الأميركي في مقابلة مع صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية إن الولايات المتحدة لن تسمح لمثل هذا السيناريو بأن يحدث بالنظر إلى الانتعاش الاقتصادي العالمي والتحديات الأخرى. كما حذر وزير الخزانة الأميركي تيموثي غيتنر من أنه إذا أخرت حكومة الولايات المتحدة أو قلصت دفع الأموال للمقاولين والموظفين والمستثمرين في السندات الأميركية فإن ذلك سيؤدي إلى خفض كبير في العائدات وفي الطلب على السندات.
كما حذر من أن ذلك قد يقذف بالاقتصاد الأميركي مرة أخرى في الركود. وأضاف أنه حتى في حال وجود تخلف قصير عن السداد فإن ذلك سيؤدي إلى ضرر بالاقتصاد الأميركي لا يمكن إصلاحه. وقد اقتبس غيتنر من تصريحات لرئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي بن برنانكي ومدير مكتب الخزانة بالبيت الأبيض جاك ليو المؤيدة لوجهة نظره.
وأشارت “فايننشال تايمز” إلى أنه رغم الأزمة الحالية فإن طلب المستثمرين على السندات الأميركية لا يزال قويا والفائدة التي تدفعها الحكومة الأميركية عليها لا تزال منخفضة وقد وصلت إلى أدنى مستوى لها هذا العام في الأسبوع الماضي.
لكن وولين حذر من أن هذه الثقة في الدين الأميركي ربما لا تستمر. وإذا تخلفت الحكومة عن السداد فإن ردّ المستثمرين والأسواق سيكون عنيفا وسيلحق ذلك الضرر بمالية الولايات المتحدة على المديين المتوسط والبعيد بسبب الكلفة التي ستتحملها البلاد في تمويل الحكومة، وما سيترتب على ذلك من أعباء مالية.
ويصر الجمهوريون على ضرورة أن تجري إدارة الرئيس أوباما خفضا في النفقات وتقوم بإصلاحات تتعلق بالميزانية مقابل الموافقة على رفع سقف الاستدانة للحكومة. لكن الجمهوري جون باينر رئيس مجلس النواب الأميركي قال في مقابلة تلفزيونية “إنه لا تزال هناك فرصة للقيام بالتغييرات المطلوبة”.
كساد كبير
وحذرت الدراسة، التي أعدها معهد “ثيرد واي”، من أنه في حال عجزت واشنطن عن سداد ديونها فإن ذلك سيؤدي إلى فقد نحو 640 ألف وظيفة، كما ستتفاقم مشكلات سوق الإسكان وتهبط الأسهم وتنحسر أنشطة الإقراض مع ارتفاع أسعار الفائدة.
ولا يتوقع المراقبون توصل المشرعين الأميركيين إلى اتفاق بشأن رفع سقف الديون قبل بضعة أشهر. وزارة الخزانة من جهتها تقول إن بإمكانها تفادي التخلف عن السداد حتى الثاني من آب (أغسطس) بالسحب من مصادر تمويل أخرى لسداد الديون (مثل صناديق التقاعد)، غير أنها حذرت قبل فترة من عواقب وخيمة على الاقتصاد الأميركي إذا لم يوافق الكونغرس على رفع السقف.
ويبني معهد “ثيرد واي” توقعاته على أساس أن سندات الخزانة الأميركية ستفقد جاذبيتها كملاذ آمن، متسببة في زيادة أسعار فائدتها بنحو 0,5 بالمئة، ومن شأن ذلك أن يرفع تكلفة اقتراض الحكومة الأميركية حينما يتم استئناف أنشطة الإقراض، وهو ما سيفضي إلى زيادة قدرها عشرة مليارات دولار في العجز السنوي للميزانية.
وحسب توقعات الدراسة فإنه في الأجل القصير ستنتقل آثار زيادة أسعار الفائدة إلى جوانب الاقتصاد الأخرى، متسببة في هبوط النمو الاقتصادي بنسبة 1 بالمئة وفي قيام أرباب الأعمال بتسريح مئات ألوف العمال.
كما ستلجأ البنوك إلى تخفيض الإقراض، الأمر الذي سيصعب على مؤسسات الأعمال الصغيرة التوسع، كما سترتفع أسعار فائدة بطاقات الائتمان، وستصبح قروض الطلاب وقروض السيارات أكثر تكلفة. وتوقعت الدراسة أن يفقد مؤشر “ستاندر آند بورز” 6,3 بالمئة من قيمته خلال ثلاثة أشهر، متسببا في تقلص محافظ معاشات التقاعد. كما توقعت أن يصبح وضع الدولار الأميركي كعملة للاحتياط في العالم مهددا، بسبب تحويل المستثمرين أموالهم إلى عملات أخرى مثل الفرنك السويسري أو الين الياباني أو اليورو. ورغم أن هذا من شأنه أن يعزز الصادرات الأميركية لكنه سيرفع تكلفة السلع الاستهلاكية مثل البنزين والإلكترونيات.
Leave a Reply