الرئيس يخرج من العناية المركّزة وقد يعود بعد أسبوعين.. وأميركا تستأنف “حربها السرية”
صنعاء – دخلت الثورة اليمنية مطلع الأسبوع الماضي مرحلة جديدة بعد أن غادر الرئيس علي عبد الله صالح، الذي كان قد أصيب في هجوم استهدف مسجد القصر الرئاسي في صنعاء، البلاد الى السعودية للعلاج من الجروح التي تعرض لها يوم الجمعة الماضي.
ورغم اعتبار المعارضين أن مغادرة صالح البلاد ستكون نهائية، إلا أن السلطات اليمنية التي تولاها نائب الرئيس، حسب دستور البلاد، أعلنت أن صالح غادر غرفة العناية المركّزة بعد نجاح عملية جراحية أُجريت له في مستشفى في الرياض.
وأعلنت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية “خروج صالح من العناية المركّزة الى جناحة الملكي”، مشيرةً إلى أن “الألعاب النارية والأعيرة المضيئة غطت سماء العاصمة صنعاء والمحافظات اليمنية ابتهاجاً بنجاح العملية الجراحية”، فيما أُعلنت إصابة 100 شخص نتيجة إطلاق كثيف للرصاص شهدته العديد من المناطق اليمنية.
وفي ظل التطورت الأخيرة، يسود التخوف من المزيد من الانفلات الأمني مع سيطرة المعارضين على عدة محافظات ومدن كبيرة، بينها تعز، التي انتشر فيها رجال القبائل المسلحون، إضافة الى سيطرة “القاعدة” على مدينة زنجبار الجنوبية، ما أعاد الأميركيين الى الواجهة بتدخل عسكري.
الحرب الأميركية السرية
فقد كشف مسؤولون أميركيون أن إدارة الرئيس باراك أوباما كثفت حربها السرية في اليمن، مستغلةً الفراغ المتنامي في السلطة هناك لشن هجمات بواسطة طائرات التجسس والمقاتلات على المتشددين.
وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية أن تسارع وتيرة الحملة الأميركية خلال الأسابيع الأخيرة يأتي في ظل الصراع العنيف الدائر في اليمن، الذي ترك الحكومة في صنعاء، حليفة واشنطن، تصارع للتشبث بالسلطة.
وقالت الصحيفة إن المسؤولين الأميركيين يرون أنّ هذه الهجمات التي تشنها الطائرات الأميركية من دون طيار، والمقاتلات الحربية في اليمن، هي أحد الخيارات القليلة لمنع المتشددين من تعزيز سلطتهم في البلاد. وأضافت إن المقاتلات الأميركية قتلت يوم الجمعة الماضي أبو علي الحارثي، وهو ناشط من تنظيم “القاعدة” متوسط المستوى، مع عدد من المسلحين المشتبه فيهم بجنوب البلاد، فيما استهدفت طائرة تجسس أميركية قبل أسابيع، رجل الدين الأميركي المتشدد اليمني الأصل أنور العولقي، لكنه نجا.
ولفتت إلى أن هذه العمليات الأخيرة جاءت بعد قرابة سنة من توقف الهجمات الجوية الأميركية في اليمن، لدى تزايد القلق بعد ضعف المعلومات الاستخبارية، الذي أدى إلى فشل في المهمات وخسائر مدنية وإبعاد العمليات عن أهداف الحملة السرية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين قولهم إن وكالات الاستخبارات الأميركية والسعودية، كانت تتلقى مزيداً من المعلومات، من المخبرين وعن طريق التنصت الإلكتروني، بشأن الأمكنة المحتملة للمتشددين، لكنّ المسؤولين لفتوا إلى أن اتساع نطاق الصراع في اليمن خلق خطراً جديداً يتمثّل في تسريب طرف معلومات للأميركيين قد تحثهم على شن هجمات جوية ضد مجموعة منافسة.
وقال مسؤول كبير في وزارة الدفاع (البنتاغون)، رفض الكشف عن هويته، إن استخدام القوة ضد المتشددين في اليمن بات أكثر تعقيداً، بسبب اندماج الناشطين في تنظيم “القاعدة” مع متمردين آخرين أو مسلحين مناهضين للحكومة، ما يجعل مهمات القصف أصعب من دون أن تُتهم الولايات المتحدة بالتحيّز لطرف على آخر.
صحة صالح ومجلس انتقالي
من جهة أخرى، يواصل الشبان اليمنيون المعارضون ممارسة ضغوطهم مطالبين بتشكيل مجلس رئاسي انتقالي لطي صفحة نظام صالح، الذي باتت حاله الصحية “مستقرة”.
ويأتي الضغط الشبابي في وقت يقول مسؤولون سعوديون إن العودة إلى اليمن أمر يرجع إلى صالح وإن الحلفاء الغربيين ربما يرغبون في إحياء اتفاق لنقل السلطة رعته دول خليجية يستقيل بموجبه صالح مقابل عدم محاكمته.
وفي الرياض، أكد مصدر سعودي أن حالة صالح “مستقرة” وهو يتابع علاج اعادة التأهيل على ان يخضع قريبا لعملية تجميلية. ونفى المصدر تقارير عن تدهور حالة صالح قائلا “لا أساس لما تناقلته وسائل إعلام عن تدهور وضعه الصحي”، مشيراً الى ان الرئيس “بانتظار تحديد موعد لعمليته التجميلية ويتابع حاليا علاج إعادة التأهيل”. وقال طبيب سعودي مطلع إن الحروق التي أصابت جسده ليست بالخطورة التي تحدث عنها بعض المسؤولين في وقت سابق، مضيفا أن صالح قد يتمكن من مغادرة الرياض في أقل من أسبوعين.
وكانت صحيفة “الوطن” السعودية نقلت عن دبلوماسي يمني قوله إن صالح ما يزال في العناية الفائقة. وأضاف أن “حياته كانت في خطر شديد بسبب شظية بقيت يومين في جسده قريبا من القلب” مشيرا الى ان الرئيس اليمني “عولج من جروح أصابته في الرأس وحروق من الدرجة الثانية في مختلف انحاء جسده، وخصوصا اليدين”. وأكد المصدر ان “الرئيس كان ساجدا خلال صلاة الجمعة اثناء قصف قصر الرئاسة، ما خفف من وطأة الإصابة”.
في هذه الاثناء، استقبل نائب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، سفراء السعودية علي الحمدان وسلطنة عمان عبد الله البادي والإمارات عبد الله مطر المزروعي، حيث جرى عرض الإجراءات لتثبيت وقف إطلاق النار بين القوات الحكومية والعناصر المسلحة الموالية لشيخ قبيلة “حاشد” صادق الأحمر. وذكرت وكالة الانباء اليمنية (سبأ) ان هادي عرض تحركات لجنة مشتركة بين الجانبين لإخلاء المؤسسات والمباني الحكومية من المسلحين وإنهاء المظاهر المسلحة من الشوارع في صنعاء. وأكد أهمية تعاون دول مجلس التعاون الخليجي مع اليمن للخروج من الأزمة معرباً عن تقديره للمبادرة السعودية بتقديم ثلاثة ملايين برميل نفط خام تصل تباعا لمصافي عدن في جنوب اليمن.
وبدأت مجموعة من الشبان بنصب عشرات الخيام امام منزل هادي تأكيدا لمطلبها بتأسيس مجلس انتقالي، الا ان جنود الفرقة المدرعة الاولى التي يقودها اللواء المؤيد للانتفاضة علي محسن الاحمر اقدموا على تفكيك الخيام التي كانت تعيق حركة المرور في شارع الستين المؤدي الى مقر القيادة العامة للفرقة. وذكر مراسلون ان عناصر الفرقة اعتقلوا بعض الشبان، فيما قام محتجون آخرون منضوون تحت لواء “اللجنة التحضيرية لمجلس شباب الثورة الشعبية” بالتأكيد انهم “سيتشاورون لتشكيل مجلس انتقالي مع كافة القوى”. وأكد المحتجون ان من مهام المجلس “تشكيل حكومة تكنوقراط” والعمل على توحيد القوات المسلحة وتعديل الدستور وإجراء انتخابات.
إلى ذلك، أكد رئيس هيئة الاركان المشتركة الاميركية مايكل مولن في مؤتمر صحافي في القاهرة امس ان الفوضى في اليمن تزيد من خطورة تنظيم “القاعدة”، معتبرا ان “ازدياد الفوضى والعنف ليس سيئا لليمن فقط ولكن للمنطقة وللعالم”. ودعا مولن “القادة من كل الاطراف امام هذا الوضع الذي يطرح تحديا، ان يلتزموا الهدوء وأن يعملوا على حل المشكلات بطريقة سلمية””
وأفاد شهود عيان انه عُثر على حوالى ثلاثين جثة بين الحطام الناجم عن معارك دارت خلال الايام الماضية بين قوات صالح وأنصار آل الاحمر في حي الحصبة في صنعاء، فيما بدأ الموالون للشيخ الاحمر بتسليم الجيش مباني حكومية سيطروا عليها هناك.
ونجا مدير أمن محافظة عدن العميد غازي أحمد علي من محاولة اغتيال اثناء مروره في بلدة الشيخ عثمان فيما قال مصدر أمني ان الهجوم “ادى الى مقتل مرافقه الشخصي وإصابة اثنين آخرين”. ويأتي ذلك فيما تشهد عدن، كبرى مدن الجنوب، إجراءات امنية مشددة تحسبا لتسلل مسلحي “القاعدة” الذين يسيطرون على مدينة زنجبار، في محافظة أبين المجاورة.
وفي زنجبار، قال مسؤول محلي إن جثث القتلى تتناثر في شوارع المدينة بعد معارك بين القوات الحكومية ومتشددين اسلاميين تكشف مدى خطورة النزاعات المتعددة في البلاد. وتحدث مسؤولون وسكان عن مشاهد مؤلمة في ابين، اذ قال خالد عبود “هناك نوع من الكر والفر في الشوارع بين الجيش والمسلحين. لم اعد استطيع تمييزهم من بعضهم. رائحة البارود والدم في الهواء. لقد بقيت هنا فقط لحماية منزلي لكنني الآن اريد الخروج من هذا الجحيم”.
نائب الرئيس يباشر مهامه
ويعيش اليمن حالة من الترقب بانتظار قرار صالح، فيما تابع معارضوه، الذين يقودون منذ أشهر انتفاضة واسعة ضد حكمه، احتفالاتهم في الشوارع بـ”هروبه” وبما اعتبروه “سقوطاً لنظامه”، الذي تولى إدارته نائبه عبد ربه منصور هادي، بتأييد سعودي وأميركي، ومباركة من المعارضة اليمنية.
وأكدت المعارضة اليمنية أنها ستعمل “بكل قوتها” على منع صالح من العودة. وكان صالح اتهم شيوخ آل الاحمر الذين خاضوا مع قواته مواجهات دامية في صنعاء خلال الاسبوعين الماضيين، باستهدافه إلا أنهم نفوا الأمر.
وكان منصور هادي قد اجتمع مع أبناء وأخوة وأبناء أخوة الرئيس الذين يشغلون ارفع المناصب في المنظومة العسكرية والأمنية في اليمن، من دون ان يرشح اي شيء عن هذا الاجتماع. وذكر مصدر مقرب من الرئاسة ان الاجتماع ضم نائب الرئيس مع كل من مدير مكتب القائد الاعلى للقوات المسلحة وقائد العمليات العسكرية علي صالح الاحمر، وقائد القوات الجوية محمد صالح، فضلاً عن أحمد وابني أخيه قائد الحرس الخاص طارق محمد عبد الله صالح، وقائد الامن المركزي يحيى محمد عبد الله صالح.
من جهته، أكد المتحدث باسم “اللقاء المشترك” (المعارضة البرلمانية) محمد قحطان ان المعارضة ستعمل بكل قوتها لمنع صالح من العودة. وقال “نعتبر هذا بداية النهاية لهذا النظام المستبد الغاشم الفاسد”، في إشارة الى مغادرة صالح الى السعودية.
ونظم الآلاف في تعز مسيرة احتفالية وصلت الى ساحة الاعتصام التي تمكن المحتجون من احتلالها مجددا بعد طردهم منها بالقوة الأسبوع الماضي.
وألقى الجيش اليمني باللوم على “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب” في الهجوم الصاروخي على قصر الرئاسة في صنعاء الجمعة الماضي
Leave a Reply