بري يتصدى للمصلحة العليا ويكسب اختبار الزعامة السياسية في طائفته
بيروت –
كسر رئيس المجلس النيابي نبيه بري عُرف التحاصص الطائفي والمذهبي في تشكيل النظام اللبناني، ليسحب من جميع الأفرقاء حجج ومبررات التعطيل في تأليف الحكومة، التي أبصرت النور أخيرا، بفعل “ضربة معلم” من بري الذي اقترح تخفيض حصة وزراء الطائفية الشيعية في الحكومة وزيرا واحدا لمصلحة الطائفة السنية. ومرة جديدة، بعد ادواره المفصلية في محطات عديدة في تاريخ لبنان الحديث، يثبت بري انه لاعب سياسي بارع يجيد تذليل العقبات لمصلحة سياسية ووطنية عليا، وهو ما حصل بتنازله عن منصب وزاري مع حقيبة محسوبة على طائفته، بهدف تأمين دخول فيصل كرامي الى الحكومة، وحسم التأخير الذي طال 5 أشهر، وسط استحقاقات ومخاطر اقليمية تحيط بالبلد.
خطوة بري الموفقة جاءت ردا على ما تردد من نية الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، بالتوافق مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان، اعلان حكومة “امر واقع” من 24 وزيرا، ما كان سيسبب مشكلة حقيقية عند اختبار نيل الثقة، حيث كان من المستبعد ان تتخطى حكومة بهذا الحجم، مع استبعاد العديد من اطراف الأكثرية الجديدة، اول امتحان لها، وبالتالي كانت البلاد ستدخل مجددا في حلقة مفرغة. على أن التضحية التي قام بها الرئيس بري أغلقت الطريق امام هذا الاحتمال، وسجلت سابقة في تاريخ لبنان.
وكشف بري، في حديث صحفي، أن “أحداً من حلفائه لم يكن على اطلاع في صيغة المخرج الذي طرحه لتشكيل الحكومة كما لم يتشاور فيه مع احد”.
وأوضح أنه “بادر للتنازل عن الوزير الشيعي لأنه كان السبيل الوحيد للإنقاذ”، لافتا الى أن “فكرة التنازل عن هذه الحقيبة لمصلحة فيصل كرامي، راودته وهو في الطريق من عين التينة الى القصر الجمهوري”.
وأشار بري الى انه “لو لم يتخذ هذه الخطوة لكانت الامور توقفت وتعقدت”.
الإعلان عن تشكيل الحكومة، سبقه عدة مشاورات، لعلّ أبرزها زيارة طه ميقاتي، شقيق رئيس الحكومة، الى سوريا حيث التقى الرئيس بشار الأسد المتضرر الأول من تأخير تأليف حكومة في لبنان، في حين لم يهدأ الخليلان (معاونا الرئيس بري والسيد حسن نصر الله) على خط المساعي، بعد أن كادت اجواء الحل والتفاؤل تتعرض لضربة قاضية في اللحظات الأخيرة، لولا “دهاء” الرئيس بري.
غير أن عملية الولادة القيصرية للحكومة لم تسلم من “الغضب” الحليف، حيث تناوب النائب طلال ارسلان وعبد الرحيم مراد واسامة سعد، والحزب القومي السوري الذي تمثل بالوزير علي قانصوه، على انتقاد حجم التمثيل وشكله. ولعلّ ابرز الانتقادات صدرت من ارسلان الذي صبّ جام غضبه على الرئيس ميقاتي وشنّ عليه حملة عنيفة توجّها باستقالة “شفهية” عبر مؤتمر صحفي، رافضا المشاركة في حكومة “يجلس فيها على يمين ميقاتي”.
رئيس الحكومة واجه الحملات التي شُنت عليه بأعصاب باردة، معلنا أنه سيطالب ارسلان بالعودة عن الاستقالة، “وسينسق مع رئيس الجمهورية لتحديد البديل” في حال لم يتراجع ارسلان عن موقفه.
وتوقع ميقاتي ان لا يستهلك البيان الوزاري الكثير من الوقت، من دون أن يفصح عمّا سيرد فيه بشأن القضيتين اللتين شغلتا البلاد خلال الأعوام الماضية: المحكمة الدولية وسلاح المقاومة.
كما أوضح ميقاتي أنه “مرتاح لشكل الحكومة ونوعيتها، ولقد اقفلنا الآن مرحلة وانتقلنا الى مرحلة جديدة من العمل، التحدي ان يتحول اعضاء الحكومة، وكل بارع وذي خبرة على المستوى الفردي والشخصي، الى فريق عمل متجانس ومنتج، فما ينتظرنا من مهام كبير جدا. الادارة فارغة، والاقتصاد ينتظر دفعا الى الامام، والمغتربون كانوا محجمين عن زيارة لبنان، وثمة قوانين ومراسيم تنتظر التوقيع، ومهام معيشية واجتماعية”.
وعن كيفية خروج التسوية بعد مخاض طويل، أشار ميقاتي مختصرا “الى أنها لعبة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، فقد طلب توزير فيصل كرامي، وطلبت انا توزير النائب احمد كرامي، وقلنا انه لا يمكن ان يكون لبيروت وزير واحد، إذ اني كنت قد قررت لبيروت وزيرين بحقيبتين، فرحب بري بأن يكون توزير فيصل كرامي من حصته، وهكذا صار عدد الوزراء السنة سبعة، في مقابل خمسة شيعة، مع اني رفضت خشية ان نكسر العرف وتصبح في لبنان سابقة قد تسبب اعتراضا او مشكلة، لكن بري أصر، وانتهت المشكلة. كما كان هناك دور كبير لرئيس الجمهورية ميشال سليمان في التجاوب وتسهيل التشكيل، خصوصا اني قلت له قبل انضمام بري الينا اني لن اخرج من القصر الا والحكومة منتهية”.
مواقف محلية
في المواقف البارزة حول تشكيل الحكومة، شكر رئيس تكتل “التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون، بعد اجتماع استثاني لوزراء التكتل، “كل من بذل الجهود لتأليف الحكومة وخاصة رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي ضحى بموقع وزاري يعود له”، لافتا الى ان “هذا امر استثنائي، ولكن نسجل تحفظا على مثل هذه التنازلات مستقبلا”. وشدد عون، الذي يُعتبر الفائز الأكبر في المرحلة الحالية، على ان “ما ينتظر وزراءنا ليس بسيطا”، موضحا انه “عليهم تحمل مسؤولية 20 سنة من الحكم كان فيه فوضى مثبتة في كل ميادين الحكم”، واضاف ان “العمل ليس سهلا وهناك نوع من الانحراف بممارسة السلطة”.
وعلّق عون على نعي رئيس حزب الكتائب امين الجميل ورئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع الحكومة بالقول: “إذا الواحد بطبعو بومة ماذا أفعل له؟”.
بدوره، أوضح رئيس “جبهة النضال الوطني” النائب وليد جنبلاط، بعد لقائه مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أن “الاجواء ممتازة، وان طال تشكيل الحكومة، ولكن كّل منا ضحى على طريقته، ونشكر رئيس الحكومة على صبره وجهوده”. وأثنى جنبلاط “على الدور المركزي والأساس أيضا لرئيس المجلس النيابي نبيه بري أخذين بعين الاعتبار طبعا مظلة الرئيس ميشال سليمان، لكن في النهاية أنتجنا حكومة إئتلاف وطني عريض، لم ولن تكون حكومة مفروضة، كما قيل من الخارج ومن لون واحد او من صف واحد”.
وردا عن سؤال، أجاب: “الحكومة هي حكومة متنوعة متعددة فيها كل الاراء الديمقراطية، وعلى الآخرين أن يقبلوا بتداول السلطة، لا أكثر ولا أقل”.
أما في ما يتعلق برئيس الحزب “الديمقراطي اللبناني” النائب طلال أرسلان فرأى جنبلاط أنه “ربما حدث سوء تفاهم، ولكن الطريقة التي قيل فيها الكلام فيها نوع من التعبير الميداني او السياسي وهذا ليس لائقا بحق الطائفة الدرزية ولا بحق مقام رئاسة مجلس الوزراء وتحديدا ميقاتي، لذلك نأمل ان توجد الصيغة الملائمة كي تبقى المقامات محفوظة وخصوصا مقام رئاسة الوزراء”.
الأمانة العامة لقوى “14 آذار” أعلنت أنها ستواجه الحكومة الجديدة، التي وصفتها بـ”حكومة النظام السوري-حزب الله” ومن وراءها من موقع المعارضة من أجل منع أسر لبنان بإعادته إلى المرحلة السوداء التي حرّرته ثورة الأرز منها ومن أجل حماية لبنان من حكومة شبيهة من حيث وظائفها وتوجهاتها بحكومة عمر كرامي خريف 2004 التي سقطت مع جريمة إغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري.
وفي بيان أصدرته إثر اجتماعها الدوري، أعلنت قوى “14 آذار” نفسها معارضة للحكومة من أجل الدفاع عن الدولة “كي لا تتحوّل مؤسساتها من عسكرية وأمنية وتربوية واقتصادية واجتماعية الى مؤسسات تابعة للدويلة التي أقامها حزب الله”، ومن أجل الدفاع عن حرية لبنان “لإخراجه من كونه آخر نقطة إرتكاز للمشروع الإيراني في المنطقة العربيّة، وفي سبيل إنتسابه المتجدّد الى الربيع العربّي الذي إنطلق منه قبل ستّ سنوات، والذي سيضيء سماء الشعوب العربية في المنطقة كلّها قريباً جداً”.
وجدّدت الأمانة العامة لقوى “14 آذار” التأكيد بأنّ ولادة الحكومة تمّت بقرار من أسقط الحكومة السابقة؛ أي النظام السوري.
وحذرت قوى “14 آذار” من أنّ هذه الحكومة تعرّض لبنان لأخطار جسيمة، “من منطلق أن التوجهات التي تأتي لتنفيذها تتعارض وقرارات الشرعية الدولية، سواءً لجهة عدم التوجه الى إنهاء السلاح غير الشرعي كما نصّ على ذلك القرار الدولي 1701 أو لجهة الإنقلاب على المحكمة الدولية وإعلان رفض التعاون معها لا سيّما من جانب الفريق المهيمن على هذه الحكومة”.
مواقف دولية
اعتبرت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان ان تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي خطوة مهمة بالنسبة لمستقبل لبنان والشعب اللبناني داعية الحكومة الجديدة الى احترام التزاماتها الدولية.
واشارت الى انه “في وقت يتم تحديد برنامج عمل حكومة لبنان الجديدة من المهم ان تسعى الى تنفيذ التزاماتها الدولية لا سيما ما يخص محكمة قتلة رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري وتمويلها”.
من جهتها، رحبت الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي كاثرين أشتون “بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة”، وقالت ان “احتمالات التعاون معها ستستند الى مضمون بيانها الوزاري”.
وأصدرت آشتون بياناً اشارت فيه الى انها “ترحب بتشكيل الحكومة الجديدة في لبنان ما يضع حداً لأشهر من المراوحة الدستورية والسياسية””. وأضافت “أنا أثق بأن الحكومة الجديدة ستتبنى بسرعة بيانها الوزاري الذي يدفع بأجندة الإصلاح في لبنان، ومضمون البيان سيكون أساسياً في تحديد احتمالات تعاون الاتحاد الأوروبي مع لبنان”.
وتابعت اشتون انه “لا بد من اتخاذ قرارات والقيام بأفعال مهمة لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية أمام لبنان”. وشددت على ان “الاتحاد الأوروبي يتوقع من الحكومة الجديدة أن تفي بالتزامات لبنان الدولية بما في ذلك قرار مجلس الأمن الدولي 1701 والمحكمة الخاصة بلبنان”.
استحقاقات عاجلة
يتطلع اللبنانيون الى الملفات المتراكمة التي على الحكومة الجديدة التعامل معها. ولئن صارت الهموم المعيشية والاقتصادية حملا متوارثا تتناقله الحكومات المتعاقبة، فإن الملف الأمني المتمثل بالداخل السوري وتركة عهد الحريري في اجهزة الدولة الأمنية في طليعة اهتمامات الحكومة الجديدة، إذ صار واضحا ان مصير اشرف ريفي ووسام الحسن مهنيا بات بعهدة الأكثرية الجديدة، علما ان اول تعليق لوزير الداخلية مروان شربل أشار الى أنه “بالنسبة له الشق الامني العسكري الممثل بالمديرية العامة لقوى الامن الداخلي والمديرية العامة للامن العام هي من الاولويات”، لافتا الى أن “هناك نوعاً من عدم الثقة بين المواطن وبين هاتين المؤسستين”، مشددا على أنه “سيسعى من أجل إعادتهما على السكة الصحيحة”.
وردا على سؤال عن كيفية تعامله مع اللواء أشرف ريفي وفرع المعلومات، قال “اللواء ريفي هو من الضباط التي قلت سابقاً إنه من الضباط الناجحين في قوى الامن الداخلي، وهو ضابط منضبط ويحترم القانون، أما في ما يتعلق بفرع المعلومات، فهو نجح بمهمات كبيرة كانت خارج القانون ويجب أن نهنئه عليها، وسقط بمهمات كلف فيها ولا يجب أن تعاد”.
ومن المتوقع أن يساهم تشكيل الحكومة في ضبط حركة الفلتان الأمني باتجاه الداخل السوري تحديدا، بعد أن ثبت تورط “تيار المستقبل” في دعم وتمويل معارضين لنظام الرئيس الأسد.
التشكيلة الحكومية
أعلن الأمين العام لمجلس الوزراء سهيل البوجي التشكيلة الحكومية التي تضم:
محمد نجيب ميقاتي رئيسا لمجلس الوزراء، سمير مقبل نائبا له، طلال ارسلان وزير دولة، نقولا فتوش وزير دولة لشؤون مجلس النواب، غازي العريضي وزيرا للأشغال العامة والنقل، علي قانصو وزير دولة، علي حسن خليل وزير صحة، محمد الصفدي وزير مالية، محمد فنيش وزير دولة لشؤون التنمية الإدارية، وائل ابو فاعور وزير الشؤون الإجتماعية، جبران باسيل وزير الطاقة والمياه، حسين الحاج حسن وزير الزراعة، شربل نحاس وزير العمل، فادي عبود وزيرا للسياحة، سليم كرم وزير دولة، علاء الدين ترو وزيرا لشؤون المهجرين، احمد كرامي وزير دولة، ناظم الخوري وزير البيئة، فايز غصن وزير الدفاع الوطني، شكيب قرطباوي وزير العدل، عدنان منصور وزير الخارجية، نقولا نحاس وزيرا للاقتصاد والتجارة، مروان شربل وزيرا للداخلية، فريج صابونجيان وزير الصناعة، وليد الداعوق وزيرا للاعلام، بانوس مناجين وزير دولة، حسان دياب وزير التربية، غابي ليون وزيرا للثقافة، نقولا صحناوي وزيرا للاتصالات، فيصل كرامي وزيرا للشباب والرياضة.
Leave a Reply