ديربورن – خاص “صدى الوطن”
لم يغب عن سكان ديربورن خلال الأسبوع الماضي الحديث عن الجريمة المروعة التي هزت المدينة وأودت بحياة الشاب حسن زيدان.
فالحدث احتل حيزاً كبيراً من الجلسات والمناسبات العامة في أوساط الجالية العربية في ديربورن ومحيطها وصولا الى صفحات الانترنت التي شهدت سيلا من التعليقات على الجريمة وأسبابها.
ووسط اختلاف الروايات وتناقض المعلومات وجهت محكمة ديربورن يوم الجمعة الماضي الاتهام بالقتل العمد لفادي حسن فرج (34 عاما) فور خروجه من المستشفى للعلاج من آثار الضرب المبرح الذي تعرض له بعد إطلاقه النار على زيدان.
وقد ترأس الجلسة القاضي مارك سومرز الذي وجه الى فرج تهمة القتل من الدرجة الاولى التي تصل عقوبتها الى السجن المؤبد، وتهمة حيازة السلاح وتصل عقوبتها الى السجن سنتين.
وحسب الإدعاء وقعت الجريمة اثناء مباراة في كرة السلة في باحة وقوف السيارات في اكاديمية “ريفرسايد” على شارع شايفر، حيث بدأت المشكلة بمشادة كلامية بين المتهم والضحية، سرعان ما تطورت الى تشابك بالايدي، بحسب شهود عيان، انطلق بعدها فرج الى سيارته واحضر مسدسا واطلق خمسة عيارات نارية أصابت زيدان واردته قتيلا على الفور.
بعد ذلك ، يقول الإدعاء، أن فرج حاول الهروب من مكان الجريمة إلا ان الحاضرين تمكنوا منه وامسكوا به لحين وصول الشرطة، وهو محتجز حاليا في سجن مقاطعة وين دون كفالة، تمهيدا لتقديمه الى جلسة محاكمة ابتدائية في 12 من الشهر القادم.
وأفاد أحد أقارب عائلة الضحية أن قسم شرطة ديربورن قد حصل على شريط فيديو من إحدى الكاميرات المطلة على الساحة التي حصلت فيها الجريمة، وأنه “على أساس تلك المشاهد التي يضمها الشريط المصور رفضت السلطات المختصة إطلاق سراح القاتل فادي فرج بكفالة مالية”.
إضاءة شموع
وفي ديربورن لم يغب الشعور بالصدمة والحزن على فقدان زيدان، حيث أضاء ما يقارب المئتي شخص الشموع في موقع الجريمة بمناسبة مرور أسبوع على مقتله، قبل أن تقام الذكرى في اليوم التالي في المركز الإسلامي.
وأشعل الشبان والشابات شموعا شكلت حرفي “زي” و”أيتش” (بالإنكليزية) في إشارة إلى إسم الضحية، وسط جو من الصمت والحداد الذي قطعته مرارا قراءة “سورة الفاتحة”، ودعوات الترحم والعزاء لوالده الذي حضر المناسبة مع بعض من أفراد عائلته وأقاربه.
وتحدث الشيخ هشام الحسيني معزيا بالقول: “لقد كنت في وسط الحادث المؤلم ولا أظن أنني سوف أنسى ما حدث، وسوف أتذكره كما سوف تتذكرونه جميعاً لأن المرحوم كان مثال الرجل الطيب”.
وأضاف “هذه الحادثة ستكون فرصة لكي نتعلم جميعا من هذا الدرس، وإننا نعلم أنه لا راد لقضاء الله، ولكن روح حسن زيدان سوف تظل ترفرف فوق هذه المدينة، وتذكرنا بأنه علينا العمل على حماية شبابنا”.
من جانبه وصف الشيخ عبداللطيف رحيل الشاب زيدان “بالمحنة الكبيرة التي ستبقى في نفوسنا وقلوبنا وسوف تكون درسا بليغا للمستقبل أن نحب بعضنا البعض، وأن نتمسك بقيم المحبة والتسامح، وإننا نسأل الله أن يمنحنا الإرادة والقدرة على أن نقدم مثالا جيدا عن العرب والمسلمين والإنسانية في خطها المستقيم والصحيح”.
وألقى بري قصيدة ذات معان رثائية جاء في مطلعها:
هذي الشموع أحبها وتحبني
وتكاد تسألني بصوت متيم
لم لا أشنف بالرثاء بريقها
وأصوغ أشواقي لها وتألمي
وقال رئيس الجامعة الأميركية في بيروت السابق الدكتور نزيه زيدان الذي قدم من لبنان للمشاركة في عزاء ابن أخيه: “إنه لحدث مؤلم في جالية متكاتفة أن يقتل لبناني لبنانيا بدون ذنب وفي الوقت الذي كانا فيه يلعبان الرياضة.. إن الرياضة تعلم الأخلاق والصبر ولا تعلم القتل”.
أضاف “وإننا لا نحمل عائلة القاتل أي جزء من المسؤولية لأنه وحسب الآية القرآنية: لا ترز وازرة وزر أخرى”.
ونوه “إن حسن رحمه الله كان في زيارة إلى لبنان قبل مقتله بأسبوع، حيث ذهب لدعوتي لزيارة أميركا لأقوم بطلب يد الفتاة التي كان سيقوم بخطبتها، ولكن القدر بدّل الأحوال”.
ذكرى أسبوع
وفي ذكرى أسبوع الفقيد التي أقيمت في “المركز الإسلامي في أميركا”، مساء الخميس الماضي، تقدم ما يزيد عن الألف شخص من أبناء الجالية العربية بالعزاء لعائلة الضحية الشاب بحضور فعاليات دينية واجتماعية تقدمها قنصل لبنان العام بالوكالة في ديترويت حسام دياب.
وألقيت في الذكرى كلمات أظهرت مقدار الأسى والاهتمام الذي تعيشه الجالية العربية في ديربورن على خلفية هذه الحادثة الأليمة، حيث اعتبر الشيخ محمد علي إلهي في كلمته أن “الجهل والكبر والغدر هي أمراض اجتماعية تتهدد الأجيال الشابة” ومنتقدا “وسائل الإعلام والأفلام الهوليودية التي تترك تأثيراتها الخطيرة على فئات واسعة من الشبان عبر تقديمها قصص وأبطال خياليين لا يمتون إلى الواقع بصلة”.
وحض إلهي كسبيل لمواجهة مثل تلك الآثار على الالتزام بالتعاليم القرآنية والسلوكيات الإسلامية وفي مقدمتها “تقوى الله التي هي الحل لجميع مشاكلنا الشخصية والاجتماعية”.
وفي السياق ذاته دعا الحاج محمد طرفة إلى تمثل القيم القرآنية التي تضمن لنا الرحمة ومفاتيح التعامل مع الأزمات والظروف العصيبة التي يواجهها الإنسان، ويأتي في مقدمة تلك القيم “الصبر الذي يساعد الإنسان على اتخاذ القرارات الصحيحة والذي يُكافئ به المرء من قبل الله سبحانه وتعالى”.
من ناحيته قال مفتي ميشيغن السيد ابراهيم عبدالله صالح “إن مصيبة مقتل الشاب حسن لم تصب فقط آل زيدان وإنما أصابت عموم الجالية العربية”.
وشدد صالح على ضرورة إعادة الاعتبار للقيم والتقاليد التربوية وخاصة لناحية العلاقة بين الآباء والأبناء معتبراً أن الآباء لم يعودوا يقومون بتربية أبنائهم بالطريقة المثلى، بسبب انجذاب وانخراط الأبناء في أنماط الحياة الأميركية الحديثة، وتأثيرات المدرسة والتلفزيون والمواقع الاجتماعية كالفايسبوك وغيرها.
ودعا صالح إلى تضافر جميع جهود أبناء الجالية ومؤسساتها لتطويق ثقافة وسلوكيات العنف، لأن الجالية من حين إلى آخر تفجع بفقدان أشخاص أبرياء، منوها إلى شرورة إيجاد حلول ناجعة على ضوء التجارب السابقة وعملا بمضمون الحديث الشريف “لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين”.
وأشار ناشر “صدى الوطن” الزميل أسامة السبلاني إلى الدور المهم الذي تلعبه المؤسسات العربية، ولكنه أكد على ضرورة تطويره. وقال السبلاني: “في اليوم الذي تلى الحادثة وفد آلاف الناس إلى المركز الإسلامي لتعزية عائلة الضحية ومشاركتها الأسى والحزن وهذا دليل على تماسك وألفة هذه الجالية”.
وأضاف “إنني يوميا ألمس مدى الصدمة في عيون وقلوب الجميع، ولكن هناك هوة عميقة بين الأبناء الذين يعيشون حياتهم بالذهنية وبالثقافة الأميركية، والآباء الذين مازالوا يعيشون في عقلية القرى والمدن التي جاؤوا منها”.
وشدد السبلاني أن حل هذه المشكلة لا يكون بمحاربة التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة كالـ”فيسبوك” الذي صنع الثورات في العالم العربي ولا بانتقاد إرسال الرسائل النصية عبر الهاتف “لأني أنا نفسي علمت بخبر مقتل حسن من خلال رسالة هاتفية.. الحل يجب أن يكون بفهم الثقافة الأميركية واستنباط الحلول من داخلها مع الحفاظ على هويتنا وثقافتنا”.
Leave a Reply