ما الذي يفعله المحارب في استراحته؟ هل يداوي جروحه وروحه، أم يكتب الرسائل لأحبائه، أم يغط في نوم عميق، أم تراه يقضي الليل مع النساء اللواتي سباهن؟ وهل في الحرب حقا وقت للتأمل؟
في فيلم “كل شيء هادئ على الجبهة الغربية” يرى الجندي المتمرس في الخندق عصفورا جميلاً فيحاول أن يرسمه على ورقة كانت جيبه، وفي اللحظة غير المناسبة تأتيه الطلقة وترديه؟ هل تقتل العصافيرُ الجنودَ أيضا؟
وهل فعلا يفيد التأمل والتساؤل عن أسباب الحرب وجدواها؟ إذا كنا نعرف أول جريمة حصلت في تاريخ البشر يوم قتل قابيل أخاه هابيل، فمتى يا ترى حصلت أول معركة، وماذا كانت أسباب اندلاعها؟ ومتى تم بناء أول جيش بشري، أوتفصيل أول بزة عسكرية يزهو بها الجنرالات وتشغف بها عقول المتحمسين للحروب؟
وهل للحرب أخلاقها، كما أن للخصومة شرفها؟ أم أن كل شيء مباح في الحرب، من قتل الأبرياء وسبي النساء وتسميم الآبار وحرق المحاصيل والإجهاز على الأسرى والتمثيل بالجثث.. إلى تدمير القرى والمدن والأوطان. هل لقادة الحروب أن ينتهجوا فعلا “سياسات الأرض المحروقة” و”الغاية تبرر الوسيلة”، أم أنه يحق لأحد ولو في لحظة وعي عابرة، وساذجة، أن يردد مع الشاعر الفلسطيني محمود درويش: “حبة القمح تكفيني.. أنا وأخي العدو”. وهل يمكن قلب الآية في كل الحروب السابقة، والحروب التي تدور رحاها الآن في سوريا وليبيا، لتصبح “حبة القمح تكفيني.. أنا وعدوي.. الأخ”.
التتاري جنكيز خان أعتى قادة الحروب البربريين، حمل اسم عدو أبيه: تيموجين. هزم الأب خصمه ولكنه أعجب بشجاعته، فسمى ولده باسمه.. ليصبح الولد فيما بعد “ملك ملوك العالم”.
القائد الأوزبكي تيمورلنك، كان لصا وقاطع طريق قبل أن يصبح قائدا عسكريا فذا. تيمور يعني بالعربية: الحديد. ولنك.. تعني الأعرج. كان قائدا أعرج إذن، وعندما وقع عدوه التركي القائد بايزيد الأعور في قبضته. نظر القائد الدموي إلى خصمه وابتسم، ثم قال: أنت أعور وأنا أعرج. وعفا عنه!
هكذا إذن، حتى البرابرة لهم أخلاقهم، فما هي أخلاق أمراء الحروب الأهلية؟ ولماذا يقسو الأخوة على الأخوة بهذا الشكل اللئيم والمقزز، لماذا يذبح ابراهيم قاشوش كالنعاج في حماة، وحمزة الخطيب في درعا، ولماذا يهين الجنود العقائديون المواطنين المدنيين بكل تلك القسوة؟ هل رأيتم ذلك الجندي السوري الذي يركل شخصاً مقيدا في بطنه وصدره، وهو يسأله: بدك حرية؟!
حرب الأخوة تبز حرب الأعداء بشاعة وهمجية، في الوقت الذي يقول المنطق أنها يجب أن تكون أكثر رحمة ورأفة من الحروب النظامية. ومن شاهد أو قرأ عن الحروب الأهلية في رواندا ولبنان والعراق وكوسوفو.. يتعرف على الدرك المنحط في النفسية البشرية وعلى قذاراتها وبهيميتها، لدرجة أن الواحد يتساءل في سره: هل نحن طيبون ومهضومون وأخلاقيون ريثما تندلع الحروب.. ووقتها سنكشر عن أنيابنا وحرابنا وبنادقنا؟ وهل نحن متسامحون وحضاريون ومجاملون ريثما تندلع الحرب وحينها سيأتي الوقت لتصفية الحساب، وحينها سنرى لمن ستكون الكلمة العليا؟
ما الذي يفعله المحارب في وقت استراحته؟ هل يعد نفسه لحرب جديدة، أم يعض أصابعه من شدة الندم والخجل؟ هل يطلب الصفح من أرواح ضحاياه، أم أنه يعد قائمة بأسماء الناس الذي سيقتلهم عما قليل؟ وهل يفكر المحارب بالاستقالة، والانضمام إلى “نادي المحاربين القدماء” أم سيخفي تاريخه وأصابعه الملطخة بالدم؟
كل هذه الأسئلة لا معنى لها، لا قبل الحرب ولا خلالها ولا بعدها، لأنها إذا كانت تراود أصحابها لما أصبحوا محاربين وقتلة. السؤال.. لماذا يخوض المدنيون والمثقفون حروباً أشد قذارة وانحطاطا من حروب العسكريين، حروبا تحريضية تبرر وتذكي الحروب الوحشية على الجبهات، وتساند الأخ الذي يقتل أخاه؟؟
Leave a Reply