أوسلو – مجزرة بدم بارد ضربت النرويج يوم الجمعة الماضي. مرتكبها ليس شرق أوسطيا إسلامياً، بل هو شاب غربي مسيحي ويكره المسلمين يدعى اندرس بيرينغ برييفيك.
ولم يكن مفاجئاً أن يرجح الإعلام العالمي أن برييفيك مختلاً عقلياً، فقد قال محاميه ان الاعتداءين اللذين نفذهما موكله وراح ضحيتهما ٧٦ شخصاً يثبتان انه “مختل عقليا”، موضحا انه لم يقرر بعد ما اذا كان ذلك سيكون خط دفاعه. وقال غير ليبستاد في لقاء مع الصحافة الاجنبية “يجب ان تجرى له فحوص طبية”، موضحا ان موكله “لم يبد اي شفقة”.
واضاف المحامي ان برييفيك الذي اعترف بجرمه “يحتقر جميع الذين يؤمنون بالديموقراطية” و”يعتبر ان ثمة حربا مندلعة”. وتحدث المشبوه الذي اكد انه تصرف بمفرده، عن وجود “خليتين اخريين في النروج وبضع خلايا في الخارج”. واوضح المحامي ان برييفيك “فوجىء بتحقيق غاياته”.
وخفضت الشرطة النرويجية الأسبوع الماضي إجمالي الضحايا في الهجومين اللذين وقعا في العاصمة أوسلو وجزيرة أوتويا إلى 76 قتيلاً بدلاً من 93.
فقد ارتفع عدد ضحايا الانفجار الذي وقع في أوسلو إلى 8 أشخاص، بينما أعادت تقييمها لعدد ضحايا عملية إطلاق النار في جزيرة أوتويا إلى 68 قتيلاً، وبذلك يصل إجمالي عدد القتلى إلى 76 قتيلاً وليس 93 قتيلاً كما ذكر سابقاً.
وخلال ظهوره أمام المحكمة، أقر برييفيك بتنفيذ الهجومين، لكنه قال إنه لم يقصد قتل أكبر عدد ممكن من الناس وإنما “توجيه رسالة غير قابلة للخطأ لحزب العمال النرويج” بعدم السماح بـ”استعمار” الدولة من قبل المسلمين، بحسب القاضي كيم هيجير.
وقال القاضي إن منفذ “مذبحة النرويج” أندريس برييفيك (٣٢ عاماً)، سيبقى خلال فترة احتجازه في الحجز الانفرادي لمدة أربعة أسابيع، خشية العبث بالأدلة، ولن يسمح له باستقبال الزوار أو البريد أو الاطلاع على الأنباء خلال الأسابيع الأربعة القادمة.
ويبحث المحققون في النرويج عن مزاعم بوجود صلة للمتهم بالعمل مع خليتين لتنفيذ الهجوم، حيث أقر المتهم بأنه كان على صلة بهما، غير أن مسؤولين في المحكمة قالوا إنه لا يمكنهم تأكيد وجود مثل هذه الخلايا.
وحول موعد ظهوره لاحقاً في المحكمة، فهذا يعتمد على سرعة التحقيقات التي تجريها الشرطة.
وفي سياق آخر، كتبت الصحيفة الأميركية تقول إن عمليات القتل التي شهدتها النرويج تلقي بالضوء على مشاعر العداء للإسلام في الولايات المتحدة، فالرجل المتهم بالوقوف وراء “مذبحة النرويج” متأثر للغاية بآراء مجموعة من المدونيين والكتاب الأميركيين ممن حذروا، قبل عدة سنوات، من خطر التهديد المتمثل في الإسلام، فوثائقه المؤلفة من 1500 صفحة المنشورة في الإنترنت، تحوي مقتبسات من أفكارهم. وأضافت الصحيفة أن الوثائق تلك أظهرت “أنه يتابع عن كثب الجدل الأميركي اللاذع حول الإسلام، فالـ”منفستو”، الذي شجب فيه السياسيين النرويجيين لتقاعسهم في الدفاع عن البلاد من تأثير الإسلام، استشهد فيه 64 مرة بروبرت سبنسر، مؤسس موقع “الجهاد ويب ووتش”، بجانب مقاطع من كتاب غربيين آخرين يشاطرونه ذات الآراء التي ترى في المهاجرين المسلمين كخطر داهم على الثقافة الغربية”.
تفاصيل هجوم جزيرة أوتويا النرويجية
بعد ساعات من التفجير الضخم الذي ضرب قلب أوسلو، أخذت تقارير ترد عن هجوم مروع جديد: إطلاق النار العشوائي على مجموعة من الشباب.
كان هؤلاء يشاركون في معسكر ينظمه حزب العمال الحاكم في جزيرة صغيرة غرب العاصمة في واحدة من أشد حوادث إطلاق النار العشوائي في العالم دموية.
فقد أطلق مسلح النار على الشباب في جزيرة أوتويا، باثا الرعب بينهم قبل أن يتم القبض عليه في النهاية.
قتل ٦٨ شخصا على الأقل وفقا للشرطة التي حذرت من أن هذه الرقم قد يرتفع، حيث لا يزال عدد من الناس في عداد المفقودين. وكانت التقارير الأولية قد قدرت عددهم بعشرة.
وقد أظهرت صور تلفزيونية أفراد الشرطة الخاصة يصلون الجزيرة في قوارب فيما كان ناجون يحاولون السباحة للشاطئ.
وحاول آخرون الاختباء بين الأحراش، وكانوا يطلبون المساعدة عبر إرسال رسائل نصية من هواتفهم المحمولة لأنهم كانوا يخشون من أن يؤدي حديثهم بالهاتف إلى كشف مكان وجودهم.
وقد وصف بعض الذين لمحوا المسلح بأنه نرويجي المظهر طويل وأشقر الشعر كان يلبس ما يبدو أنه زي رجال الشرطة.
وصرح أدريان براكون أحد المسؤولين لذي شهد الواقعة لصحيفة “فاردين” النرويجية أنه كان هناك رعب شامل في أوساط نزلاء المعسكر مضيفا أنه رأى أربعة جثث.
قالت أنيتا باكاس التي نجت ابنتها من الحادث لـ”بي بي سي” إن 600 شخصا تقريبا اشتركوا في المخيم المقام وسط الغابات.
وأضافت أن ابنتها اختبأت في دورة مياه مع أربع فتيات لمدة ساعة وكانت تتصل بهم بإرسال رسائل نصية.
وقالت الفتاة لوالدتها إن إطلاق النار بدأ بعد ما دعي المشاركون في المعسكر إلى اجتماع للاستماع لأنباء التفجير في أوسلو الذي كان قد جرى قبل ساعات.
وقالت الأم إنه بينما كانت الفتاة مختبئة في دورة المياه كانت النيران تطلق على الناس في الخارج ويقتلون.
ونقل التلفزيون النرويجي عن شاهد عيان قوله إن رجلا كان يرتدي زي الشرطة قد دعا الموجودين للتجمع قبل أن يفتح النار عليهم.
وقال والد إحدى الفتيات المشتركات في المعسكر إنه تلقى رسالة نصية من ابنته تقول فيها “هناك إطلاق نار، أنا مختبئة”. وأضاف “تواصلنا عبر الرسائل النصية وطلبت مني ألا اتصل حتى لا يتم اكتشاف المكان الذي كانت تختبئ فيه”.
وصرح لـ”بي بي سي” علي إسباتي، وهو سياسي نرويجي من أصل إيراني وكان موجودا في المعسكر، بأنه رأى المشتبه به بعد ساعات من بدء إطلاق النار وكان مختبئا في الغابات.
وقال إسباتي إن المسلح بدا مرتديا زي رجل شرطة ويحمل بندقية في يده. وأضاف “قفزت في الماء كعديدين حولي وابتعدت عدة امتار ثم حاولت أن أرى ما إذا كان آتيا نحوي”.
ووصف عدد من شهود العيان كيف قفز المشتركون في المعسكر من الرعب في المياه فرارا من إطلاق النار العشوائي، إلا أن المسلح أطلق النيران على الذين كانوا يسبحون محاولين الهرب.
وقالت إليس إحدى المشاركات لوكالة “اسوشيتدبرس برس” “لقد رأيت عددا من القتلى، في البداية أطلق المسلح النار على الموجودين في الجزيرة، بعد ذلك أخذ في إطلاق النار على الذين في الماء”.
من جانب آخر ذكر ياكوب بارتنيس أحد أفراد قوة الشرطة النرويجية التي كانت مكلفة بمهاجمة منفذ الهجوم، في مؤتمر صحفي الأربعاء الماضي أن برييفيك استقبل قوة الشرطة رافعا يديه لأعلى وواضعا سلاحه على الأرض.
وقالت وكالة أنباء “إن تي بي” أن بارتنيس ينتمي إلى مجموعة “دلتا” التي تضم ثمانية أفراد وتعد قوة الصفوة في شرطة أوسلو، وكانت هذه القوة توجهت إلى جزيرة أوتويا بعد ساعة من تلقيها إشارة بهجوم بإطلاق النار على المعسكر.
من هو برييفيك؟
بعد أسبوع على اقترافه المجزرة ما زال الغموض يسود الموقف حيال منفذ العملية ودوافعه الحقيقية، وتتسابق وسائل الإعلام المحلية والعالمية لنقل معلومات حوله، إذ أشارت “سي أن أن” إلى أنه ينتمي إلى فرع ماسوني وإلى تيار ديني مسيحي متشدد يعارض هجرة الأجانب إلى البلاد، كما كان له تحفظات خاصة على المهاجرين المسلمين.
وتقول مصادر في أوسلو إن برييفيك هو “متشدد مسيحي ينتمي لتيار يميني” وقد يكون له مواقف معارضة لتوجهات الحكومة العامة في قضايا هجرة الأجانب وتأسيس المجتمع المتعدد الثقافات.
وتشير المعلومات التي نشرتها صحيفة VG النرويجية إلى أن برييفيك عضو في أحد الأندية المحلية المخصصة للأسلحة النارية، وأن لديه ثلاثة أسلحة مسجلة باسمه، بينها مسدس من طراز “غلوك” وبندقية.
أما شبكة NRK النرويجية للإعلام فقد أشارت إلى أن برييفيك ليس لديه خلفيات عسكرية، حتى أنه استبعد من التدريبات العسكرية الإلزامية لطلاب المدارس في البلاد.
وكان برييفيك ينشط ضمن حزب “فريمسكريت بارتيت” الذي يخصص جزءاً كبيراً من خطابه لقضية الهجرة الخارجية إلى النرويج وضرورة الحد منها، وقد أكد هيرالد منهايم، أحد قادة الحزب، لصحيفة VG أن برييفيك كان بالفعل ينشط ضمن صفوفه، وقال إن اللقاء معه كان يشبه “الاجتماع مع (زعيم ألمانيا النازية أدولف) هتلر قبل انفجار الحرب العالمية الثانية”.
وفي سياق متصل، نقلت صحيفة “داغبلادت” عن منهايم نفسه قوله إنه يرأس فرعاً محلياً في أوسلو للجمعية الماسونية، وقد كان برييفيك أحد الأعضاء فيه أيضاً.
وتحمل بعض المواقع الإلكترونية آثار مشاركات لشخص يتطابق اسمه مع برييفيك، بينها مشاركة على منتدى”دوكيومنت” تعود لعام 2009 قال فيها إن المراهقين غير المسلمين هم “في موقف حرج” حيال إمكانية تعرضهم للتحرش من مراهقين مسلمين.
وقال كاتب المشاركة الذي لا يمكن التأكد بشكل حاسم ما إذا كان هو نفسه المهاجم: “أنا على علم بمئات الحالات التي تعرض فيها غير المسلمين للضرب والسرقة والتحرش من قبل عصابات إسلامية.. لقد كان لي صديق عزيز باكستاني الجنسية عندما كان عمري بين 12 و17 عاماً، ولذلك كنت أتمتع بالحماية، غير أن موقعي هذا جعلني أطلع على هذا النفاق عن كثب، وقد أصابني الأمر بالقرف”.
وعلى موقع “تويتر”، تبرز مساهمة وحيدة تحمل اسم برييفيك، أعاد عبرها نشر مقولة الفيلسوف البريطاني روبرت ميل، ومفادها أن “قوة رجل واحد مؤمن تعادل قوة مائة ألف رجل تحركهم المصلحة”.
وتشير الوثائق إلى أن برييفيك كان يدير شركة تعمل في مجال المنتجات الزراعية، وقد يكون لذلك صلة بقدرته على الوصول إلى مواد كيماوية تستخدم لتخصيب التربة، وهي في الوقت عينه قابلة للاستخدام في صناعة المتفجرات.
وقد تحدثت “سي أن أن” إلى أودمي استنستاد، وهي موظفة في شركة زراعية نرويجية قالت إنها باعت لريفيك ستة أطنان من المخصبات الزراعية، ولم تر في الأمر بأساً باعتبار أنه يعمل في هذا القطاع، ولكنها اتصلت لاحقاً بالشرطة لتعلمها بما جرى بعد أن شاهدت صورته على شبكات التلفزة
Leave a Reply