في زمان قديم، في طفولة هذا المكان الذي غالبا ما نسميه أرضا، لم تكن لغة مترامية الكلمات، لكي نتحدث عن قمحنا مثلما يشتهي القمح، أو نتحدث عن خمرنا مثلما تفعل الخمر. كنا نشير إلى شجر ضاحك بالأصابع. لا لغة تتعدى أصابعنا العشر، والحقل أوسع مما يظن حصانك. كنا نجيد التأمل في اقحوان السفوح، ونسأل أنفسنا: كيف يمكننا “قطع هذا الطريق إلى آخره؟”.
/
الشقائق الحمر كانت تقسم بين حقلي وحقلك، فانظر يا أخي عدالة هذي الطبيعة، وافهم إشاراتها يا أخي: مستباح دمنا لا محالة، في حاجز بين حقلي وحقلك. بين ربي وربك.
/
في طفولة هذا المكان، حينما كانت الأرض تدرج، قتلت أخي حسدا وانتظرتُ. جاء من جهة لا تعرفها البوصلة غرابان واقتتلا أمامي ساعة من نهار من أجل فضاء واسع يؤرجح عمريهما الأسودين. واحد منهما استباح دماء أخيه وعلمني أن أهيل التراب على سوأة الجسد البشري. وعلمني أن أواري صدى صرخة لم تزل تتردد: في الأرض متسع لكلينا معا يا أخي، فلماذا كسرت جرار الهواء القريب من الرئتين؟ وفي الأرض.. رائحة الأرض كي نستطيب الحياة، وكي نزرع السرو عند السياج، ليلجأ العابرون إلينا، إلى ظلنا في الصحارى إذا انحسر الظل. لا شجر يستطيع الوصول إلى ربه، والله “ينقص الأرض من أطرافها” لنعلم من أي غصن، على أي شجرة، تتدلى هذه الأرض كالبرتقالة. لا تكتسحني. لا تمتني يا أخي. إن امرأة اشتهتني بمنتصف الشهر: نافورة تلك أم نخلة تتعرى؟ من يؤبر أزهارها يا أخي؟ ما أحر دمي.. وما أقل أصابعي. أخي يا أخي.. لماذا بعثتني إلى مستطيل الظلام؟ في دمي قمر مطفأ يتحسس صورته في أعالي البحار. تلك أنثى تغني وتنضو الثياب عن الجسد المرمري، وتومئ لي. هل أنا أستطيع الوصول إلى منحنيات شهوتها؟ أي ضوء ترى في الأزاهير، يغوي الفراشات، ولا تستطيع الشموع صناعته دون قتل الفراش. أخي يا أخي.. لماذا قتلت أخاك؟
/
في زمان قديم. قتلت أخي حسدا. والغراب عاد بعد الجنازة إلى عش أخيه. وعدت.. لأكمل درس السماء. دخلت بيت أخي. نمت فوق سريره، وأكملت أحلامه. لبست ثيابه وشربت خموره. وورثت زيته وقمحه وخيله وثياب العيد. كان أخي طيبا وبسيطا، وكان الله يحبه أكثر مني، ويرزقه أكثر مني. وكنت أنا القاتل الطيب القلب قابيل أحسده.. فقتله!
/
في زمان قديم. كانت الأرض طازجة، والسماء القريبة عذراء، والبحر حلو المذاق. وأنا قتلت أخي، فاهنئوا.. أو على الأقل صفقوا لي
Leave a Reply