رغم اختبائه كالجرذ في إحدى الحفر، سقط أخيراً الطاغية المهرج معمر القذافي بعد ٤٢ عاماً من الحكم الدكتاتوري الدموي الذي ألغى فيه كل مقومات بلد وشعب لصالح نزواته ورغباته النرجسية الدفينة النفسية المعقدة بعد أن نصب نفسه خليفة الله على الأرض، كأنه خلقه لوحده و”كسرالقالب”. ولم يعادل فرح الشعب الليبي المظلوم بالإطاحة بالقذافي إلا فرحة أبناء جبل عامل وباقي اللبنانيين الشرفاء من كل الطوائف وكل المسلمين الأباة من الذين يقدرون سماحة الإمام السيد موسى الصدررئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، القائد العظيم من عظماء الإسلام والإنسانية ورائد حوار الحضارات والتعايش الإسلامي المسيحي، والمرجع الديني والسياسي والفكري الكبير. ولعل سقوط المجرم المأفون عشية المناسبة السنوية الثالثة والثلاثين لإخفاء الإمام الصدر ورفيقيه فضيلة الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدرالدين، هومفارقة وفضلٌ من الله في شهره الكريم وسعي الشعب الليبي (لا الأطلسي) وبركة الإمام الصدر-الإمام والإنسان الطاهر المبدع في عطائه وثورته الإيثارية التنويرية الاعتدالية الشاملة التي هي في صلب الأديان السماوية والمبادىء الإنسانية النيرة. وكما ذكرني أحد الأصدقاء فإن الطاغية صدام حسين ونظامه العفلقي أطيح بهما في نفس يوم إستشهاد الإمام محمد باقر الصدر كما “إنقلع” القذافي خلال ليالي القدر المباركة وفي ذكرى زيارة الإمام الصدر إلى ليبيا منذ ٣٣ عاماً: “بشرالقاتل بالقتل ولوبعد حين”، والسيدان من آل الصدر لهما مكرمة عند الله.
يقول المثل “عندما تقع البقرة يكثر سلاخوها”، ولهذا لم يبق أحدٌ في العالم إلا وأدلى بدلوه في السلخ الكلامي ضد هذا الوحش الكاسر. حتى وليد جنبلاط نفسه، الذي تنعم طويلاً بأموال القذافي عندما كان يتقمص ويقتنص دور رئيس “الحركة الوطنية اللبنانية”، أعلن أن سقوط الطاغية الثالث يثبت فشل الحزب الواحد والزعيم الواحد! لكن أنصار ومريدي الإمام الصدر وأنصاره من كل الملل والنحل “كشفوا” هذا الطاغية بعد تسع سنوات فقط من “إنقلابه” المشؤوم وفي عز عنجهيته وشرائه ذمم الأحزاب والحركات والمنظمات والصحف، أي في ٣١ آب ١٩٧٨، يوم الفصل بسقوط القناع عن وجهه الذميم اثر إرتكابه جريمة العصر والإنسانية.
واليوم بعد إنتصار الشعب الأبي في ليبيا ووصول “المجلس الإنتقالي” على حصان طروادة الأطلسي حتى وكر “باب العزيزية”، باب الشر المطلق، ثم تعثر “الثوار” الذين تبين أنهم لا يعرفون أن يقلوا بيضة من دون “التحالف الغربي” نتيجة التعثر والإرباك بعد الإعلان عن إعتقال أبناء الطاغية ثم ظهور “عدو الإسلام” في طرابلس، من المهم أن ينتبه هؤلاء إلى أن الغرب لم يتدخل في ليبيا كرمى لعيون الشعب الليبي المضطهد بل من أجل قبض الثمن نقداً وعداً وحل أزمة الغرب المالية والإقتصادية. فالنفط لدى الدول الأوروبية هو أهم من دم الشعب العربي الليبي ولو كانت الدول الكبرى تحركها الإنسانية لتدخلت عسكرياً في الصومال من أجل إنقاذ ملايين الجياع هناك! وكم كانت ملفتةً التصاريح المتزايدة لرئيس وزراء بريطانيا ضد الطاغية بعد القمع الذي أظهره بحق المتظاهرين في بلده الذين سماهم “مشاغبين ومجرمين”، فما يحق لبريطانيا لايحق لسوريا مثلاً وهي تحارب الذباحين الفخورين على الشاشات وفضائيات “قناة التزويرة”! الخوف أن يكون الغرب واميركا قد إستوعبا الصدمة المحرجة لهما في مصر وتونس و بدآ بتطويق “الربيع العربي” من خلال الثورة المضادة التي بدأت في سوريا تحت ستار التخلص من الطغاة المحليين. إنه الإستعمار الجديد بقفازاتٍ حريرية ناعمة، عنوانه التدخل العسكري في ليبيا وزيارة السفيرالأميركي لحماة وكأنه عضو في “مجلس قيادة الثورة السلفية”. لم يعرف التاريخ أصلف من هكذا تدخل سافر في شؤون دولة مستقلة وعلى عينك يا تاجر!
الموضوع الأهم لنا في كل هذه “الجاروشة” هي قضية الإمام السيد موسى الصدر. فمنذ الإنتفاضة المباركة ضد حكم الزنيم التي ترأسها “المجلس الإنتقالي” المؤلف معظمه من أشخاص كانوا حتى الأمس القريب من أقرب مساعدي القذافي قبل أن يركبوا موجة الثورة، بادر بعضهم للتطوع بمعلوماتٍ متناقضة عن الإمام الصدر. لكن لن يشفع لهؤلاء الذين شاركوا القذافي إما بالتنفيذ أو السكوت عن جرائمه الكبرى، صحوة “ضميرهم” المفاجئة ولن تعفيهم من المسؤولية والمساءلة في قضية تغييب الإمام مهما ذموا بسيدهم السابق. فعبد السلام جلود الذي أصبح ثورياً اليوم بعد أن أغلق “بوزه” منذ سقوطه عام ١٩٩٠ لن يخدعنا بتغيير جلده كما لن يخدعنا موسى كوسا وقذاف الدم أو الهوني وغيرهم.
وكم أثلجت قلوب محبي الإمام الصدر مشاهد تدمير أوكار القذافي الموبوءة وإطلاق سجناء، متأملين أن نسمع عن الإفراج عن سماحته كي نفرج عن كربنا بغيابه الطويل، لكنناً سئمنا الإنتظار ووعود “المجلس الوطني الإنتقالي” كما مللنا من وطن “خيال الصحراء” لأنه لم يبادر إلى تفعيل قضية الإمام عالمياً خصوصاً وأن هذا هو الوقت الأنسب للتحرك دولياً ومحلياً من أجل الإمام. يستحق الإمام الصدر العظيم مئة محكمة دولية لكشف مصيره وعلى النظام الجديد في ليبيا أن يبيض صفحته ويبرىء ذمته بجعل قضية كشف مصيرالإمام في سلم أولوياته حتى يكفّر عن جريمة الطاغية الجلاد، ذلك أن “شبه الوطن” وقضاءه الأعور الذي ماطل ثلاث حقب كاملة، متقاعس إلى حد التواطؤ! سؤالٌ برسم العالم والإنسانية من جديد: أين الإمام الصدر؟
Leave a Reply