جهود دولية محدودة لرفع التجميد عن الأموال.. وحديث عن تدخل بري للناتو
طرابلس – مع تمكن الثوار الليبيين من دخول “باب العزيزية” في طرابلس عرين “ملك ملوك إفريقيا”، بدأ الأسبوع الماضي على وقع أخبار متسارعة حول انهيار نظام العقيد معمر القذافي وأخبار القبض على بعض أبنائه التي تبين عدم صحتها. وسرعان ما تلاشى زخم الفرحة، مع نشوب معارك عنيفة شهدتها المدينة مع عناصر كتائب القذافي، من دون إحراز تقدم في العثور على معمر القذافي الذي واصل مخاطبة أنصاره عبر تسجيلات صوتية تحثهم على “تطهير” ليبيا.
وفيما حملت المعارك قدرا كبيرا من الدموية ومؤشرات إلى انتهاكات وإعدامات لأسرى، تعالى صوت المعارضة مطالبة باستعادة بعض اموال ليبيا المجمدة دوليا للحؤول دون انهيار النظام في البلاد. لكن الإجراءات العالمية في هذا الصدد لم تتعد الإفراج عن بضعة مليارات في حين تقدر الاموال المجمدة عالميا بأكثر من 160 مليار دولار.
أما عن الدور العسكري لدول حلف الأطلسي، فأكد وزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلو على أهمية مواصلته، فيما لمحت أميركا إلى إمكان تشكيل قوة امنية تحت لواء الامم المتحدة للتدخل في ليبيا أو على أقل تقدير تدريب قوى الامن الليبية، برغم استبعادها أن يطلب المعارضون قوة تدخل على الأرض. كما ظهرت مؤشرات جديدة على الدور العسكري الذي تلعبه عناصر اوروبية على الأراضي الليبية بشكل سريّ.
وخاض مقاتلو المعارضة الليبيون معارك ضد موالين أشداء لمعمر القذافي في أنحاء طرابلس وهم يسابقون الزمن للعثور على الرجل القوي الذي سقط والقضاء عليه وإجهاض أي هجوم مضاد من جانب عائلته والموالين الآخرين له.
وبينما أبقت زخات نيران الاسلحة الآلية وطلقات القناصة السكان المدنيين في طرابلس البالغ عددهم مليوني نسمة داخل منازلهم ومع انخفاض الإمدادات، قالت مجموعة من المعارضة انهم اعتقدوا أنهم نصبوا كمينا للقذافي وبعض أبنائه في مبنى لكن لا يوجد مؤشر على ان القذافي كان بالداخل.
واقتحم الآلاف من مقاتلي الثوار حي بوسليم في طرابلس حيث إحدى مناطق تمركز كتائب القذافي، ودارت معارك عنيفة فيما اقتحم المقاتلون المعارضون أعدادا كبيرة من المنازل واعتقلوا عشرات الأسرى. وفر معظم سكان الحي منه مع عائلاتهم بالسيارات.
وأحصى مراسلو وكالة “رويترز” 30 جثة وهي في ما يبدو لجنود ومسلحين حاربوا في صف القذافي في موقع بوسط طرابلس. وكان اثنان على الاقل أياديهما مقيدة. وكان أحدهما مثبتا بسرير مستشفى متحرك ومحقنة ما زالت في ذراعه، ما يشير إلى تنفيذ إعدامات بحق أسرى من قوات القذافي. وكانت جميع الجثث فيها آثار طلقات عديدة. ورغم سقوط مقر القذافي في العاصمة ما زال الموالون له يسيطرون في ما يبدو على مدينة سرت على ساحل البحر المتوسط وأشارت تقارير الى انهم يقاتلون في سبها في الجنوب.
وأقر الثوار على الجبهة الشرقية، حيث يتقدم الثوار باتجاه مدينة سرت، بأنهم واجهوا مقاومة غير متوقعة في بن جواد على بعد نحو 140 كلم. وتقع بن جواد الى الشرق من سرت، ومنها لا تزال القوات الموالية للقذافي تطلق صواريخ “سكود”. ولم ينجح الثوار في السيطرة على بن جواد وهم لم يتمكنوا بتاتا من تجاوز المدينة خلال معارك الكر والفر العديدة على الجبهة الشرقية منذ بداية النزاع في شباط الماضي. وقال القيادي في صفوف الثوار فوزي بوقطيف، “برغم سقوط طرابلس، تواصل كتائب القذافي القتال، انه أمر محير”. ولكنه اكد ان الثوار سينجحون في السيطرة على سرت “إنها ليست سوى مسألة وقت”.
القذافي
ومن ناحيته، دعا القذافي أنصاره الى مقاتلة المتمردين وتحرير طرابلس، وذلك في رسالة صوتية أذاعتها قناة “الراي” الفضائية. وقال القذافي المتواري عن الانظار “يجب المقاومة ضد الجرذان الأعداء الذين سيهزمون بالكفاح المسلح… لا تخشوهم ابدا واخشوا الله، اخرجوا حرروا طرابلس ودمروهم”. وقال القذافي “ليبيا لكم وليست للعملاء الذين يستنجدون بالناتو، فلتزحف كل الجماهير الى طرابلس، الى الأمام”. وأضاف “يا شباب طرابلس قاتلوهم، شارعا شارعا، زنقة زنقة، بيتا بيتا… سوف لن يكون هناك مكان آمن للاعداء، انهم شرذمة قليلة، بالبنادق سيتم القضاء عليهم، سيهزم العدو سيهزم الحلف (الاطلسي) ارجموهم وطهروا مدينة طربلس العظيمة من جرذان الاستعمار”. وأهاب القذافي بأنصاره الا يخافوا من القصف، لأنها مجرد “قنابل صوتية”.
وأعلن رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل أن عدد القتلى “تجاوز العشرين ألفا”. وقال عبد الجليل في مؤتمر صحافي في بنغازي، “عاصمة” الثوار في الشرق، “لا أرقام مؤكدة حتى الآن ولكن عدد الشهداء تجاوز العشرين الفا”.
التدخل البري الغربي
وفي سياق آخر، قالت وزارة الخارجية الأميركية ان من غير المرجح أن يطلب المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا قوة دولية لحفظ السلام لبسط الاستقرار في البلاد لكنه قد يطلب مساعدة في مجال الشرطة. ولم تعلق المتحدثة باسم الوزارة فيكتوريا نولاند على ما إذا كانت الولايات المتحدة ستشارك بالمساعدة في جهود الشرطة. وكانت واشنطن تعهدت بعدم نشر قوات برية في ليبيا بعد الحرب. لكن نولاند قالت ان الولايات المتحدة ستؤيد طلبا ليبيا للأمم المتحدة بهذا الشأن.
وأعلن وزير الدفاع البريطاني ليام فوكس في تصريحات لمحطة تلفزيون بريطانية خاصة ان الحلف الاطلسي يساهم في تعقب العقيد معمر القذافي عبر توفير “معلومات ومعدات استطلاع”. وقال فوكس في تصريحات لمحطة “سكاي نيوز”: “يمكنني ان اؤكد ان الحلف الاطلسي يوفر المعلومات ومعدات استطلاع الى المجلس الوطني الانتقالي للمساعدة على تحديد مكان العقيد القذافي وأفراد آخرين في نظامه”. وأوضحت وزارة الدفاع ان الامر كناية عن معدات عسكرية على غرار “طائرات ومعدات ارضية”. وردا على سؤال حول امكانية ان تشتمل “المعلومات والمعدات” على قوات خاصة على غرار فرق الكوماندوس البريطانية الخاصة قال المتحدث “لا يمكننا التعليق على القوات الخاصة في الوقت الراهن”.
وأفادت صحيفة الـ”تلغراف” ان عناصر في “القوة الجوية الخاصة” (أس أي أس) منتشرون في ليبيا. وقالت الصحيفة “للمرة الاولى اكدت مصادر في وزارة الدفاع ان القوات الخاصة نشرت في ليبيا قبل اسابيع ولعبت دورا محوريا في تنسيق معركة طرابلس”. وهذه القوات الخاصة التي يرتدي عناصرها الملابس المدنية ويحملون الاسلحة نفسها التي يحملها الثوار، تلقت اوامر بالتركيز على العثور على القذافي، بحسب الصحيفة.
وفي ما بعد، اكدت المتحدثة باسم حلف شمال الاطلسي ان الحلف لا يستهدف القذافي وأنه لا ينسق عسكريا مع الثوار. وقال مراسل وكالة “فرانس برس” ان فرنسيين وبريطانيين بالزي المدني يتواجدون منذ اسابيع في محيط مصفاة الزويتينة المتوقفة حيث مركز قيادة الجبهة الشرقية للثوار على بعد حوالى 150 كلم جنوب غرب بنغازي مقر المجلس الوطني الانتقالي.
وفي مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” ذكر مصدر في حلف شمال الاطلسي ان مشاركة القوات الخاصة الفرنسية والبريطانية في العمليات الجارية “كبيرة الى حد ما” وخاصة في تنسيق الوسائل الجوية.
وقال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ ان نظام القذافي انتهى لكن المعارك لم تنته، وإن “هناك قوات موالية للنظام لا تزال ناشطة وهي تتمركز خصوصا في جنوب طرابلس وحول سرت، وطالما استمر ذلك، فإنها ستبقى تهديدا للمدنيين، وعليه ستستمر عمليات حلف الاطلسي”.
وخلال اجتماع “مجموعة الاتصال” حول ليبيا في اسطنبول، قال وزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلو إن حلف شمال الاطلسي يجب أن يواصل عملياته حتى يتم تأمين ليبيا بشكل كامل. وقال “من المهم أن يواصل حلف شمال الأطلسي عملياته لضمان الأمن للشعب كله. ومن ناحية أخرى من المهم للغاية التخطيط الفوري لمرحلة ما بعد الحرب”.
وقال سفير ليبيا في الإمارات عارف النايض الذي كان يتحدث للصحافيين على هامش اجتماع في إسطنبول إن ليبيا لن تطلب نشر قوات أجنبية في البلاد لكنها تتوقع الحصول على مساعدة من الأمم المتحدة في إعادة بناء الجيش والشرطة.
وقررت مجموعة الاتصال خلال اجتماعها في اسطنبول تسريع عملية الافراج عن الاموال الليبية المجمدة في الخارج ما سيتيح للثوار تلقي 2,5 مليار دولار قبل نهاية آب (أغسطس) الحالي. وقال فتحي باجا المسؤول عن لجنة الشؤون السياسية في المجلس الوطني الانتقالي في ختام اجتماع مجموعة الاتصال في اسطنبول “لا توجد التزامات الا ان الامور تتحرك. سنتلقى نحو 2,5 مليار دولار بحلول اواخر الشهر الحالي”. وأضاف باجا ان المجتمع الدولي “على وشك الافراج” عن الاموال المجمدة.
وأعلنت نولاند أن السطات الاميركية أفرجت عن الأرصدة التابعة للسفارة الليبية في واشنطن والتي تم تجميدها تنفيذا للعقوبات الدولية ضد نظام العقيد الليبي معمر القذافي. وتشير مصادر إعلامية اميركية إلى أن المبلغ هو نحو 13 مليون دولار. ويذكر أن الاموال الليبية المجمدة عالميا تصل إلى أكثر من 160 مليار دولار.
ووعد رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل بأن تكون الاولوية في مشاريع اعادة اعمار البلاد للدول التي ساعدت الثورة الليبية “بمقدار ما قدمت للثورة من مساعدات
Leave a Reply