كتب أحد المثقفين في مدونته على الانترنت في يوم القدس العالمي والذي صادف يوم الجمعة من الأسبوع الماضي، كتب معلقا بما معناه إذا كان الشعب الفلسطيني في الداخل لا يهتم بيوم القدس العالمي، فلماذا كل هذا الاهتمام والاحتفال به في بيروت؟
بعض التعليقات تورط القارئ بالرد عليها، وهذا التعليق واحد منها خصوصا بالنسبة لإنسان من جيلي. كان مبررا له أن يعيش انفعالاته وقلبه مع كل الأحرار والثورات في العالم، مع شعب فيتنام والجزائر والتضامن مع أوجاع الهنود الحمر وحركة القوة السوداء الزنجية. جيل حاول أن يعتبر مثله الأعلى شخصا مثل أرنستو تشي غيفارا، وبحث طويلا في تاريخه على الوجه الإيجابي للصعاليك، وعن بسالة وشجاعة أبي ذر الغفاري ونظامه وفكره وحياته، ويضرب المثل بعلي ابن أبي طالب وابنه الحسين سيد الشهداء. جيل كان يطالب نفسه بالتطوع مع العمل الفدائي في فلسطين وعلى أساس أن ذلك التطوع هو أدنى واجبات إنسان تجاه نفسه وبني قومه في مرحلة كان يصنع التاريخ فيها كل يوم.
أما الآن يا سادة يا كرام، فقد وصل جيلنا إلى مرحلة صار فيها الحديث عن فلسطين يثير السخرية والملل وصار إيراد كلمة المقاومة يثير الشبهة في القوى العقلية لمن يقولها. وغدا الحديث عن تحرير فلسطين مثل الحديث عن الوحدة العربية، كلاما باللغة الصينية التي لا يفهمها أحد. بالمقابل صار الحديث عن اسرائيل والصهيونية وعن الخسة والرشوة والسرقة لا يستدعي رفع الحواجب دهشة أو استغرابا.
قد يسأل سائل.. كيف وصلنا الى هذه المرحلة؟
أجوبة بسيطة تريح من التفكير والتحليل. بني صهيون أقوياء ومؤمنون بقضيتهم وقد اشتغلوا باستمرار من أجلها وقدروا قيمة كل تضحية في سبيلها، بينما نتعامل مع قضايانا مثل الهواة من الشباب حتى أوصلتنا الهزائم المتتالية التي تسبب لنا بها المسؤولون عن حياتنا الى حيث مجرد الحديث عن أي واجب أو حق أو مسؤولية يثير الملل والدهشة السلبية والتعليقات الساخرة مثل التعليق والتنكيت في يوم القدس العالمي والعجب والاستنكار واللوم لبيروت إن تذكرت ذلك اليوم وأقامت له احتفالا.
أخشى الوقوع في الملل عند الاستطراد في تاريخ المراحل التي أوصلت جيلنا لأن يكون خارج العصر الذي يقال فيه إن السياسة هي فن الممكن. إن الممكن الوحيد للأسف والمتاح أمام السياسيين أنفسهم هو هوة اليأس التي ألقتنا فيها أعمال السياسيين أنفسهم. وإن ما نحن فيه الآن من ترد وهزال ووهن واكتئاب هو نتيجة النزيف الحاد الذي أصابوا به عقولنا وكرامتنا وأحاسيسنا الوطنية وجعل دمنا رخيصا في الماضي وهم يرخصون الآن تاريخ العرب وكرامتهم وعقولهم.
نعم لماذا نتذكر القدس؟ لننساها! مثلما نسينا الإمام موسى الصدر وكمال جنبلاط وجمال عبدالناصر وغيرهم ممن حفرت أسماؤهم بشرف في عقولنا، ولنقدم فروض الطاعة لهذا العصر الأعوج الذي يدعو ويروج ويكذب ويكذب حتى يصدق الجميع أن من قتل رفيق الحريري هم أربعة شبان من مقاومة لبنان التي كان ذنبها أنها تصدت وقالت لا لظلم بني صهيون.
ما الذي أوصلنا الى هذا؟ لا شك أيها القارئ أنت تعرف فهل تجرؤ على الاعتراف؟!
Leave a Reply