“إما أن تكونوا معنا، أو تكونوا ضدنا”.
هذا المبدأ السياسي الذي اشتقه الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش مستثمرا هجمات الحادي عشر من أيلول لإعلان الحرب على الإرهاب، والذي قاد أميركا إلى حافة الهاوية، ليس مجرد مبدأ تطبقه الولايات المتحدة خارج أراضيها، بل يبدو أن الدولة الأميركية ومؤسساتها الأمنية لا تتورع عن تطبيقه حتى على مواطنيها، أسوة بالدول الديكتاتورية.
وفي هذا السياق، يصح التساؤل: هل أصبحت المواطنة في أميركا تقوم على أساس الولاء (أم الانتماء) كما هو الحال في الدولة العسكرتارية؟
ثم ماذا عن التوقيت، كيف تصبح الولايات المتحدة بلدا من هذا النوع، في الوقت الذي تتحرر فيه البلدان من أنظمتها الاستبدادية وتفتح أبوابها ونوافذها لنسائم الحرية والديمقراطية.
كما تذكرون، فإن صحيفة “صدى الوطن” نشرت في الأسابيع الماضية تقارير عن عمليات تجسس تقوم بها وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي أي) على المجتمعات الإسلامية في مدينة نيويورك، ونتيجة لذلك قامت الوكالة التجسسية بسحب إعلانات لها عن موقع الصحيفة الإلكتروني، مشددة على الشركة الإعلامية الموزعة للإعلانات التأكد من سحبها في أسرع وقت ممكن.
وجاء الطلب عبر الوكيل الإعلاني بسحب الإعلان من خلال رسالة بريدية جاء فيها أن الـ”سي آي أي” تطلب إزالة إعلاناتها لأسباب “لم تكشف عنها”. ولم تنفع محاولات الوكيل في إقناع الـ”سي آي أي” بموضوعية وتوازن التقرير الصحفي، فقد أصرت الوكالة على قرارها بمعاقبة “صدى الوطن”.
كما تلقت “صدى الوطن” رسالة أخرى، بعد أربع ساعات، قال فيها الوكيل الإعلاني: “نحن آسفون لإزعاجكم، لكن (الوكالة) سببت لنا صداعاً.. إن الوكالة قامت بإلغاء جميع الإعلانات مع صحيفتكم”.
ليس الأمر بحاجة إلى التوضيح، فالوكالة تريد معاقبة الصحيفة بسبب مواقفها المعلنة والجريئة من مختلف القضايا والمسائل المتعلقة بهموم ومشاكل العرب والمسلمين، سواء هنا في أميركا أو في بلدانهم الأصلية.
وكانت الـ”سي آي أي” قد بادرت الى نشر إعلاناتها على موقعنا الالكتروني قبل أربعة أيام فقط من نشر التقرير، الصادر عن وكالة “أسوشيتد برس” الذي كان من المتوقع أن تتناقله جميع وسائل الإعلام الأميركية والعالمية.
وعلى الأرجح، أرادت الـ”سي آي أي” من وراء حملتها الإعلانية أن تغرينا لعدم نشر التقرير على طريقة “أطعم الفم.. تستحِ العين”..
وللقارئ العزيز أن يعلم أن هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها مع الصحيفة في هذا المضمار، ففي أعقاب الغزو الأميركي للعراق، نشرت شركة “تايتنز” التي كانت تتولى عمليات التجنيد لصالح القوات الأميركية الغازية حملات إعلانية في “صدى الوطن” بشكل أسبوعي، وباللغتين العربية والإنكليزية، ولكنها فيما بعد وبسبب موقف الصحيفة المعارض لـ”غزو العراق” قامت الشركة لاحقاً بسحب إلإعلانات.
“إما أن تكونوا معنا، أو تكونوا ضدنا”. لقد ساهمنا في مد جسور التواصل بين الوكالة الاستخبارية والجاليات العربية لأننا كنا مؤمنين أن هذه المؤسسة هي جزء من الجهاز الحكومي الذي يلتزم المبادئ الأميركية في الحرية والديمقراطية ويحرس الدستور الأميركي الذي تشكل الحريات والحقوق المدنية جوهر أساسه.
لكننا اكتشفنا أننا كنا مخطئين، وبالدليل القاطع. ومثل هذه التصرفات و”العقوبات” لا تسيء لـ”صدى الوطن” ولا تؤذيها ولا تخيفها، ولكنها تكرس الشعور بأن بعض المؤسسات الأمنية تعمل على مبدأ “معنا.. وإلا”، بمثل طريقة جورج بوش، وهذا هو مصدر الأسى والأسف!
Leave a Reply