أوباما يدلي بخطاب “إسرائيلي” يمهد لـ”الفيتـو”
نيويورك – يتوجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس الجمعة (مع صدور هذا العدد)، أمام قادة دول العالم ليطلب الاعتراف بما تبقى من فلسطين دولة، ولينعي بذلك “عملية السلام” التي ترعاها الإدارات الأميركية المتعاقبة التي أثبتت أنها بتبدّل أسماء رؤسائها، تبقى الراعي للمصالح الاسرائيلية ضاربة أبسط مفاهيم حقوق الإنسان والشرعة الدولية لاسيما بعد خطاب الرئيس باراك أوباما أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة الذي وصف بـ”إسرائيلي بامتياز”.
واعرب مسؤولون فلسطينيون في نيويورك عن استيائهم اثر خطاب الرئيس الاميركي، معتبرين انه وقع “في خطأ تاريخي” وعبر عن “انحياز اميركي لاسرائيل اصبح لا يُطاق”. وقال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات ان “الانحياز الاميركي لاسرائيل غير محتمل واصبح لا يُطاق”.
وتعقيباً على المسيرات التي جرت في الاراضي الفلسطينية احتجاجاً على خطاب اوباما، قال عريقات “شعبنا عبر عن رأيه، ان هذا الخطاب لم يلب مطالب الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال الذي تنادي به الادارة الاميركية لكل الشعوب الا انها تأخذ موقفاً مغايراً تجاه حرية شعبنا الفلسطيني”. وأضاف “لذلك يرى شعبنا ان الانحياز الاميركي غير محتمل واصبح لا يُطاق”. ورأى مسؤول فلسطيني آخر ان خطاب اوباما “استفز الشعوب العربية والمناصرين للشعب الفلسطيني في كل مكان وحتى في اميركا ولذلك نتوقع ان تشهد عواصم عربية ودولية ايضاً مسيرات ضد هذا الخطاب”.
وقال البيت الابيض ان اوباما أبلغ عباس، إن التحرك في الامم المتحدة لن يؤدي الى دولة فلسطينية وان الولايات المتحدة ستعترض بحق النقض (الفيتو) على مثل هذا التحرك في مجلس الامن. وسئل نائب مستشار اوباما لشؤون الامن القومي بن رودس عما إذا كانت قد بدرت عن عباس علامة على انه قد يغير خطته فرد بقوله “إنه كان واضحاً جداً فيما يعتزمه… وهو الذهاب الى المجلس وبدء عملية طلب العضوية هناك”. وأضاف رودس للصحافيين بعد اجتماع اوباما وعباس في نيويورك “سنضطر إلى رفض اي تحرك في مجلس الأمن التابع للامم المتحدة بما في ذلك، اذا اقتضت الضرورة، استخدام حق النقض”.
وفي سياق آخر، احتلّ “الربيع العربي” موقعا مركزيا في خطابات قادة الدول الذين تحدثوا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك خلال الأسبوع الماضي. وربط الرئيس الأميركي باراك اوباما بين اغتيال زعيم تنظيم “القاعدة” أسامة بن لادن، وإعلان انفصال جنوب السودان، والثورات العربية في تونس ومصر وليبيا، داعيا مجلس الامن الدولي إلى اتخاذ موقف موحد إزاء الوضع في سوريا، و”معاقبة” النظام السوري، ومهددا كوريا الشمالية وإيران بمزيد من الضغوط والعزلة الدولية في حال استمرارهما “في الخروج عن الشرعية الدولية”. أما الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، فاعتبر أن الشباب العربي كذّب القائلين بعدم توافق الإسلام مع الديموقراطية، وشدّد على ضرورة إشراك اوروبا في عملية السلام في الشرق الأوسط.
خطاب أوباما الإسرائيلي
وتوجه اوباما إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس، بخطاب “إسرائيلي” لاقى ترحيبا فوريا من رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، وعارض فيه بوضوح التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة لطلب العضوية، وشدد على التزام أميركي “لا يهتز” بأمن اسرائيل، كما تحدث بإسهاب عن “المعاناة اليهودية” متجاهلا عقود المعاناة الفلسطينية تحت الاحتلال، مذكرا ايضا بـ”التهديدات المستمرة” التي تتعرض لها الدولة العبرية، فيما اقترح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قبول فلسطين كـ”دولة بصفة مراقب”، مستغلا الازمة الدبلوماسية للتشديد على ضرورة إشراك اوروبا في عملية السلام.
أما الموقف الفلسطيني من الخطابين، فكان في فحواه رفضا للطرحين وتصميما على المضي قدما في الخطوة المعلنة نحو تصويت في مجلس الأمن، رغم الاشادة بالموقف الفرنسي. لكن السلطة الفلسطينية قدمت مساحة زمنية لفرص المساومة عبر إعلانها أنها ستعطي “بعض الوقت” لمجلس الامن قبل العودة إلى الجمعية العامة، مؤكدة في الوقت نفسه أنها لن تقبل تأجيل المجلس لعملية التصويت على طلبها العضوية.
واعلن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية نبيل شعث في نيويورك ان الفلسطينيين مستعدون “لاعطاء وقت” لمجلس الامن ليدرس طلب انضمام دولة فلسطين كعضو الى الهيئة الدولية. وقال شعث في تصريح صحافي في مقر الامم المتحدة “ان الرئيس محمود عباس لا يريد ان يتهمنا احد بعدم الجدية في حال توجهنا الى الهيئتين في وقت واحد. لذلك سيعطي وقتا لمجلس الامن لبحث طلب الانضمام الكامل قبل الذهاب الى الجمعية العامة”. واضاف شعث ان الرئيس الفلسطيني “سيبلغه (اوباما) اننا مصممون تماما على تلبية الشروط للانضمام الى الامم المتحدة”. لكنه اكد انه في حال اخفقت الالية في اطار مجلس الامن، فان الفلسطينيين سيتوجهون الى الجمعية العامة للحصول على صفة “دولة مراقبة غير عضو”.
ومن جهته قال نتنياهو في تصريح صحافي اثر لقائه اوباما في مقر الامم المتحدة في نيويورك “اعتقد ان الامر يشرفك وانا اشكرك” في اشارة الى كلام اوباما عن عزمه على استخدام “الفيتو” ضد الطلب الفلسطيني. واضاف نتنياهو “نحن متفقان على القول بان على الفلسطينيين والاسرائيليين ان يتفاوضوا وهذه هي الوسيلة الوحيدة للتوصل الى سلام دائم وثابت”.
وتابع موجها كلامه ايضا الى اوباما “قلت ايضا بشكل واضح ان الفلسطينيين يستحقون دولة، ولكن على هذه الدولة ان تقيم السلام مع اسرائيل، وبالتالي فان اي محاولة لاتخاذ طريق مختصر في هذه العملية اي عدم التفاوض حول سلام ومحاولة الحصول على اعتراف من الامم المتحدة لن تنجح”. واضاف نتنياهو “اعتقد بان الفلسطينيين يريدون الحصول على دولة الا انهم ليسوا مستعدين بعد لاقامة السلام مع اسرائيل”.
وسادت حالة من الاستياء في صفوف الفلسطينيين إزاء خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي أبدى فيه معارضته للمسعى الفلسطيني نحو اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية، فيما عبر الإسرائيليون عن ابتهاجهم من الموقف الأميركي.
نجاد والغرب
وفي سياق آخر، وفي مشهد مسرحي، انسحبت عدة وفود غربية أثناء إلقاء الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد كلمته الخميس الماضي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي هاجم فيها إسرائيل والولايات المتحدة وحلفاءهما.
وغادرت وفود الولايات المتحدة وفرنسا وعدة دول أوروبية أخرى قاعة اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد 15 دقيقة من الانتقادات الشديدة التي وردت في كلمة أحمدي نجاد.
وقال الرئيس الإيراني إن ما سماه “قوى الغطرسة” تهدد بالعقوبات والعمل العسكري كل من يشككون في المحرقة التي يقول اليهود إنهم تعرضوا لها على أيدي النازيين في أوروبا، وكذا من يشككون في هجمات “11 أيلول” التي ضربت مدينتي واشنطن ونيويورك.
واتهم أحمدي نجاد الولايات المتحدة باستخدام هذه الهجمات ذريعة لشن حربين، إحداهما على أفغانستان عام 2001 والثانية على العراق عام 2003.
ووصف هذه الهجمات بأنها “غامضة”، وقال إن الولايات المتحدة وحلفاءها “يرون الصهيونية فكرة وأيديولوجية مقدسة”، مدينا “سياسة إشعال الحروب والاحتلال” التي قال إن الإدارة الأميركية وحلف شمال الأطلسي (الناتو) يتبعانها في العالم.
ومن جهته، ندد المتحدث باسم البعثة الأميركية في الأمم المتحدة مارك كورنبلو بخطاب أحمدي نجاد، وقال إنه جاءت فيه “افتراءات كريهة مناهضة للسامية ونظريات مؤامرة جديرة بالازدراء”. كما قال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني للصحفيين على متن طائرة الرئاسة الأميركية حيث يرافق الرئيس الأميركي باراك أوباما في طريقه إلى أوهايو “أجد أنه أمر يبعث على السخرية أن يكون لدى الرئيس الإيراني مثل هذا الانتقاد”.
ولم يورد أحمدي نجاد سوى إشارة عابرة إلى القضية الفلسطينية التي تطغى على اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام، كما لم يعلق على مسعى السلطة الوطنية الفلسطينية لطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومنحها عضوية الأمم المتحدة.
Leave a Reply