كان كاتب هذه السطور يسمي لبنان “شبه وطن” أو وطن “خيال الصحرا” أو وطن “الصفة المشبهة” بسبب نظامه العجيب الغريب الذي قل مثيله في العالم بـ”ديمقراطيته المذهبية العرقية” حيث أن سياسياً محترماً مثل إيلي الفرزلي، الذي تعرض للإغتيال من قبل “خريج الحبوس” كاد يصبح ناطقاً بإسمه من حيث التطرف الإنتخابي خصوصاً بعد أن طلع علينا بقانون عبقري يقضي بإنتخاب كل طائفة لنوابها! وإذا تحقق هذا “الحلم” بعون الله ثم أعقبه حلم بطرس حرب بمنع بيع أراضي المسيحي لمسلم (إلا إذا كان خليجياً) والعكس صحيح، يصبح لبنان ما شاء الله محميات طائفية مقطعة الأوصال. في زمان الألفية الثانية، نعود إلى الوراء ألف سنة من حيث الصيغ الطائفية والمذهبية والعرقية. حتى مشروع النسبية المتحلل “نسبياً” من ربقة الطائفية أصبح مرفوضاً من قبل اليساري القديم دولاب اليانصيب البشري اليومي.
بعد زيارة للبلد أصبح له إسمٌ آخر: غابة الفوضى. فوضى الإسمنت والباطون والإكتظاظ السكاني والسيارات والآرمات واليافطات. في مبنى واحد هناك ألف يافطة معلقة على الشرفات، ومباني السكن تختلط بمباني البزنس. لم يسمع أحد في الدولة بالتلوث البصري أوالسمعي أوحتى مفهوم إقلاق الراحة. لقد قيل لي أن هناك معدل ثلاثة أطباء لكل مريض واحد، وهذا شي جيد ومن هنا نفسر عجقة الآرمات المعلنة عن الأطباء في المباني، لكن الطب هو الأغلى في العالم ولبنان يكاد البلد الوحيد الذي يموت المريض فيه على أعتاب المستشفيات. أمام عجقة السيارات، فحدث ولا حرج. أظن جازماً أن في لبنان أكثر نسبة سيارات ومدخنين ومرضى داء سكري في العالم! لا طرقات كافية لعدد السيارات ولا حتى تنظيم عصري للسير أو جسور حديثة. مباني في كل مكان حتى في الأمكنة الضيقة من دون إنش واحد من الخضرة أو الإخضرار. “لبنان الأخضر” تحول كله غابة من الباطون المسلح، لكن في مناطق محدودة من لبنان يراد منها سجن أكثرية الشعب اللبناني فيها وتحجيمه.التعصيب وعجقة السيرالخانقة والتلوث الوبائي الأخلاقي الناجم عن السياسيين في لبنان، كله يؤدي إلى السكري وإرتفاع ضغط الدم.
حديث الكهرباء لا ينقطع منذ وصولك إلى مطار بيروت وحتى المغادرة. تتساءل، أيحدث هذا في العصر الحديث؟ سمعت بنفسي محادثة بين زوجين أحدهما زار شقيقة الساكن في طابق علوي في بناية مكتظة، وبدل السؤال عن حال الشقيق كان السؤال حول كيفية صعوده إلى المنزل على الدرج أم بالمصعد بسبب الكهرباء! البعض أبلغني أن الكهرباء تسيطر على حياتهم وساعات التقنين تتحكم في زياراتهم لصلات رحمهم خصوصاً إذا كانوا يسكنون في الطوابق العليا. ثم تتساءل بعد ذلك، كيف يقوم “التيار الزرقاوي” بمحاولة منع مشروع باسيل للكهرباء وهو نفس مشروع “سعد الطائر” من قبل، وهو يعرف معاناة الناس المزمنة مع هذا القطاع الحيوي؟ وكيف يقر مشروع الكهرباء بشق النفس وبعد “ألف يا ويل”؟
تتفاجأ في هذه “الفوضى غير المنظمة”، أن الناس لا تسمع نشرات الأخبار التي ننتظرها نحن في المغترب على أحر من الجمر. الأمورالمعيشية من ماء وكهرباء وأقساط مدرسية (الأعلى في العالم بسبب مافيا المدارس والكتب، عدا عن أن دول العالم حققت مبدأ التعليم الإلزامي المجاني من مئات السنين إلا في لبنان)، تطغى على أخبار السياسيين. قيل لي أن البطالة تبلغ أكثرمن ٥٠ بالمئة ومع ذلك كانت المطاعم مزدحمة في شهر رمضان المبارك، ومع ذلك كل بيت تقريباً فيه سيريلانكية وسيارة أو إثنين وتلفون خليوي مخترق من قبل إسرائيل عبرالمحاكمة الإسرائيلية البيلمارية؟ في لبنان رأيت سياراتٍ لا يملكها بيل غيت نفسه، فمن أين لهم هذا؟!
في أوروبا والدول المتقدمة إذا بلغت نسبة البطالة ١٠ بالمئة تحل الكارثة ويدق نفيرالخطر الإقتصادي والإجتماعي. في وطن الفوضى لا شي من هذا، هناك طبقة معدمة تحت الأرض وطبقة فوق الريح، ولا يحدث هذا التفصيل الصغير ثورة إجتماعية خوفاً من التصنيف الطائفي باستثناء ثورة “بولتون الصهيوني وأبي حذاء بوش”.
الكل “عايش من قلة الموت” كما يقول المثل، ولا يهم إذا أعجب الأميركيون بميقاتي أم لم يعجبوا به أوبشغفه في تمويل المحكمة الدولية، جل هم المواطن اللبناني هو تحصيل لقمة العيش لعائلته والباقي تفاصيل. وللحديث صلة.
Leave a Reply