ديربورن – خاص “صدى الوطن”
على هامش الأزمة اليمنية المندلعة منذ ثمانية شهور، يتعرض الصحفيون والإعلاميون إلى كثير من المضايقات والتهديدات المباشرة، والتي تنتهي في بعض الأحوال بمصرعهم أو إيذائهم، رغم أنهم ليسوا طرفا في ذلك الصراع الناشب بين االنظام الحاكم والمعارضة السياسية وشباب الثورة.
وقد نقلت وسائل الإعلام اليمنية تعرض مدير إدارة الأخبار باللغة الإنكليزية والمذيع بقناة اليمن الفضائية الإعلامي فؤاد علي اليماني إلى محاولة اغتيال من قبل أشخاص مازالوا مجهولي الهوية قاموا بإطلاق الرصاص على سيارته أثناء عودته من العمل.
كما هاجم مسلحون في وقت لاحق منزله واقتحموه مروعين أسرته وأبناءه، وماتزال التحقيقات جارية للكشف عن هويات المهاجمين الذي وصفهم بيان وزارة الداخلية اليمنية بـ”جماعات إرهابية مسلحة”.
وخلال زيارة الزميل اليماني لمكتب صحيفة “صدى الوطن”، تحفظ في الحديث عن هذه المسألة ريثما تنتهي التحقيقات وتتكشف الأسباب الحقيقية وراء استهدافه، مؤكدا أنه من الإجحاف والظلم مهاجمة الإعلاميين والصحفيين واستهدافهم في الوقت الذين يقومون فيه بعملهم. ونوه اليماني أنه حتى في حال وجود صحفيين مناصرين لهذا الطرف السياسي أو ذاك، فمن غير المقبول مواجهة الكلام بالرصاص، ومعاقبة أصحاب الرأي السياسي بغض النظر عن صحة موافقهم بالتصفية الجسدية.
وأشار اليماني أن الأمور في اليمن تتفاقم يوما بعد يوما، وما يشاع عن سلمية الثورة لم يكن صحيحا بالمعنى التام، لأن المعارضة أخذت بانتهاج المعارضة المسلحة.
بدأ اليماني بالعمل الإعلامي منذ أكثر من عشر سنوات، حيث عمل في “وكالة سبأ الإخبارية” الرسمية لمدة خمس سنوات، ثم انتقل إلى العمل في القناة الفضائية اليمنية وتسلم منصب مديرها العام بالإضافة إلى مشاركته في تقديم نشرات الأخبار باللغة الإنكليزية.
“صدى الوطن” التقت الزميل اليماني على هامش زيارته إلى الولايات المتحدة، وأجرت الحديث التالي:
– بصفتك إعلاميا، كيف تنظر إلى الإعلام الرسمي وهل فضحت الثورات العربية هذا النوع من الإعلام؟
-الإعلام الرسمي ضعيف عموما حتى ما قبل اندلاع الثورات والاحتجاجات في البلدان العربية، والإعلام الرسمي اليمني هو جزء من المنظومة الإعلامية الرسمية مع فوارق بسيطة، ومرد القصور في أداء هذا الإعلام يعود إلى أسباب كثيرة منها عدم توظيف واستثمار المهارات في مكانها الصحيح، فالرجل المناسب ليس في المكان المناسب، إضافة إلى القصور في التغطية الميدانية وضعف المصدر الرسمي وعدم وجود محفزات للعاملين في هذا الحقل.
أما المسألة الأهم، فهي كثافة الخطوط الحمر التي تحكم هذا النوع من العمل وميل الإعلام الرسمي إلى تغطية المنجزات وتلميع الواقع بدل الحديث عن السلبيات والفساد والمحسوبيات الذي يطال وزارات الإعلام نفسها، بدءا من رؤوس الهرم، أي بدءا من وزير الإعلام نفسه في بعض الحالات كما هو الأمر الحاصل في اليمن، رغم أن ميزانية وزارة الإعلام اليمنية هي من أكبر الميزانيات في وزرات الدولة.
– برأيك هل نجح الإعلام اليمني بالتعامل مع الثورة اليمنية، من حيث تغطية أحداثها، ونقل وجهات نظرها السياسية؟
-نحن في الإعلام الرسمي بكافة وسائله المكتوبة والمسموعة والمتلفزة نعتبر طرفا حكوميا ومهمتنا هي بالدرجة الأولى نقل وجهة نظر الحكومة، وبالتالي نحن ملتزمون بنقل التصور الرسمي للأزمة وآليات تعامله معها. هذا بشكل عام، أما بالنسبة للقناة الرسمية الناطقة باللغة الإنكليزية فجمهورها الأساسي هو الأجانب سواء المقيمين داخل اليمن أو خارجه، وبصفتها مصدرا رسميا أولا وأخيرا، ومهمتنا في هذا القسم هي أيضا إيصال وجهة نظر الحكومة وما يصدر عنها من مواقف ومراسيم وقوانين ومبادرات وغيرها.
– ألا تشعر بمأزق أخلاقي وأنت تنقل وجهة نظر النظام السياسي الحاكم في الوقت الذي يتظاهر فيه ملايين اليمنيين المطالبين بإسقاط هذا النظام ومحاكمة رموزه؟
– كلا أبدا. لم أشعر بمأزق أخلاقي أو إنساني أو مهني فيما يخص هذه المسألة وذلك لأنني أتابع الأحداث يوما بيوم وأعرف أسبابها ومطالبها وما اعتراها من تحولات مفصلية. في البداية كانت مطالب شباب الثورة شرعية وكنا كإعلاميين إلى جانبهم.. وقد حدث هذا خلال الشهر الأول، ولكن فيمابعد حدثت نقطة تحول مفصلية عندما بدأت الأحزاب السياسية المعارضة بركوب موجة الاحتجاجات، بل أكثر من ذلك قاموا بالاستيلاء على الثورة مستخدمين مطالبهم الشرعية كوسيلة للوصول إلى السلطة، وأصلا معظم هذه الأحزاب المعارضة كانت جزءا من النظام السياسي في اليمن.
في البدايات أدت المطالب الشرعية للثوار الى إضعاف موقف الحكومة التي سارعت إلى تقديم تنازلات كبيرة تضمنت خططا ومشاريع إصلاحية في عدة مجالات وكان أهمها في المجال السياسي الذي كانت بمثابة صاعق التفجير، وذلك عندما رفض الرئيس علي عبدالله صالح التوريث وعدم الترشح لولاية جديدة. في تلك المرحلة كانت الحكومة على وشك السقوط، ولكن دخول الأحزاب المعارضة على الخط أفسد كل شيء وأدخل البلاد في بلبلة ومستنقع من الانقسامات الإضافية لاسيما وأن أبناء الشعب اليمني يعرفون تاريخ تلك المعارضات ولا يثقون بها.. إن دخول المعارضة على الخط هو الذي أنقذ الحكومة من أزمتها الخانقة.
– كإعلامي تعمل في الإعلام الرسمي، ماذا يعني لك أن تشاهد تحولات الإعلام الرسمي في البلدان التي انتصرت فيها الثورات في تونس ومصر، ألا ترى كيف غيّر “إعلاميو النظام” مواقفهم؟
– لكل بلد عربي ظروفه ومنظومته الإعلامية.. وفي مصر شاهدنا كيف بالفعل تحول بعض الإعلاميين من أبواق لنظام حسني المبارك إلى مؤيدين لثورة المصريين متذرعين بأسباب كثيرة ومتعددة. طبعا هذا يدل على عدم وجود النزاهة المهنية. أما في اليمن فالإعلاميون واقعون بين نارين، فالمعارضون يهددون دائما بمعاقبة ومحاسبة الإعلاميين العاملين في وزارة الإعلام الرسمي، على الرغم من أنهم موظفون مثل غيرهم فهنالك الآلاف من اليمنيين الموظفين في الدوائر الحكومية ولكنهم لا يواجهون الموت بسبب وظيفتهم كما هو الحال بالنسبة إلى الإعلاميين والصحفيين اليمنيين.
– من موقعك، كيف تنظر إلى الإعلام العربي الخاص وطرق تعامله مع الثورات العربية؟ كيف توصف دور قناة “الجزيرة” مثلا؟
– نحن نعتبر أن قناة الجزيرة هي قناة تحريضية ومتحيزة ولا تلتزم بأصول العمل المهني والإعلامي إضافة إلى أنها قناة تزييفية. صحيح أنها ساندت الثورات العادلة في تونس ومصر وليبيا. أنا زرت مصر وعاينت المأساة الاجتماعية التي كان يعيشها الشعب المصري وأنا أؤمن بعدالة ثورته، ولكن في الوقت نفسه فإن قناة الجزيرة بعيدة كل البعد عن المعايير الأخلاقية والمهنية فيما يخص الاحتجاجات في سوريا واليمن. إن تأجيج المشاعر ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد يثير الكثير من علامات الاستفهام خاصة وأن جميع العرب يعرفون أن هناك أنظمة عربية أكثر فسادا من فساد نظامه، وفي اليمن يحدث نفس الشيء. إن طرح الأمور بكل هذه الكثافة التحريضية يهدد بمستقبل الأوطان والشعوب في الوقت نفسه، وعلى المشاهد، سواء أكان إعلاميا أم لا، أن يسأل: ما سر استعجال قناة “الجزيرة” بإسقاط الأنظمة العربية؟
– ما الذي وجدته خلال زيارتك للولايات المتحدة ولقائك مع ابناء الجالية اليمنية؟
– وجدت أن الجالية منقسمة بين معارض للنظام ومؤيد له. هذا طبيعي. هناك وجهات نظر متعددة فالبعض يظن أن نجاح الثورة سيدفع البلد إلى النجاح والازدهار ولكن الحقيقة أن مصير اليمن مهدد بشكل حقيقي وصحيح أن الناس يعانون ولكن يبقى الوطن فوق كل اعتبار. على العموم من يرد أن يكون مع الثورة فليكن، ومن يرد أن يكون مع النظام فليكن، ولكن عليهم أن يحتفظوا بالود والاحترام فيما بينهم لأننا أبناء شعب ووطن واحد، وعندهم تحدياتهم الخاصة في هذه البلاد وعليهم أن يتعاونوا من أجل حماية حقوقهم في هذه البلاد.
Leave a Reply