عطفاً على المقالة السابقة حول مشاهدات لبنانية على الماشي، علق أحد الأصدقاء بأني نسيت أن أذكر أن الشعب اللبناني الذي يتحمل كل هذا الضنك في العيش يستحق جائزة “نوبل في الصبر والتحمل”.
صديقي المتابع، محق طبعاً، لأن أغلبية اللبنانيين تعرضوا للأهوال والمصائب ليس أقلها حروب إسرائيل المتتالية وقبلها الحروب الأهلية والعنصرية وظل واقفاً كل هذه السنين.
في أميركا تحدث جريمة إطلاق نار في ثانوية عامة، فتجند الحكومات المحلية كل اطبائها النفسيين ومصادرها المالية والعلمية من أجل ألا “يتعقد” التلاميذ نفسياً أو يصابوا بصدمة مدى الحياة. لكن في وطن “خيال الصحرا” والفوضى، أجيال بأكملها ولدت من رحم الحروب المتلاحقة ووعت في طفولتها على جرائم الذبح والخطف على الهوية والتطهير العرقي الذي برع فيه الذي هو “حيةٌ فيهم”، ولم تجد هذه الأجيال منفذاً أو ملاذاً أو ما يسمى في علم النفس “إغلاقاً” (كلوجر) لكوابيس الحروب والقتل ورغم ذلك بقي هذا الشعب صامداً يعطي وطنه ومقاومته بلاحدود.
وأنا في الداخل اللبناني، شاهدت حلقة من حلقات “الحوار” للإعلامي وليد عبود على شاشة “تلفزيون المر”، وهي من “أرقى”الحلقات سخافةً ومقتاً بعد أن كاد عبود يتحول إلى طرف (وهو طرف أكيد) وخصم ضد الإعلامي فيصل عبدالساتر. عبودإستضاف ما يسمى بـ”إعلامي” من “جوقة حنيكر” من آل المشنوق الذي ساق جملةً من الإهانات والشتائم والسباب والصفات السوقية ضد الرئيس بشار الأسد فاعترض عبدالساتر (محقاً) طالباً من عبود أن يدير الحلقة كإعلامي محايد فاستشاط الأخير غضباً، لم نشهده له عندما أجرى مقابلةً لينة طيعة مع سعد السائح الطائر في الأشهر الماضية.
عبدالساتر كان على حق عندما سأله لو أن معارضاً سب الرئيس ميشال سليمان هل كان قبل عبود بذلك وصمت وعلى وجهه إبتسامة صفراء إزاء شتائم صالح المشنوق، الذي رفع عقيرته بالصياح وكأنه يريدنا أن نصدق وهو يحمل صور قتلى في سوريا أنه مع الشعب السوري ضد “نظام القتل والديكتاتورية”؟ كان على عبدالساتر أن يذكر عبود لو أن أحداً فعل نفس الشيء ضد أحد الملوك والحكام العرب ماذا كان رد فعله؟
الشاب صالح المشنوق، نجل نهاد المشنوق، كان مصدقاً لنفسه عندما ظن أن “ثورة الخريف” البوشية كانت الإلهام للربيع العربي، لكن ماذا عن العنصرية الشوفينية ضد العمال السوريين في ٢٠٠٥؟ وماذا عن ثورة البحرين واليمن؟وإذا إرتعب صالح المشنوق من قتل السوريين، هل يتذكر جرائم القتل التي ارتكبها حليف “سعدو” الإستراتيجي سمير جعجع؟
لم يعد صغار “١٤ آذار” يمانعون في التعرض شخصياً للبطريرك الماروني الجديد بعد أن كاد يكون ذاتاً مقدسةً عندما كان صفير يتبوأ هذا المنصب. ولم يعدالمفتي قباني في نظرهم يصلح للإفتاء بعد أن إبتعد عن خانة التيار الزرقاوي. سبحان مغير الأحوال!
في وطن “الصفة المشبهة” أيضاً حراكٌ عمالي من أجل مطالب محقة بتصحيح الأجور والمعيشة، لكن التحرك كلام حق يريد جماعة “١٤ آذار” منه باطلاً، لأن آخر همهم هو العمال والموظفون الصغار.
ولأن شربل نحاس هو وزير العمل يريد “١٤ آذار” ضرب عصفورين بحجر واحد، خصوصاً بعد “كارثة” نجاح “التيار الوطني الحر” في تمرير مشروع الكهرباء. شربل نحاس وتياره لا يعترضان على الزيادة في الأجور، لكن قبل ذلك يجب تسوية موضوع الضرائب التي يقترحهان نجيب ميقاتي، أين منها ضرائب فؤاد السنيورة، والتي سوف تأكل كل زيادة في الأجور وأكثر. لذا فإقتراح نحاس هو تعديل قانون الضرائب أولاً لكي يطال رفاق ميقاتي من حيتان المال “المليارديريين” الذين ينعمون بحصانة ضرائبية كما في الولايات المتحدة، أو على الأقل منع التضخم والغلاء الفاحش غير المراقب أو المنضبط في البلد السائب عندها تصبح الزيادة على الدخل لها طعم. ذلك أنه كلما إزداد الحد الادنى للأجور كلما أصبحت أسعار السلع الحيوية أكثر إرتفاعاً.
وعلى سيرة الغلاء، ذكر لي أحدهم أن مدرسة ابنه، وهي مدرسة ذات مستوى متوسط، رفعت القسط المدرسي من مليون ومئتي ألف ليرة إلى مليونين وأربع مئة ألف ليرة أي إلى الضعف تماماً كما أن المدرسة لا تقبل كتباً إلا من مكتبة معينة والكتب يجب أن تكون جديدة “خلنج” غير مستعملة. ومن أجل الحصول على مقعد تسجيل يجب دفع مبلغ ٢٥٠ ألف ليرة ثم للحصول على “ورقة الكتب” يتوجب دفع ١٠٠ ألف ليرة! “عيش يا فقير”!
من أخبار “شبح الوطن” الأخرى أني أخيراً شاهدت بنفسي “جبل النفايات” في صيدا بعد أن كنت أكتب عنه وعن فضائح فؤاد السنيورة التي تزكم الأنوف. للأسف، الجبل أضحى من معالم صيدا التي أصبح السنيورة نائباً عنها بعد أن وعد بإزالة “الجبل” وتقاضى من أجل ذلك أموالاً سعودية طائلة (١٠مليون دولار تضاف إلى ١١ مليار دولار ضائعة) أثناء حملته الإنتخابية الشهيرة! “جبل النفايات” في صيدا يبقى وصمةعارٍ يمر به كل مسافر إلى الجنوب فيتذكر رائحة الصفقات والسمسرات في بلدٍ ذكرت الإحصاءات الدولية أنه يقع في المراتب السفلى من الدول الأكثر فساداً.
عزاؤنا أننا صنعنا أكبر صحن حمص في العالم!
Leave a Reply