كان، بروكسل – سلطة مركزية أوروبية تسيطر على اقتصاديات دول منطقة “اليورو” وتكون بمثابة وصية عليها. هذا الحل المطروح أمام الدول الأوروبية المتعثرة لانتشالها من أزماتها. ومع استمرار أزمة الديون اليونانية، طفت الأسبوع الماضي على السطح أزمة الديون الإيطالية التي بلغت حداً خطيراً أطاح برئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني، في حين لا تبدو دول مثل إسبانيا والبرتغال بعيدة عن الوقوع في أزمات مماثلة.
وفي السياق، لم تقدم قمة “مجموعة العشرين” (جي ٢٠)، التي عقدت الأسبوع الماضي في فرنسا، سوى دعم معنوي لكنها لن تؤمن أموالا جديدة للتصدي لأزمة الديون السيادية، قبل التأكد من السيطرة والقدرة على مراقبة استخدام الأموال المقدمة. بينما وافقت ايطاليا، سلفاً، على أن يراقب صندوق النقد الدولي “التقدم الذي تحققه في مجال الاصلاح الاقتصادي”، في حين سحبت اليونان، بعد ضغوط خارجية، مشروع استفتاء كان سيؤدي الى انسحاب اليونان من منطقة “اليورو”.
وبات برلسكوني ثاني زعيم اوروبي تطيحه الازمة الاقتصادية بعد نظيره اليوناني جورج باباندريو الذي توصل حزبه الاشتراكي بعد مفاوضات مع المعارضة المحافظة إلى اتفاق حول حكومة “وحدة وطنية”. لكن تنحية الزعيمين، وإن كانت نتيجة تصاعد خطورة الأزمة، لن تبدد القلق المتزايد من انهيار اليورو في ظل الوضع الاقتصادي المتأزم في ايطاليا ومخاطر انتقال العدوى إلى دول أخرى مثل اسبانيا.
واعتبر المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية والنقدية اولي رين ان الوضع الاقتصادي في ايطاليا “يدعو للقلق الشديد” بعد الارتفاع الكبير لفوائد قروض هذا البلد في سوق السندات. ونظرا لحجم اقتصادها فان ايطاليا تشكل خطرا أكبر بكثير على منطقة اليورو مقارنة باليونان التي تسببت في تهاوي اليورو بسبب سوء ادارة ماليتها العامة.
وقال برلسكوني ان صندوق النقد الدولي عرض تقديم قروض لايطاليا لكنه رفض، وجاء تنازل برلسكوني بعدما أجبر انذار أوروبي اليونان على العدول عن استفتائها والسعي بدلا من ذلك الى “توافق وطني” لاقرار اجراءات التقشف.
ورحّب متحدث باسم البيت الابيض بالاتفاق الذي تمّ التوصل اليه بين الحزبين الرئيسيين اليونانيين من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية، قبل أن تعود المفاوضات بين الحزبين الى التعثر، محذراً في الوقت نفسه من انه سيترتب على الحكومة الجديدة “التحرك بأسرع ما يمكن للالتزام بتعهداتها المتعلقة بتطبيق خطة الإنقاذ” الاوروبية لليونان. في المقابل، يتوجب على اثينا الالتزام بخطة تقشف صارمة والقبول بشبه وصاية عليها. وقالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، التي زارت موسكو، إن “ما نحتاج اليه من وجهة نظر الصندوق هو الوضوح السياسي”. واضافت “انه شرط لأي مفاوضات ولتسليم اي دفعات”. وفي بروكسل، اتفق وزراء مالية منطقة اليورو على خريطة طريق لتعزيز إمكانيات “صندوق الانقاذ الأوروبي” البالغ حجمه 600 مليار دولار، لحماية ايطاليا واسبانيا من عجز محتمل.
مجموعة العشرين
وخلال اجتماعهم في مدينة كان الفرنسية أبلغ قادة الاقتصادات الرئيسية العشرين في العالم أوروبا بأن عليها أن تعالج مشكلاتها وقرروا إرجاء أي إجراءات لإمداد صندوق النقد الدولي بمزيد من الموارد المخصصة لمواجهة الازمة حتى العام المقبل. ويسعى الاتحاد الأوروبي الى بسط نفوذه بشكل مباشر على اقتصاديات الدول الأعضاء، الأمر الذي يثير احتجاجات شعوب هذه الدول التي ترفض الوصاية عليها.
وقالت المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل في مؤتمر صحفي “لم تقل أي دولة هنا انها مستعدة لمواكبة الزيادة في آلية الاستقرار المالي الاوروبية (صندوق انقاذ منطقة اليورو)”. وعبر مستثمرون سياديون محتملون مثل الصين والبرازيل عن رغبتهم في الاطلاع على مزيد من التفاصيل قبل تقديم أي تعهدات واضحة بالمساهمة في صندوق الانقاذ. وتراجعت الأسهم العالمية واليورو مع تجدد الشكوك في حزمة الانقاذ المالي لاوروبا.
وقال الرئيس الاميركي باراك أوباما مازحا انه تعلم الكثير خلال هذين اليومين (وجوده في فرنسا) عن مدى تعقيد عملية صنع القرار داخل الاتحاد الاوروبي، لكنه أضاف أنه “واثق في أن أوروبا لديها القدرة على مواجهة التحدي ولديها الخطة الملائمة لذلك”. وقال أوباما ان “المهم الان هو تطبيق الخطة بسرعة”. وقال أوباما في مؤتمر صحفي “سيجدوننا شريكا قويا، لكن الزعماء الاوروبيين يدركون أن المهم بشكل جوهري هو أن تقدم أوروبا اشارة قوية على أنها تقف خلف اليورو”.
وكانت قمة مجموعة العشرين التي استمرت يومين قد انطلقت تحت وقع الصدمة بسبب خطة يونانية تم العدول عنها فيما بعد لاجراء استفتاء كان من شأنه أن يخرج البلاد من منطقة اليورو. وانتهت القمة بالضغط على ايطاليا لاستعادة مصداقيتها في الاسواق المالية.
الجدير بالذكر، أن أبرز مقررات “مجموعة العشرين” كانت الموافقة على رفع رؤوس أموال تسعة وعشرين بنكا بنسب تتراوح بين 1 بالمئة إلى 2,5 بالمئة نظرا لأهميتها بالنسبة للنظام المالي العالمي، من بينها “دويتشه بنك” “بنك أوف أميركا”، و”غولدمان ساكس”.
Leave a Reply