عاتبتني صديقة من قوم عيسى بالقول أنني قلما أكتب عما يتعرض له المسيحيون في الشرق العربي، خصوصا بعدما حصل في القاهرة مؤخرا بين الأقبلط وبين الشرطة المصرية.
وسألتني: لماذا إذا هوجم أو تهدم مسجد في فلسطين المحتلة تقوم القيامة عند المسلمين، وعندما تتهدم الكنائس وتفجر بأفعال الإرهابيين يصيب الجميع الخرس، وتمر الحوادث كأن شيئا لم يكن ويمر الأمر مرور الكرام على صفحات الجريدة التي أكتب فيها.
صديقتي العزيزة سيدة إعلامية ومثقفة راقية، وأنا أحترم رأيها وهي تعلم جيدا أنني عندما أكتب أمثل نفسي فقط. وعن نفسي أقول إنني ضد كل ما هو غير إنساني وضد التطرف في الدين والسلوك والتعامل اليومي بين البشر، لأنني أؤمن إيمانا عميقا أن الناس جميعا، رضيوا أو كرهوا، أخوة تجري في عروقهم دماء مشتركة فعلام التناحر والاستكبار والاحتقار؟
وأؤمن أيضا أن جوهر الأديان، كل الأديان، هو الرحمة والمحبة والارتفاع بالمشاعر الإنسانية إلى أسمى ما يمكنها أن ترتفع إليه، رغم أن بعض المستنفعين، حولوا العقائد الدينية إلى أسلحة في أيديهم يقتلون بها الرحمة والمحبة والسلام والحس الإنساني الكريم، لأن الله كرم بني آدم وحمله أمانة إعمار الأرض. وبنو آدم هم السيحيون والمسلمون واليهود وأبناء كل الطوائف والملل على الأرض.
بعد ذلك، إذا جاء عدو حقيقي وشرس، وركن من أركان الطغيان والاستبداد والقهر والتطرف، فيأمر بنسف كنيسة أو قتل متظاهرين فهذا لا يمثل الدين الإسلامي، وهو من الذين لا يؤمنون بعهد الله وينقضون الميثاق العظيم بأن أكرمكم عند الله أتقاكم.
لقد ولدت في قرية من قرى جنوب لبنان، فيها مسيحيون ومسلمون، وكان والدي كما كل القرويين في الضيعة ينادي جاره المسيحي بالخواجا. كان هناك احترام وتقدير بين الجميع، وكانت القرى المسيحية أو الأحياء المسيحية المشتركة بين المسلمين والمسيحيين هي قرى وأحياء مميزة من حيث البناء والترتيب والهدوء. إن ذلك يدل على أنهم لم يكونوا مضطهدين ولم يكونوا مقهورين، بالعكس فالتعليم العالي والوظائف الرفيعة والمناصب المهمة كانت في معظمها من نصيبهم، ربما لأن فرص التلعيم والتخصص كانت متاحة لهم أكثر من المسلمين. وربما هذا ما أفرز نوعا من الغرور والكبرياء والعظمة في نفوس فئة قليلة من المسيحيين، لازالوا حتى الآن يرفعون أصواتهم بأنهم هم الأعلون وأنهم هم الفئة المثقفة المتعلمة التي تستحق الحياة في لبنان، وبقية اللبنانيين هم من سيريلانكا ووجودهم للخدمة فقط “فهل ….إن توليتم أن تفسدوا في الأرض؟”.
الكل يعلم ما كانت نتيجة الحرب اللبنانية. تغيرت الوجوه وبقي ما في النفوس. حدث ذلك في العراق والسودان وهو ما يخطط له للحدوث في مصر، فمتى سينتهي هذا العبث؟ متى سيقتنع الجميع أن الرب واحد؟ وأن “كل من ع دينو الله يعينو”. ما شأني أنا إذا كان جاري المسيحي يؤمن بأن المسيح هو ابن الله، بل هو الله ذاته، ومن أكون لأشعر بالأسف كون جاري لن يذهب الى الجنة لأنه مسيحي. بالمقابل أنا أرجو من جاري أن يتركني وما اقتنعت به من أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول عبده ورسوله.
الآلاف من الفضائيات ومواقع الانترنت لا تكل ولا تمل من السجال التكفيري بين المسلمين والمسيحيين، ومن سيدخل السماء ومن سيذهب الى الجحيم. هذا العبث وهذا الهذيان لا يؤدي إلا الى مزيد من العنصرية والطائفية والأطماع البشرية التي تتخفى تحت رداء الوطنية والتدين قاطعة ما أمر الله به أن يوصل بين الناس.
إن الله عظيم وله القول الفصل، ومثلي الكثير من المسلمين لا يؤمنون بالعنف ولا بالإرهاب. وإن استنكرت أنا أو كل من يحترم الحياة والبشر، لن يقدم ذلك ولن يؤخر لأن هابيل سوف يقتل أخاه قابيل لا محالة.
هذه الملايين السمفوحة التي تنفق هدرا على الفضائيات الدينية المتطرفة لن تزيد إلا التعصب والفتنة والتطرف، وأنا عندي إيمان راسخ بأن الله يعلم ويرى كل شيء، ولا شك أن له حكمة في كل ما يحدث ليعلم من أحسن عملا. وأؤمن أن الأرض تسع الجميع وأن الأفق حرب وأن القمر بـ يضوي ع الناس والناس بيتقاتلو..
Leave a Reply