دمشق – دخلت المبادرة العربية لحل الأزمة في سوريا، مع نهاية الأسبوع الماضي، مرحلة ضبابية، مترافقة مع رفضها المبدئي من معارضة الخارج والتشويش الغربي الذي بلغ حد الوقاحة مطلع الأسبوع عندما طلبت واشنطن علانية من المعارضين في الداخل عدم تسليم أسلحتهم للسلطة.
في دمشق، أعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم، في رسالة وجهها إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، أن سوريا ستقوم بتنفيذ غالبية بنود خطة العمل العربي خلال أسبوع، وذلك عشية اجتماع لوزراء خارجية “المبادرة العربية” في القاهرة (مع صدور هذا العدد)، كمقدمة لاجتماع المجلس الوزاري العربي (السبت، ١١ الجاري) لبحث موضوع التطورات في سوريا.
وأشارت مصادر دبلوماسية عربية إلى أن الوزراء العرب، الذين يستبعدون تجميد عضوية سوريا في الجامعة او طلب فرض حظر جوي عليها، يدرسون آلية تصعيد تدريجي ضد النظام السوري، عبر تشكيل آلية عربية او لجنة حكماء للتوجه فوراً إلى دمشق للوقوف على تنفيذ بنود المبادرة على الأرض، واذا فشل هذا الأمر فإن الدول العربية ستقوم بسحب سفرائها من دمشق للتشاور وعقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب لتوجيه إنذار أخير لسوريا بتجميد عضويتها بالجامعة العربية.
ووجه المعلم رسالة إلى العربي أعرب فيها عن “استغراب دمشق لتصريح المصدر في وزارة الخارجية الأميركية الذي يشجع الدول العربية على الانضمام إلى المقاطعة السياسية والاقتصادية ضد سوريا ويتجاوز ميثاق جامعة الدول العربية وأسس العمل العربي المشترك”.
وبين المعلم “في الرسالة أن هذا التحريض الأميركي قد يشكل مؤشراً لتبرير تدخل خارجي وعقوبات اقتصادية وسياسية ضد سوريا، بموافقة من بعض الدول العربية، آملا عدم الالتفات إليه، وموضحا خطورة تلك التصريحات على مستقبل العمل العربي المشترك برعاية جامعة الدول العربية”. وأضاف المعلم إن “سوريا، التي أعلنت التزامها بخطة العمل التي جرى الاتفاق عليها، تؤكد قيامها خلال أسبوع بتنفيذ معظم بنود هذه الخطة، وذلك خلافاً لما تروّج له بعض الفضائيات المغرضة، وأن مندوب سوريا الدائم لدى الجامعة (يوسف احمد) سيطلع مجلس وزراء جامعة الدول العربية على الخطوات التي اتخذت في هذا الصدد”. وأعرب المعلم في رسالته “عن أمله في أن يرد الأمين العام لجامعة الدول العربية على التصريحات الأميركية تلك، بما يمليه ميثاق الجامعة والاتفاقيات العربية، التي تصون سيادة الدول العربية والعلاقات في ما بينها”.
ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط عن مصادر دبلوماسية عربية قولها إن “جميع السيناريوهات مطروحة أمام اجتماع وزراء الخارجية، بما في ذلك تجميد عضوية سوريا لدى الجامعة ومنظماتها، رغم أنه إجراء صعب التحقيق، خاصة أنه يتعارض مع الخيار العربي في حل الأزمة عربياً، باعتبار أن التجميد يعني قطع الاتصالات بين الجامعة العربية وسوريا وهو ما يحول دون تقديم أي حلول عربية”. وترى المصادر أن “تدويل أزمة سوريا، عبر نقلها إلى مجلس الأمن، خيار محكوم عليه بالفشل، خاصة أن روسيا والصين تهددان باستخدام حق النقض ضد أي إجراء في هذا الخصوص، وتصرّان على ضرورة حشد الدعم للمبادرة العربية لإيجاد مخرج سلمي للوضع في سوريا”.
العربي ومعارضة الداخل
والتقى العربي، في مقر الجامعة، وفد “هيئة التنسيق لقوى التغيير الوطني الديموقراطي في سوريا” وذلك بعد يوم من تعرض الوفد إلى هجوم بالبيض والبندورة والضرب من قبل معارضين سوريين يتبعون لمعارضة الخارج. وأكد عضو الوفد هيثم مناع “ضرورة التمسك بخطة العمل العربية، لما تتضمن من بنود فعالة يمكن من خلالها تجنب السيناريوهات التي تحاك لسوريا من الخارج”. وأضاف مناع “نحن متمسكون بوقف إراقة الدماء وأعمال العنف في المدن السورية، وأبلغوا العربي بضرورة اتخاذ إجراءات لتنفيذ الخطة العربية، خاصة بندها الأول المتعلق بوقف أعمال العنف وإراقة الدماء”، مشيرا إلى أن “البنود السياسية الأخرى تأتي لاحقاً بعد هذا البند”. وأضاف “نتمسك بالمبادرة العربية، حتى ولو بـ5 بالمئة من هذه الخطة، حتى نتجنب السيناريوهات الأخرى التي نراها أسوأ وأردأ، وأنه لولا تمسكنا بهذه الخطة لما تحملنا مشاق الإهانة من بعض المتطرفين”.
ميدانياً، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الجيش السوري دخل الاثنين الماضي حي بابا عمرو في مدينة حمص وسط البلاد، وذلك في أعقاب الدعوة التي وجهها المجلس الوطني السوري لإعلان المدينة منطقة منكوبة. وأكد المرصد أن اشتباكات عنيفة بالمدفعية الثقيلة اندلعت بين القوات المسلحة التي دخلت حي بابا عمرو وعناصر مسلحة، وهو ما تسبب في سقوط “عشرات القتلى والجرحى من الجانبين”. ونقلت “رويترز” عن سكان ونشطاء قولهم إن المنشقين عن الجيش الذين كانوا احتموا في بابا عمرو وساعدوا في الدفاع عن الحي السكني، الذي شهد بشكل منتظم تجمعات حاشدة في الشوارع ضد حكم الرئيس السوري بشار الأسد، كانت تصور لتبث في أنحاء العالم انسحبوا من الحي ودخلته القوات النظامية.
أميركياً، اعتبرت الولايات المتحدة أن النظام السوري بدأ يشعر بتأثير العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة عليه بسبب ما وصفته بقمعه الدموي، في وقت استبعد فيه وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ خيار التدخل العسكري، مفضلا عليه تعزيز الضغوط الدولية على النظام ليوقف قمعه الدامي للمظاهرات.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية فيكتوريا نولاند “تلقينا معلومات وتقارير من السفارة الأميركية حول تأثير العقوبات على الوضع المالي للنظام السوري”، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن عدد الضباط الفارين من الجيش السوري في ازدياد. وأضافت أن الهدف الأساسي من العقوبات هو وقف تدفق الأموال التي يستعملها النظام لتمويل تمرده المسلح على شعبه، مشيرة إلى أن الهدف كذلك هو جعل الذين يواصلون دعم الرئيس بشار الأسد وتكتيكه يفكرون مرتين إن كانوا في الجانب الصحيح من التاريخ في سوريا.
Leave a Reply