أشاهد فيلم “سوف تحملنا الريح” لعباس كياروستامي، وأنصت إلى حديث بين شخصين في سيارة تجتاز طريقا وعرا وترابيا. لا يظهر أي من الرجلين على الشاشة.. فقط الصوت يأتي من الخلفية:
أين هو النفق إذن؟ لقد اجتزناه. متى؟ إنه خلفنا. إننا نسير على غير هدى؟ هذه هي الطريق إننا نسير عليها. بعد هذه الطريق نسير إلى منحدر ثم نجد شجرة منفردة! هنالك أشجار كثيرة.. ماذا بعد ذلك؟ لا شيء. هناك طريق يفوق أحلام الله اخضرارا. ماذا بعد الشجرة.. اقرأ العنوان؟. يقول.. شجرة عالية منفردة. هنالك الكثير فوق التلة.. هل هي عالية؟ هذا لن يؤدي بنا إلى أي مكان!
أتوقف عن مشاهدة الفيلم الذي كنت أبحث عنه لسنوات.. فلا مزاج لدي لرؤية الأفلام الآن.
/
بشكل مباغت خطر على بالي الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف. أتذكر كنت أقرؤه بشغف أيام الحقبة الحمراء. أبحث عنه في غوغل، وأقرأ: سمعت كان ابن سينا/ يكتب وصفاته شعرا لمرضاه/ سمعت كان يشفي المرضى في الحال/ بموسيقاه الأورفيوسية/ أما أنا فلست طبيبا ولست حكيما أسطوريا/ أستطيع تقديم النصيحة فحسب: أحبوا بعضكم ما استطعتم فالحب ترياق لكل داء/ مع أنني أعلم: لسنا بالقادرين على كل شيء/ وليس كل محب بحصين/ لكن كلما ازداد المحب حبا/ ازداد رغبة بالحياة/ يخيل إليّ: سأبقى حيا/ ما دمت محبا لك/ محبوبا لديك!
أتوقف عن قراءة الشعر الذي هجرته منذ سنوات.. فلا مزاج لدي لقراءة القصائد الآن.
/
تملأني روايات الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز بالطاقة والحيوية.. والواقعية السحرية. لا بد أنه الوقت المناسب لإعادة قراءة رواياته. سأضع خطة محكمة لذلك في الفترة القادمة، أما الآن فإنني أحب أن أقرأ روايته “ذاكرة غانياتي الحزينات”. هكذا تبدأ الرواية:
في ذكرى ميلادي التسعين رغبت في أن أهدي نفسي ليلة حب جنوني مع مراهقة عذراء. تذكرت روزا كاباركاس، صاحبة ماخور سري إعتادت على إخبار زبائنها المحترمين عندما يكون في متناولها جديد جاهز. لم أستسلم أبداً لهذا، ولا لأيّ من إغواءاتها الفاحشة المتعددة، لكنها لم تصدق طهارة مبادئي. الأخلاق هي قضية لها علاقة بالزمن أيضاً، كانت تقول بضحكة ساحرة، ولسوف ترى. كانت أصغر مني ولم أكن أعرف عنها شيئاً منذ سنوات عدة، حتى أنني ظننت أنها من الممكن أن تكون قد ماتت. ولكن بعد أول رنين لجرس الهاتف تعرفت على الصوت هاتفياً وقلت لها من دون لف ودوران: – نعم، اليوم أقبل..
أتوقف عن قراءة الرواية التي أدهشتني قبل عدة سنوات.. فلا مزاج لدي لقراءة الروايات الآن.
/
ماذا أفعل؟ أذهب إلى قناة “الجزيرة” لأعرف آخر الأخبار. وأستمع إلى المؤتمر الذي يعقده المجلس العسكري المصري والذي يُبث على الهواء مباشرة. يسأل أحد الصحفيين اللواء الملا: لماذا تتعاملون مع المتظاهرين بهذه الطريقة، ولماذا لا تذهبون إليهم وتتكلمون معهم بدل إطلاق الرصاص عليهم. يقول اللواء كلاما كثيرا، ويقول: إننا نتعامل مع المتظاهرين في ميدان التحرير على أنهم جميعا وطنيون، ولكن ليس جميعهم عقلاء!
ثمة تقدم! الكل وطنيون ولكن ليس الجميع عقلاء. انتهت موضة التخوين.. ولكن القتل ما زال جاريا. أيضا.. أشعر بالملل الفظيع وأطفئ التلفزيون. لا مزاج لدي لسماع مزيد من الأخبار!
/
أبحث في اليوتيوب عن شيء مسلٍ وجميل. وأستمع لأغنية من أداء الرائعة فاني برايس: “أفضل أن أكون كئيبة بسببك من أكون سعيدة مع شخص آخر”. لا… أريد شيئا غير هذا. لقطة من فيلم “هي فوضى” وخالد صالح يقول: “البلطجة هي الحل”. محاولة أخرى. العراقي مشعان الجبوري يخرج جواز سفره ويضرب به على الطاولة ويقول للسياسي موفق الربيعي: أنا اسمي مشعان الجبوري وأتحداك أن يكون إسمك موفق الربيعي.. أنت إيراني!
/
أعود إلى مشاهدة الفيلم الإيراني “سوف تحملنا الريح”.. من دون أن أقلع عن التفكير بالحرب الأهلية التي تدق الأبواب في بلدي البعيد..
Leave a Reply