بيروت –
تخوض حكومة الرئيس نجيب ميقاتي اختباراً جدياً قد يطيح بها في حال لم يتوصل اطراف الأكثرية الى تسوية تحفظ مصلحة البلد وتقدم إخراجاً مناسباً لموضوع تمويل المحكمة الدولية، بعد ان وصلت الامور حد تلويح ميقاتي بالاستقالة علنا في حديث تلفزيوني عقب سلسلة من المواقف بين أخذ ورد حول هذا الموضوع.
ودخلت المحكمة نفسها على خط الازمة والسجال الداخلي من خلال توجه رئيسها دايفيد باراغوانت الى بيروت في زيارة حملت في مضمونها رسالة واضحة مفادها ان عدم تمويل المحكمة سيؤدي الى احالة الملف الى مجلس الأمن الدولي.
وبدا واضحاً ان خطوة باراغوانت اتت للرد على المواقف الرافضة للتمويل، والتي توجها امين عام “حزب الله” السيد حسن نصر الله في لقائه التلفزيوني الأخير، ولممارسة المزيد من الضغوط على المسؤولين اللبنانيين في إطار حسابات غير منفصلة عن الصراع الايراني– الأميركي في المنطقة، وتحول المحكمة الى الورقة الأخيرة بيد الإدارة الأميركية بعد أن فشل مشروعها السياسي والأمني في لبنان في عدة مراحل سابقة.
وعلى مسار مواز، كانت غرفة الدرجة الأولى في المحكمة تعلن، في بيان، أنها “قررت انتظار ردّ السلطات اللبنانية بشأن جهودها المبذولة في سبيل توقيف المتهمين، قبل بتّ مسألة الشروع في إجراءات المحاكمة غيابيا. وقد طلبت الغرفة إلى المدعي العام لدى المحكمة دانيال بيلمار إيداع تقرير مرحلي عن ردّ السلطات اللبنانية في هذا الشأن، وذلك في موعد أقصاه 8 كانون الأول”.
ومن المتوقع ان يُسفر الصراع على تمويل المحكمة عن مشهد سياسي جديد قد يُدخل البلد في فراغ حكومي لن يكون من السهل معالجته، في ظل الظروف الاقليمية التي تمر بها المنطقة.
على صعيد اخر، انشغل الشارع السياسي المحلي، ومعه وسائل الإعلام الاميركية والاسرائيلية، بأنباء متواردة تقاطعت على اقرار فشل وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) بتعرضها لـ”نكسة” في عملها على الساحة اللبنانية نتيجة كشف “حزب الله” عن مخبرين يعملون لصالحها خلال الفترة السابقة.
ولئن كانت وسائل إعلامية أميركية، في طليعتها وكالة “اسوشيتيد برس” وصحيفة “لوس انجلوس تايمز”، أول من أثارت القضية، فإن الصحف والمواقع الاسرائيلية سارعت الى الخوض في مزيد من التفاصيل الى حد تسمية اماكن كانت تتم فيها لقاءات ضباط استخبارات أميركيين بعملائهم في بيروت، مع الاشارة الى ان المعالجة الإعلامية الغربية للموضوع اعترفت ضمنا بالقدرة العالية لأمن المقاومة في مواجهة الاساليب الاستخباراتية الأميركية، كما هو الحال حين ذكر احد التقارير أن “وحدة مكافحة التجسس في “حزب الله” بدأت العمل باستكشاف خيوط منذ العام 2004، وهي تقوم بتحقيقاتها عبر وسائل تقنية تتضمن برامج كمبيوتر تتمكن من إيجاد المخبرين في صفوف الحزب، وعبر مراجعة بيانات الخلوي وعزلها في محيط السفارة الأميركية في عوكر”. هذه الجهود، بحسب التقرير، تطلبت سنوات من العمل الدؤوب، بالتعاون مع الحكومة اللبنانية، ولكنها ادت الى توقيف ما يزيد على 100 شبكة اسرائيلية فضلا عن عملاء اميركيين.
وللمرة الأولى في تاريخ لبنان، قررت الحكومة اللبنانية، بعدما أثار وزراء الثامن من آذار القضية، الطلب الى وزير الخارجية الاستفسار من السفيرة الأميركية في بيروت حقيقة النشاط الاستخباري الأميركي على الأراضي اللبنانية، بينما تصاعدت الأصوات الاسرائيلية “القلقة” من مستوى التطور الأمني الذي شهدته أجهزة “حزب الله” المعنية. وكان لافتا ما نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” حول القضية حيث كشفت أن تعامل الاستخبارات الأميركية مع عملية جمع المعلومات من مخبريها في لبنان “كانت تتم بشكل مهمل وأحيانا باستهتار، حيث حدد ضباط الاستخبارات اسم الشيفرة لنقاط الالتقاء بالعملاء: بيتزا”، ولم يتطلب الأمر من رجال الأمن الوقائي في “حزب الله” جهدا كبيرا ليفهموا أن المقصود هو فرع لـ”بيتزا هات” في بيروت، حيث التقط عناصر الحزب ممن يتابعون الأمر كلمة السر هذه، فنصبوا كمائن قرب مطعم الـ”بيتزا” وتم اعتقال معظم العملاء”. وتابعت الصحيفة الاسرائيلية أن “مسؤولا استخباراتيا رفيع المستوى قال انه كان من الخطأ اللقاء في مكان واحد مع مثل هذا العدد الكبير من العملاء. لقد كان ضباط الاستخبارات يعلمون أنهم يخضعون للرقابة. وقد أبلغوا عملاءهم أن في لبنان برامج خاصة للتنصت على الأجهزة الهاتفية الخلوية، وهي برامج سبق للولايات المتحدة نفسها أن زودت بها الجيش اللبناني. ومن المؤكد أن حزب الله ربما قد وضع يده عليها”.
في المقابل، اقتصر موقف “حزب الله” حتى الساعة على تصريح لرئيس لجنة الإعلام النيابية النائب حسن فضل الله، خلال مؤتمر صحافي، قال فيه “ان المحطة الاستخباراتية لـ”سي آي اي”، تتخذ من السفارة الاميركية مقرا لها، ويديرها ضباط اميركيون ينتحلون الصفة الدبلوماسية ويتنقلون بسيارات دبلوماسية”، معتبرا أن “هذا التجسس لا يقل خطورة عن التجسس الاسرائيلي بل هو مكمل له، لذلك يجب تجريم التعامل مع الـ”سي آي اي” مثل التعامل مع الموساد”.
مع الإشارة الى أن هذا الموضوع سيكون على قائمة خطاب السيد نصر الله في افتتاح ليالي العزاء المركزية في الضاحية الجنوبية بمناسبة ذكرى عاشوراء.
Leave a Reply