الرياض، صنعاء – وقّع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح على المبادرة الخليجية معلنا بذلك قبوله تسليم السلطة بـ”صورة مشرّفة” لنائبه، غير ان التوقيع لم يُكلل باحتفالات وأهازيج الثوار اليمنيين. فـ”الراقص على رؤوس الثعابين” حظي بحصانة تحميه من المحاكمة، ونجح في الاتفاق مع قوى المعارضة على أن يتم نقل السلطة من خلال انتخابات رئاسية وليس على يد الثوار الذين بدأوا تحركهم قبل 10 أشهر، وأكدوا انهم غير معنيين بالمبادرة التي وقعها كل من صالح وحزب المؤتمر الحاكم وقيادات “اللقاء المشترك” المعارضة برعاية مباشرة من الملك السعودي عبد الله.
في المقابل، حث الرئيس الاميركي باراك أوباما اليمن على التطبيق الفوري للاتفاق قائلا في بيان مكتوب “الولايات المتحدة ستواصل الوقوف الى جانب الشعب اليمني مع بدئهم عملية الانتقال التاريخية”. وأضاف “على مدى عشرة اشهر، اعرب الشعب اليمني بكل شجاعة وصمود عن مطالبه بالتغيير في مختلف مدن اليمن، في مواجهة العنف والمصاعب الشديدة، وإن الاتفاق هو خطوة مهمة تقربهم بشكل كبير من تحقيق تطلعاتهم ببداية جديدة في اليمن”.
وبعدما راهن صالح على نقل السلطة “سلميا وبطريقة سلسة”، تحقق له ذلك بالتوصل الى اتفاق بشأن المبادرة الخليجية لحل الأزمة وآليتها التنفيذية على ان ينقل السلطة من خلال انتخابات رئاسية مبكرة مع بقائه رئيسا للبلاد لمدة تسعين يوما ورئيسا للحزب الحاكم، وإن كان تنازل عن العديد من صلاحياته لنائبه عبد ربه منصور هادي الذي سيدير مرحلة انتقالية مدتها سنتان وثلاثة أشهر. ويتم خلال هذه المرحلة وفقا للآلية التنفيذية، تشكيل حكومة وفاق وطني برئاسة المعارضة ومناصفة بين الحزب الحاكم والمعارضة، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة وإجراء إصلاحات في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والمالية والعسكرية والأمنية، تشارك فيها كل القوى اليمنية سواء ما بات يعرف باسم “شباب الثورة” أو “الحراك الجنوبي” أو الحوثيين في شمال البلاد الى جانب القوى السياسية الحزبية في السلطة والمعارضة.
ويقضي الاتفاق الذي وقع في العاصمة السعودية، برعاية الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي العهد الامير نايف وبحضور وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي والامين العام للمجلس عبد اللطيف الزياني ومبعوث الامم المتحدة الى اليمن جمال بن عمر وسفراء عدد من الدول الكبرى، بإنهاء كل أشكال الاعتصامات الاحتجاجية في المدن اليمنية وإعادة الأمور الى طبيعتها ثم التحضير في غضون 90 يوما لانتخابات رئاسية مبكرة.
وقال الملك عبد الله خلال حفل توقيع الاتفاق مخاطبا القادة اليمنيين ان “صفحة جديدة من تاريخكم تبدأ اليوم وتحتاج منكم اليقظة وإدراك المصالح وتحقيق اهداف الحرية بكل اشكالها ولا يمكن لها ان تستقيم من دون مسؤولية”، محذرا اليمنيين من الخلافات لان “النتيجة لذلك هي الفوضى في متاهات لا يعلمها الا الله”.
بدوره، اعلن صالح استعداده للشراكة والتعاون لانجاح تطبيق المبادرة الخليجية. وقال “ليس التوقيع على المبادرة ما هو مهم انما حسن النوايا وبدء العمل”، مضيفا “انا مستعد لشراكة حقيقية لبناء ما خلفته الازمة وسأتعاون مع الحكومة المقبلة لانجاح المبادرة”. وأردف بالقول “ان التصدع في الوحدة الوطنية في اليمن يحتاج علاجه الى عشرات السنين، بعدما دمّر الانقلاب على السلطة كل ما بني خلال الفترة الماضية”. ووصف صالح محاولة اغتياله في مسجد الرئاسة بالمؤامرات “الصهيونية”، مضيفا “كنا نطمح في أن يتم التبادل السلمي للسلطة بطرق ديموقراطية، وكنا نود أن يشاركنا اخوتنا في المعارضة في الحكم”.
ووقع صالح بحضور كبار الامراء في العائلة المالكة، على المبادرة وآليتها التنفيذية، قبل ان يوقّع عليهما بدوره وزير الخارجية الاماراتي الشيخ عبد الله بن زايد كون بلاده ترأس الدورة الحالية لمجلس التعاون. وبعيد ذلك، قام ممثلون عن حزب المؤتمر الحاكم والمعارضة بالتوقيع على الآلية التي تحدد بالتفصيل ملامح المرحلة الانتقالية في اليمن.
وكان الامين العام للامم المتحدة بان كي مون اعلن في وقت سابق ان صالح سيتوجه الى نيويورك لتلقي العلاج الطبي بعد توقيع الاتفاق. وقال بان للصحافيين ان صالح ابلغه في مكالمة هاتفية “انه بموجب الاتفاق سيسلم كل السلطات لكنه لن يتنحى كرئيس كما سيتوجه الى الولايات المتحدة لتلقي العلاج”.
وفيما القى الزياني كلمة نوه فيها “بالجهود المخلصة لكافة دول وقادة دول مجلس التعاون عامة والسعودية على وجه الخصوص من اجل اخراج هذه المبادرة الى النور”، قال المبعوث الاممي بن عمر “انه يوم تاريخي بالنسبة لليمنيين ويحب العمل على اعمار اليمن وتحقيق الامن والاستقرار بمساعدة مجلس التعاون”.
في هذه الاثناء، خرج عشرات الآلاف من اليمنيين في تظاهرات احتجاجية جابت العاصمة صنعاء وغيرها من المدن. وتعهد المتظاهرون المناهضون للنظام الحاكم بملاحقة الرئيس ومعاونيه الذين قالوا إنهم “تورطوا في جرائم قتل بحق المتظاهرين السلميين والمدنيين” وتقديمهم للعدالة. كما عبر المتظاهرون عن رفضهم منح أي ضمانات أو حصانة من المحاكمة والملاحقة القضائية لصالح معلنين أنهم سيواصلون احتجاجاتهم حتى محاكمة رموز النظام.
Leave a Reply