خاص “صدى الوطن”
أنهت “الثورة السورية” شهرها التاسع، مع سقوط حوالي خمسة آلاف شخص من مدنيين وعسكريين حسب الأمم المتحدة، دون أن تتمكن هذه “الثورة” التي تتخذ طابعاً عنفياً من أن تولد واقعاً داخلياً ضاغطاً على النظام السوري الذي لا يزال صامداً وممسكاً بزمام الأمور في البلاد، باستثناء بضعة بؤر مسلحة محدودة تتركز في محافظة حمص وإدلب ودرعا. ويوما بعد يوم يظهر عجز المعسكر المعادي لمحور الممانعة في المنطقة في إسقاط الرئيس بشار الأسد رغم استخدام كافة الأساليب وتوجيه عدة ضربات من تحت الحزام، تخطت المألوف في التعاطي الإعلامي والدبلوماسي وحتى الاقتصادي.
حالياً، يبدو، حسب المراقبين، أن العقوبات الاقتصادية والحصار العربي-الغربي-التركي على دمشق، هي آخر الطلقات في جعبة “الهجمة” على النظام السوري في محاولة لإضعافه ثم إسقاطه، في الأشهر أو السنوات المقبلة، بعد فشل اللجوء الى الخيار العسكري في ظلب الرفض الإيراني-الروسي لتوجه كهذا قد يشعل المنطقة بأكملها.
ويراهن المعسكر المعادي لدمشق، اليوم، على سلسلة من العقوبات المفروضة من جهات غربية وعربية، مثل تجميد الأصول وتجميد المعاملات التجارية والمالية مع البنك المركزي السوري والحظر على النفط وغير ذلك، لوضع سوريا في عزلة على المستوى الاقتصادي قد تتطور لتأخذ شكلاً ضاغطاً على نظام دمشق يهدد وجوده.
لكن، حسب بعض المراقبين، فإنه حتى خيار الحصار الاقتصادي المدعوم بعقوبات أوروبية-أميركية-عربية-تركية قد لا يحقق مآربه رغم نجاحه في إيقاع خسائر فادحة في الاقتصاد السوري، وذلك لعدة أسباب.
فموقف الدول المجاورة لسوريا، وعلى رأسها لبنان والعراق، الرافض لقرارات الجامعة العربية لمحاصرة سوريا اقتصادياً يجعل من المستحيل عملياً تطبيق العقوبات بشكلها الصارم.
كما أن فشل المعارضة في الداخل بالقيام بإضرابات واسعة يزيد من الموقف حرجاً للعواصم الغربية والعربية العالقة بين مطرقة قرارها بإسقاط النظام وسندان واقع صموده. وبالتالي بدأت هذه العواصم تبحث في سبل إيجاد آلية للتعاطي مع النظام في ظل عجزهم عن إسقاطه، وهذا ما يفسر عودة سفراء أميركا وبريطانيا وألمانيا، في حين الدول الخليجية وتركيا أصبحت في موقف حرج مع ازدياد فرص الأسد في الصمود.
ونقلت شخصيات لبنانية عن الرئيس الاسد أنه مطمئن للوضع الداخلي في سوريا ولبعض الأجواء الاقليمية والدولية، مشيراً الى فشل كل الضغوط الخارجية للتأثير على الوضع السوري، وعبر الرئيس الأسد عن ارتياحه للعلاقة مع روسيا وايران ودورهما الإيجابي في حماية سوريا من المخاطر، مؤكداً أن القوى العسكرية والامنية تسعى للسيطرة على بؤر التوتر في بعض المناطق السورية، خصوصاً في مدينة حمص ومحيطها. كما جاءت إقامة انتخابات الإدارة المحلية التي شهدت كافة أنحاء سوريا الأسبوع الماضي، لتؤكد على أن نظام دمشق لا يزال ممسكاً بالبلاد وقادراً على تسيير انتخابات واسعة على عكس معظم الدول العربية، ولاسيما الأنظمة الخليجية.
الصفعة العراقية
وحسب تطورات الأسبوعين الأخيرين، يبدو أن واشنطن تخلّت عن هدفها اسقاط الأسد حسبما تم استخلاصه من رسالة أميركية نُقلت، مباشرة أو عبر وسطاء، إلى الأطراف المعنية في المنطقة ومعلومات متقاطعة من أكثر من عاصمة إقليمية (حسب صحيفة “الأخبار” اللبنانية)، أوضحت أن “الأميركيين يعملون على إعادة العلاقات مع الأسد، ولعل هذا ما يفسر عودة السفير الأميركي إلى دمشق”. وبالتالي، تضيف المعلومات نفسها، إن المنطقة على وشك الدخول في مرحلة جديدة من “تهدئة اللعب” على أكثر من مستوى بفعل “المأزق” الذي وضعت نفسها فيه الإدارة الأميركية، ومعها حلفاءها من دول الاعتدال العربي.
وترى مصادر دبلوماسية عربية أن هناك عجز ثلاثي أحبط المعسكر الأميركي التركي العربي: الأول، عجز عن تأليب ما يكفي من الشعب السوري لإسقاط النظام، رغم تجنيد الإعلام العربي لهذه الغاية ورغم كميات الأموال والسلاح التي وزعت في سوريا. والثاني، عجز عن اللجوء إلى الخيار العسكري بوجود إيران وروسيا، ثبتته تطورات الأسابيع الماضية وبينها المناورات العسكرية السورية وإسقاط “الشبح” الأميركية التجسسية في إيران. أما الثالث فهو العجز عن فرض العقوبات التي اتخذتها جامعة الدول العربية، والذي حسمته زيارة أمينها العام نبيل العربي الاسبوع الماضي إلى سوريا. حيث أكد الموقف العراقي أنه حاسم في الوقوف الى جانب دمشق.
فقد أكدت التقارير الإعلامية الواردة من بغداد أن العربي غادرها بعدما سمع كلاماً قاسياً من الأطراف كلها، خاصة في خلال الاجتماع الذي عقده مع رؤساء الكتل البرلمانية التي رفضت العقوبات على دمشق، وهذا ما عبر عنه بشكل رئيسي رئيس الوزراء السابق ابراهيم الجعفري، الذي قال للعربي حسب المصادر أنه “إذا أردتم أن تكون الجامعة قوية ولها هيبتها وقادرة على أن تمون علينا، فعليها أن تتوقف على أن تكون لطرف عربي دون آخر. ما لك نراك تنطق بلسان (رئيس الوزراء القطري الشيخ) حمد. تريدون حراكاً لمصلحة بعض العرب، هذا لا يمكننا المشاركة به”. ويضيف “هل تستطيع أن توضح لنا لماذا هللتم للحراك الشعبي من تونس إلى مصر فليبيا واليمن، ولما وصلتم إلى البحرين خرست الألسن والأفواه. تحوّل المحتجّون البحرينيون إلى شيعة وإيرانيين. لماذا الازدواجية في المعايير؟ تتحدث اليوم عن سوريا، نعم نحن مع الحوار الداخلي في سوريا وسندعمه بكل السبل. أما أن تطلب مشاركتنا في الحصار فهذا ضد الشعب السوري وضد الشعب العراقي واستحالة أن ندخل هذه اللعبة”. وحسب المصادر، تحدث في هذا المنطق جميع المجتمعين.
وفي اجتماع العربي مع المالكي، أكد له هذا الأخير الموقف نفسه الذي عبرت عنه الكتل، مشدداً على أن “الجامعة العربية أصبحت طرفاً في الأزمة السورية وليست حكماً”. وكان المرجع علي السيستاني قد رفض استقبال العربي الذي طلب موعداً لزيارته. وتقول المصادر إن “هذا الرفض نابع من واقع أن سماحة السيد لا يستقبل سياسيين في الوقت الراهن”.
مبادرة عراقية
وعاد المالكي ليؤكد رفضه لسياسة الحصار على دمشق والمطالبة بإسقاط النظام، وقال في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الأميركي باراك أوباما “نحن لسنا ضد تطلعات الشعب السوري ولا تطلعات اي شعب اخر، لكن ليس من حقي ان اطلب من رئيس التنحي، ولا نريد ان نعطي انفسنا هذا الحق”، مضيفا “العراق بلد على حدود مع سوريا وأنا تهمني مصلحة العراق”. ومن على متن الطائرة التي كانت تنقله من واشنطن الى العراق وقبيل وصولها الى بغداد قال المالكي “فور وصولي سوف اعقد اجتماعا لاعداد الخطط لارسال الوفد الى سوريا لتنفيذ مبادرة العراق”. واوضح ان مبادرة العراق تهدف الى فتح حوار بين اطراف المعارضة السورية من جهة والحكومة السورية من جهة اخرى للوصول الى نتائج مرضية للجانبين.
وتعقد اللجنة الوزارية العربية الخاصة بالملف السوري السبت اجتماعا في القاهرة على مستوى وزراء الخارجية، للرد على الاقتراح السوري بالموافقة على ارسال مراقبين الى سوريا، مقابل رفع العقوبات العربية المفروضة على هذا البلد.
مواقف حول سوريا
– قالت مصادر إسلامية لبنانية التقت الرئيس بشار الأسد، الأسبوع الماضي، إن القيادتين الايرانية والروسية تنشطان مجدداً للوساطة بين المسؤولين السوريين وقيادة “الإخوان المسلمين” بهدف التوصل الى حلول سياسية للأزمة السورية والابتعاد عن الحلول العسكرية والأمنية بعدما توصل الطرفان الى ان هذه الحلول لن توصل الى اية نتيجة حسبما تبلغت شخصيات اسلامية لبنانية من قيادات “إخوانية”.
– قال الرئيس بشار الأسد لوفد من الشخصيات الإسلامية اللبنانية ان سوريا قادرة على مواجهة العقوبات الاقتصادية بعد أن أكد له عدد من المسؤولين العرب وفي منظمة المؤتمر الإسلامي ودول عدم الانحياز انهم غير مستعدين للالتزام بالعقوبات الدولية، علما ان القيادة الايرانية اتخذت سلسلة قرارات هامة لدعم الاقتصاد السوري في حين رفض المسؤولون العراقيون اتخاذ أية اجراءات تساهم بالتضييق على سوريا، فضلاً عن وجود ارتياح في دمشق لكيفية تعامل الجانبين اللبناني والأردني مع قضية العقوبات.
– أشار الرئيس التركي عبد الله غول إلى أن بلاده ليست لديها أي “أجندة خفية” فيما يتعلق بالشأن السوري، وكل ما يريده أن تصبح سوريا بلداً هادئاً ومستقراً. وقال غول، خلال مشاركته في مؤتمر السياسة العالمية في العاصمة النمساوية فيينا، إن “ما نريده هو، ببساطة، أن ينعم الشعب السوري بالسعادة والرخاء والحرية.. إننا نتابع عن كثب ما يحدث في هذا البلد وللأسف هناك ضحايا عديدة”. من جهته قال وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو أمام البرلمان التركي، الأربعاء الماضي، إن بلاده لا تضع أي خطط لغزو سوريا وحدها ولا إلى جانب أي دولة أخرى، وأضاف “لا نملك أية معلومات ولم نتلق أي طلب يشير إلى أن أية دولة لديها خطة مماثلة”.
– نفى الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي ما تناقلته بعض الصحف من أقوال منسوبة اليه حول توقعاته بأن: “عقوبات الحظر الجوي ضد سوريا سوف تدخل حيز التنفيذ قريباً، وبأن النظام السوري في النهاية لن يستجيب للمبادرة العربية”. وقال العربي “أستغرب نقل مثل هذه التصريحات والأحاديث غير الدقيقة، في الوقت الذي ما زالت فيه الجهود والاتصالات جارية من أجل تذليل العقبات التي تعترض مهمة بعثة جامعة الدول العربية الى سوريا وانجاح خطوات الحل العربي”.
Leave a Reply