يقفل هذا العام آخر أيامه بعد أحداث حافلة بالتغيير والمفاجآت ومادة تاريخية قد تترك تداعيات كبيرة على مسار الأحداث المستقبلية في لبنان والمنطقة والعالم. العام ٢٠١١ تم تدشينه ببعث الحرارة في دم “المحكمة الإسرائيلية-البيلمارية” التي كان نيشانها على الوضع السياسي اللبناني كما تشتهيه جماعة صغار “١٤ آذار”، مما استدعى مسيرة لذوي القمصان السود فاسود وجه جماعة ثورة “بولتون” ومازالوا يذكرونها وهم يشربون الماء من “طاسة الرعبة” حتى اليوم، مع أنها كانت مظاهرة سلمية لمواطنين كانوا يمشون في أرض بلدهم في ساعات الفجرالأولى ثم قبل طلوع الشمس، اختفوا وكأن الأرض انشقت وبلعتهم. وكما فتح ٢٠١١ عينيه على المحكمة، يغلقهما على خبر تنحي بيلمار الذي أصيب بلعنة الإنحياز والتآمر (كسحة والريح بارد).
كما شهد العام بداية الثورات العربية التي كانت حلماً بعد استكانة الشارع العربي إلى درجة الموت السريري، مهد لها سقوط سعد الحريري وهو يدخل إلى البيت الأبيض رئيساً للحكومة في بلد “خيال الصحرا” فخرج معزولاً بإستقالة أكثرية الوزراء في حكومته، وذلك بعد أن ماطل في طرح ملف “شهود الزور” على المجلس العدلي بالتضامن مع خليفة إلياس سركيس الذي كان حليفه وتناول معه عشاءً سرياً في “بيت الوسط”.
عربياً، كرت السبحة بعد أن قام محمد البوعزيزي بحرق نفسه في تونس الخضراء فأدت هذه التضحية إلى حرق نظام الطاغية زين الهاربين مع زوجته وحاشيته التي نهبت البلد. وجاء دور النظام اللامبارك في مصر، فهوى فرعونها بسرعة فائقة بعد يومٍ واحد من زيارة أمين الجميل للقاهرة ولقاء حسني. وكم كان إدعاء “ثورة البطيخ” مضحكاً عندما تبنت “الربيع العربي” على أساس أنها الوحي الذي إستلهمته الثورة العربية مع أن فؤاد السنيورة وسمير جعجع ومعلمهما لم “يتعزلوا” من التسكع على أبواب حسني مبارك، إضافةً إلى حلفهم مع كل أنظمة الرجعية والردة! ربما بسبب وجه أمين الجميل “الخير”، لا يتلقى دعوة لزيارة البحرين والسعودية وقطر واليمن أو المغرب حتى لا يلاقي حكامها نفس مصير مبارك المشؤوم!
ولأول مرة في التاريخ تفاجأت أميركا بالربيع العربي وكانت متفرجة عليه كغيرها. لكنها سرعان ما تسلمت زمام المبادرة وركبت الموجة من أجل تجييرها لصالحها فدعمت جنرالات مبارك وتناست ثورتي البحرين واليمن ودشنت عصراً إستعمارياً جديداً عبر “الناتو” في ليبيا بسبب الدكتاتور “مدمر القذافي”، إلى أن حان موعد سحب القوات الأميركية المحتلة من العراق، فأججت نار المحكمة الإسرائيلية في لبنان والتخريب المسلح في سوريا محولةً اياها إلى عمق الثورة المضادة ضد آمال وأماني الشعوب العربية في الحرية والتحرير من العدوان، حتى تغطي عملية الإنسحاب، مستخدمةً مشيخة قطر التي أنهت سنين من العداء مع آل سعود لتكون رأس حربة في المؤامرة على قوى المقاومة والممانعة عبر سياستها في “جبانة الدول العربية” وبوقها الإعلامي “قناه التزويرة”.
لكن مؤامرة قوى الردة فشلت فشلاً ذريعاً، خصوصاً في سوريا، وأدت إلى إحراج المتأمرين بعد التنبؤات العديدة التي اطلقوها حول إنهيار النظام في سوريا، مما يذكرني بوعود جعجع بحتمية سقوط الرئيس العماد الشهم إميل لحود، لكن أكيد أكيد أكيد الذي سقط هو مصداقية سمير جعجع.
ولعل أبرز مفاجآت هذا العام هي عودة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا والتي منعت الغرب من تكرار التجربة الليبية في سوريا بعد صمود الشعب والجيش والرئيس السوري! الحرب الباردة هذه المرة ليست على سابق عهدها أيام الإتحاد السوفياتي لكنها “فاترة” ولو أنها قوية وحقيقية وفعلية نتيجة صلف السياسة الخارجية الأميركية التي استباحت الكرة الأرضية لمدة طويلة كالقطب الأوحد وعاثت فيها فساداً وإنحيازاً للسياسة الإسرائيلية. “الحرب الفاترة” ستعيد التوازن الدولي الى سابق عهده، وتعزز محور الممانعة من طهران إلى لبنان مروراً بسوريا والعراق ما بعد الإحتلال والذي سيلعب دوراً وازناً في المنطقة رغم معارضة السعودية له على أسس أمنية وطائفية. ولهذا السبب دعا عبدالله بن عبد العزيز مؤخراً إلى توحد دول “مجلس التعاون” الخليجي في وجه المحور الجديد بعد فشل الثورة المضادة في اليمن والبحرين ومصر وسوريا. لقد بات من المؤكد عودة بوتين لرئاسة روسيا وهو لن ينس أن أميركا تدخلت حتى في الساحة الداخلية الروسية وحرضت جماعة من المتظاهرين ضده في موسكو.
الحرب الباردة، ما أحلى الرجوع إليك!
Leave a Reply