وقعه الرئيس عشية رأس السنة.. وسط غضب منظمات حقوقية ومدنية
واشنطن – خاص “صدى الوطن”
في حين كان الأميركيون منشغلين بالتحضيرات للاحتفال بعيد رأس السنة في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2011، وقع الرئيس باراك أوباما على مشروع قانون “تفويض الدفاع الوطني” الذي يتيح لقوات الجيش الأميركي ملاحقة واعتقال المواطنين والمقيمين في الولايات المتحدة لمدة غير محددة، والذي أقره مجلس الشيوخ الأميركي بواقع 99 صوتا مقابل صوت واحد عارضه.
وقد أثار هذا القانون جدلاً واسعاً اذ اعتبره البعض أنه سيؤدي الى مواجهة مع البيت الأبيض، حيث توقع المراقبون أن الرئيس أوباما سيستخدم حق النقض “الفيتو” لمنع تمريره لأنه يمس الحريات والحقوق المدنية والدستور الأميركي بشكل سافر. ولكن العكس تماما حدث، فوقع أوباما على صيغة المشروع متخطياً كل الانتقادات وعلى غفلة من الشعب الأميركي الذي كان يحتفل بالسنة الجديدة.
وفي هذا السياق، قال أوباما: “عندي تحفظات جدية حول الأحكام التي تمنح قوات الجيش الأميركي صلاحيات لا متناهية في اعتقال المواطنين والمقيمين المشتبه بهم في دعم “الارهاب”، ولكنني وقعت على مشروع القانون على أية حال، الأمر الذي من شأنه أن يثير القلق لدى منظمات الحقوق المدنية حول ما يمكن أن يكون أحد أكثر الانتهاكات بشاعة في تاريخ الدستور الأميركي”.
ردود فعل
أدى تمرير أوباما لمشروع قانون “تفويض الدفاع الوطني” الى ردود فعل غاضبة ومستاءة. وصدر بيان عن الاتحاد الأميركي للحريات المدنية (أي سي أل يو) جاء فيه: “نشعر بالخيبة لأن الرئيس أوباما وقع على مشروع القانون بالرغم من أن ادارته تدّعي بأن المشروع يعطي صلاحيات لامتناهية في اعتقال المواطنين ومحاكمتهم. وأية آمال حول تراجع ادارة أوباما عن قرارها اليوم أصبحت وهمية”.
ومن ناحيتها، أصدرت ادارة أوباما بياناً، في محاولة الى احتواء وتخفيف الآثار السلبية الناتجة عن توقيع مشروع القانون المذكور أعلاه، وقالت فيه: “نحمد الله أن الحكومة تتألف من ثلاثة فروع والكلمة الفصل تحددها المحكمة العليا، والتي لا تزال تملك القرار الحاسم في منح قوات الجيش الأميركي الصلاحية غير المشروطة باعتقال المواطنين والمقيمين”.
كما وصرح أوباما بعد توقيعه على مشروع القرار بأن ادارته لن تأذن بحدوث الاعتقالات دون الخضوع للمحاكمة القانونية. وقال: “في الواقع، أنا أؤمن أن حدوث الاعتقالات دون الخضوع للمحاكمة من شأنه أن يكسر أكثر التقاليد والقيم أهمية بالنسبة للولايات المتحدة باعتبارها أمة”.
وأشار اتحاد الحريات أن اعتبار أوباما أنه لم يخطط لتمرير القانون لا يعني أن الادراة المقبلة لن تتعهد بالقيام بالمثل أو أن أوباما سيتراجع عن كلمته فيما يختص الاعتقالات لمدة غير محددة. كما عبر الاتحاد عن قلقه من تشريع الاعتقالات والتي جاءت كجزء من مشروع القانون الأساسي الذي قدمه السناتور كارل ليفين (ديمقراطي عن ميشيغن) قبل أن يتم تعديله ولكن من دون تغير البنود المثيرة للجدل.
وصرحت المنظمة مباشرة بعد توقيع مشروع القانون: “الوضع خطير لأنه يتخطى الحدود الجغرافية ولأنه يمكن استخدامه من قبل الرئيس لاعتقال المواطنين والمقيمين بطريقة عسكرية دون ضرورة وجود أي حالة طوارئ في البلاد”.
وأعربت منظمات ومؤسسات أخرى عن أسفها لعدم التغطية الاعلامية الكافية لهذا الموضوع وتجاهلها لتوقيت التوقيع على مشروع القانون وتمريره متجاهلين طبيعة القانون المثيرة للجدل بشكل كبير.
واعتبر مؤسس “الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية” المحامي نبيه عياد أن هذا القانون يجب أن يكون مصدر قلق جميع الأميركيين دون استثناء. وقال: “هذا يوم حزين حقا في نظام العدالة الأميركي حين يُقدِم الرئيس الديمقراطي والافريقي الأميركي على تمرير قانون يمنح حق الاعتقال غير المحدود لمواطنين أميركيين وهو يسبب مشكلة لي ولأبناء الجالية كعرب أميركيين”.
وأضاف “إنه ببساطة يجعل الخوف منتشرا، والسبب في ذلك هو أنه توجد العديد من “وكالات تطبيق القانون” التي تقوم بعملها بشكل اعتباطي وتحتجز الأشخاص المشتبه بهم، مما يؤكد أن الأشخاص الخطرين لا يمكن أن يكونوا خارج السجون، وبالتالي فإن تمرير مثل هذا القانون هو أمر مبالغ فيه”.
ونوه عياد بأن “المواد المتعلقة بمسائل الإرهاب ماتزال غامضة مما يضع الكثير من المجموعات من بينها العرب الأميركيون والأميركيون المسلمون في خطر”.
وشدد أن بوجود قوانين مثل “قانون الوطنية” (باتريوت آكت) الذي يمنح الحكومة سلطات إضافية أكثر مما تحتاج له لدرجة يمكن القول معها أنهم يريدون التضييق علينا بحجة تهديد الأمن الوطني.
وناقش المذيع روبرت سكوت بيل في برنامجه الإذاعي هذه المسالة عبر الحديث مع متصلين وضيوف آخرين. وقال: “مهما تعددت التعديلات على القانون فإنه يلقي الستار الأخير على مسألة الحقوق المدنية، هذا القانون غير دستوري ولا يناسب المبادئ والقيم الأميركية ويطيح بحقوق المتهم الدستورية”.
وعبر بيل والعديد من المتصلين عن خوفهم من التغيير المفاجئ لادارة أوباما التي كان من المفترض أن تستخدم حق النقض “الفيتو” لمنع تمرير مشروع القانون. وشبه بيل هذا التمرير المثير للجدل لذلك الذي وقع عليه أوباما السنة الماضية عشية ليلة الميلاد فيما يخص الموارد الغذائية. واعتبر بيل أن ادارة أوباما تعتمد، على ما يبدو، سياسة تمرير القوانين المثيرة للجدل في أوقات يكون فيها المواطنون منشغلين وكذلك الوسائل الاعلامية.
من ناحيته، استغرب الباحث الاعلامي ليام شيف الحديث المقتضب حول تمرير مثل هكذا قانون وشبه تجاهل وسائل الاعلام والاذاعات له. وقال: “هذه المسألة سوف تستفحل تماماً كالجرح المفتوح”.
كما عبر بيل والمتصلون عن قلقهم من تصريحات الحكومة حول الطلب من المواطنين تخزين المواد الغذائية الاضافية وتخزين الذخيرة في مستوعبات مضادة للماء تلويحاً لضربات ارهابية محتملة.
وانتقد العضو في الكونغرس الأميركي النائب جاستين أماش الصلاحيات غير الدستورية الممنوحة للجيش بفعل القانون الجديد معتبراً أن القانون يجعل الجميع دون استثناء عرضة للاعتقال.
وأرسل أماش مؤخراً رسالة الى مجلس الشيوخ والنواب يحثهم فيها على تعديل مشروع القانون وقع عليها 11 من أعضاء الكونغرس من الحزبين من بينهم جون كونيورز (عضو الكونغرس الأميركي عن ميشيغن) و دينيس كوسينيتش (عضو الكونغرس الأميركي عن أوهايو).
من ناحية اخرى، عرض مشروع قانون على مجلس النواب والشيوخ من شأنه أن يقلص الصلاحيات المشرعة للقانون الموقع أعلاه، بالاضافة الى اطلاق مجموعة محدودة من عمليات قياسية تتضمن حملات استدعاء ضد أعضاء في مجلس الشيوخ ممن صوتوا لصالح مشروع القانون.
وفي الوقت الذي تحجب عن الكثير من الأميركيين حقيقة القانون الجديد، تتعهد المنظمات المدنية ومن بينها الاتحاد الأميركي للحريات المدنية بالاستمرار في المواجهة معتبراً أن على مجلس الشيوخ والرئيس أوباما اعادة ترتيب الفوضى التي خلقوها لأنه من حق المواطنين الأميركيين والمقيمين أن يعيشوا من دون خوف من هذه الادارة وغيرها من الادارات المستقبلية التي سوف تسيء استخدام سلطة الاعتقال الممنوحة للجيش حسب القانون. كما ستحارب المنظمة هذه السلطة المجحفة أينما كانت في المحاكم وفي الكونغرس وعلى الصعيد الدولي.
Leave a Reply