ليس أجمل من صحبة الأحفاد. إنهم يتكلمون ويغنون ويرقصون ولا يطلبون منك شيئا. عليك فقط أن ترى وتتعجب وتسمع وتتأمل معهم، وتفرح وتمرح لمرحهم. وهل هناك مكان أجمل من “ديزني لاند”، لتعود طفلا مدللا وتنسى الدنيا ومشاكلها ومتاعبها، والسياسة والكذب والخداع، عندما تشاهد الأميرة النائمة وسندريلا، والجميلة اللطيفة التي أحبت الوحش وروضته حتى صار إنسانا ورفضت الشاب المتوحش بعضلاته وقوته.
عالم ديزني الرائع المبهر بقصصه وحكايته، وبفضل أحفادي زرته للمرة الثانية. لا أبالغ إنني وفي كل مرة شعرت بفرح عظيم، واستمتعت فيه أكثر منهم. فأنا نشأت على حكايا “أُمِنا الغولة” وشكلها البشع المنفر وهي تأكل الأولاد إذا أخطأوا ولم يسمعوا الأوامر وكلام الكبار، وحكاية الشاطر حسن، الذي قتل بسيفه المئات ليصل الى الأميرة الست بدور حتى يريها “القمر كيف بيدور”.. وعندما كبرت قليلا كنت أسمع بطولات عنتر العبسي وسيفه البتار حيث يقتل مئة من الشمال ومئة من اليمين.
لكن في مملكة “ديزني” مدينة كاملة مشيدة على حجم أحلام الطفولة. تجرأت وركبت مع أحفادي قطار “مملكة السحر” في مدينة ما قبل السيارات والقاطرات وأخذنا القطار الى قصر سندريلا. سألت نفسي أين وكيف كانت قلعة الست بدور عند العرب؟ غادرنا قلعة سندريلا لنركب غواصة الكابتن “نيمو” وهبطت فينا الى قاع بحار وهمية وهاجمتنا وحوش خرافية، أين منها الغول وجني مصباح علاء الدين؟
الذي لاحظته أن تسعين بالمئة من ركاب الغواصة كانوا من الأطفال الكبار مثلي، أما الأطفال سناً ومظهراً كانوا أقلية، اصطحبها الجد والجدة أو الكبار في العائلة، لحفظ ماء الوجه والمظاهر وكحجة لدخول مملكة خيال وعالم ديزني دون الشعور بالخجل وإطلاق سراح طفولتهم، مثلي تماما، لأنني كنت بحاجة الى تفسير انساني منطقي لركوب المراجيح ببهجة وبراءة.
وداعبت الأقزام السبعة وتفرجت على مركبات الكرنفال الطفولي ولوّحتُ للأرنوب وهتفت بحياة صاحبة الجلالة “بياض الثلج” و”الجميلة والوحش” و”ريبانزيل” صاحبة الشعر الطويل و”الأميرة والضفدع”. عالم الأحلام والخيال الكل فيه يمرح ضاحكا تحت الشمس، خاصة زبائن عالم ديزني من حملة شهوة الطفولة من شتى أنحاء العالم قادمين في رحلات سياحية للاقامة عدة أيام في فنادق “ديزني لاند” في فلوريدا.
أستطيع القول كنت ذاهبة في إجازة من الحزن وفي عيوني بدا حزن نساء وأطفال العالم العربي، منهم قلة قليلة مرفهون يسافرون ويتمتعون بالإجازات والأغلبية يعيشون في بؤس وقمع وقهر وهم يرون بركات الطبقة المرفهة ولا حظ لهم بلمسها وتذوقها.
كان ختام جولتنا بركوب التلفريك الراكض فوق أرض الخيال ورؤية دنيا المباهج في القاع وثانية امتلأ قلبي بالحزن وأنا أتذكر أن معظم أطفال العرب محرومون من مباهج كهذه. يركضون بأقدام حافية للعمل وهم في عمر الطفولة. ولم أنس أطفال الحروب المعاقين والمخطوفين والمعذبين على أبواب المياتم أو الذين يتم بيعهم كقطع غيار في أسواق الأعضاء البشرية.
أخفيت موجة الحزن في صدري مخافة أن تنتقل عدواها لابنتي ولأحفادي حيث يعيشون في أميركا منذ سنين عديدة ولا أحب لهم سماع ورؤية ذلك البؤس والجهل لأني لا أملك له دفعا. وانطلقت لأستمتع بأوقاتي وأحفادي متوجهين الى صالة أخرى للمرح والفرح والاحتفال بعيد ميلاد حفيدتي، ميا، السادس.
Leave a Reply