كولومبيا – حصرت ولاية ساوث كارولاينا، الى حد بعيد، السباق لانتخابات التمهيدية للطامحين من الحزب الجمهوري للوصول إلى البيت الأبيض، بين المرشحين ميت رومني ونيوت غينغريتش بعد أن حسمت قرارها لمصلحة الأخير ليشتعل السباق بمنافسة ثنائية بين المرشح المحافظ ومرشح القيادة التقليدية في الحزب ميت رومني الذي تعرض لنكسة فرضت عليه تعديل مسار حملته الانتخابية.
وفي خطاب دام 23 دقيقة بعد إعلان النتائج، تصرف غينغريتش على انه متصدر السباق بعد صورة هجومية عكسها امام الرأي العام على مدى اسبوعين لإضعاف منافسه الرئيسي، وعزز غينغريتش خطابه قائلاً “نشعر كأميركيين ان لدينا نخباً في واشنطن ونيويورك تحاول منذ نصف قرن إجبارنا على وقف ان نكون أميركيين”. الأمر الذي أثار انتقادات معارضيه الذين يعتبرونه تعريفاً للنخب الحاكمة خاصة أنه كان رئيساً لمجلس النواب في فترة سابقة.
وفاز غينغريتش بـ 40,4 بالمئة من الاصوات (243,153 صوتا) ورومني 27,8 بالمئة، وحل في المركز الثالث المرشح ريك سانتوروم بنسبة 17 بالمئة، فيما حل المرشح رون بول في المركز الرابع بنسبة 13 بالمئة. البارز ايضاً كان الغزل المتبادل في الخطاب بين غينغريتش وسانتوروم مع أن الأخير لا يزال يرفض الانسحاب من السباق.
وأكد غينغريتش انه سيكون في الانتخابات العامة خيار “الرواتب” بالنسبة للأميركيين مقابل الرئيس باراك اوباما خيار “قسائم الغذاء”، ويرى الكثيرون في ترداده لهذه العبارة، تلميحاً الى اعتماد بعض الأفارقة الاميركيين على الحكومة الفدرالية لتقديم هذه القسائم. وأكد غينغريتش انه لن يقبل بسلوك “طريق الأفكار الراديكالية لأوباما” والتي تؤدي الى “بيروقراطية علمانية اشتراكية على الطريقة الاوروبية”، وأضاف “اذا تمت اعادة انتخاب اوباما بعد هذه الكارثة، تصوروا كم سيكون راديكالياً في الولاية الثانية”.
وتعتبر ولاية ساوث كارولاينا التي يصل فيها معدل البطالة الى 10 بالمئة، من الولايات الحمراء، المحسوبة على الجمهوريين، كما أنها أول ولاية جنوبية تقترع في السباق التمهيدي للجمهوريين، وتدل بذلك نتائجها أن قواعد الحزب المحافظة ستصطف خلف غينغريتش لمنع فوز رومني.
أما الموارد التي خصّصت لتمويل الحملات الدعائية في ساوث كارولاينا فقد وصلت الى 12 مليون دولار، اي معدل 75 بالمئة من مجمل الانفاق الانتخابي في الولاية. اكثرية هذه الاموال أتت من اللجان السياسية المقربة من الحملات الانتخابية، والشرط هو عدم وجود تنسيق ملموس بين اللجنة السياسية والحملة الانتخابية، وطبعاً هذا التنسيق موجود، لكن لا يمكن تثبيته قانوناً.
وبعد نكسة ساوث كارولاينا والأسبوع الأسوأ في مسار حملته، رضخ رومني للضغوط السياسية وكشف عن حسابه الضريبي للعام 2010، وكذلك تقديراته الضرائبية للعام 2011، وتبين أن دخله السنوي يبلغ 20 مليون دولار سنويا وانه يدفع ضرائب تقل عن تلك التي يدفعها العديد من الاميركيين، وذلك في احدث تطور في السباق المحتدم على الرئاسة في العام 2012.
ويرجح ان تتسبب هذ الارقام في احداث صدمة بين الاميركيين الذين يتركز اهتمامهم على “الحرب بين الطبقات” وتزايد تفاوت الدخل بين الاغنياء والفقراء والذي ادى في الاشهر الاخيرة الى انطلاق احتجاجات “احتلوا” في العديد من المدن الاميركية.
واظهرت تلك الارقام ان دخل رومني، رجل الاعمال الطائل الثراء، بلغ 21,7 مليون دولار خلال العام 2010 من عائدات الاستثمارات، و20,9 مليون دولار في العام 2011، ولكنه لم يدفع سوى نحو 3 ملايين دولار كضرائب خلال العام 2010، أو نسبة 13,9 بالمئة من دخله وهو ما يقل كثيرا عن ما يدفعه الكثير من الاميركيين.
وتصل نسبة ما يدفعه الاميركيين العاملين برواتب نحو 35 بالمئة من دخلهم كضرائب فدرالية.
وقبيل الانتخابات التمهيدية الرئيسية التي ستجري في فلوريدا في 31 كانون الثاني (يناير)، وافق رومني اخيرا على الكشف عن دخله بعد ان نادى المنتقدون الديمقرواطيون والمنافسون الجمهوريون بالكشف عن الثروة الهائلة التي حصل عليها من استثماراته.
ويُتهم رومني بنهب الشركات وتدمير الوظائف خلال عمله لمدة 15 عاما في شركة “بين كابيتال” للاستثمار.
واظهر استطلاع نشرته مؤسسة “ببليك بوليسي” للاستطلاع تقدم غينغريتش بخمس نقاط مئوية متفوقا على رومني في ولاية فلوريدا الحاسمة في الانتخابات حيث بلغت النسبة 38 بالمئة مقابل 33 بالمئة، في تراجع عن التفوق الذي أحرزه رومني في استطلاع اجري في نفس الولايات الاسبوع الماضي.
وفيما يستخدم غينغريتش خطاباً شعبوياً يطرح نفسه فيه بأنه مدافع عن أميركا، يدافع ورومني عن فكرة الرأسمالية الأميركية رافضاً الاعتذار عن ثروته التي راكمها. رومني ردّ على غينغرينتش بدون تسميته “عندما يهاجم خصومي نجاحي والمشاريع الحرة أنهم لا يهاجمونني فقط، إنهم يهاجمون كل شخص يحلم بمستقبل افضل”. رومني، في خطاب لم يكن على مستوى النكسة التي تعرّض لها، اتهم غينغريتش بأنه يستخدم “اسلحة اليسار” وان “الحزب الجمهوري لا يشيطن الازدهار، نحن نحتفل بالنجاح في حزبنا”. ولمّح رومني الى ان الانتخابات التمهيدية “طويلة” أي أن الافضلية ستكون له على المدى الطويل من ناحية التنظيم والتمويل. ليس معروفاً بعد مدى تأثير فوز غينغريتش على وضعيته في استطلاعات الرأي على المستوى الوطني حيث لا يزال رومني يتقدّم عليه بفارق ثماني نقاط وبفارق 18 نقطة في فلوريدا.
وبذلك يكون رومني بحاجة الى انتصار بارز في فلوريدا في 31 كانون الثاني الحالي ليعيد الحيوية الى حملته، فهو خسر في ايوا لمصلحة سانتوروم وخسر في ساوث كارولاينا الجنوبية وفوزه في نيوهامشير كان هامشياً باعتبار ان هذه الولاية مقره الصيفي و”الحديقة الخلفية” لولاية ماساشوستس الذي كان حاكمها بين العامين 2003 و 2007.
وأمام هذا الواقع، يتفاقم القلق الجمهوري من أن تتحوّل المنافسة بين رومني وغينغريتش الى معركة شخصية تستنزف الحزب قبل الانتخابات العامة، كما هناك قلق من صعود غينغريتش الطارئ ومدى تأثيره على ما كان قبل أسابيع “حتمية” فوز رومني في الانتخابات التمهيدية في وقت يبقى فيه غينغريتش شخصية غير مقبولة بين القيادات التقليدية الجمهورية نظراً لمسيرته كرئيس مجلس النواب في واشنطن خلال اواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات.
نبذة عن غينغريتش
نيوت غرينغريتش، هو سياسي جمهوري محافظ، ومؤيد شرس لإسرائيل، وغينغريتش (68 سنة) ابن أم مراهقة سرعان مع انفصلت عن والده بالطلاق ليتبناه أب عسكري جعله يمضى شبابه متنقلا بين عدة دول من بينها فرنسا والمانيا. ومنذ صباه الباكر اختار نيوت غينغريتش مستقبله وهو العمل السياسي وذلك بعد ان زار مدينة فردان الفرنسية وهو في الـ15 من العمر. ويعد انخراطه في عالم السياسة، وفي ثالث محاولة له انتخب نائبا عن جورجيا (جنوب) عام 1979. واعيد انتخابه ست مرات ليتولى رئاسة مجلس النواب من 1995 الى 1999 قبل ان يستقيل تحت وطأة الانتقادات. الا انه لم يترك أبدا المجال السياسي حيث انشأ وترأس العديد من مراكز الابحاث السياسية، كما عمل مستشارا براتب مرتفع لدى عملاق التمويل العقاري “فريدي ماك” الذي تاثر بشدة بازمة 2008.
ويبدو نيوت غينغريتش، الذي درس التاريخ، مرتاحاً في تصرفاته وفي خطابه الذي يتلاعب فيه ببراعة بالكلمات مستخدما الشعر في التعبير عن افكاره وفي ايجاد الردود المفحمة ولا يهاب الخوض في جدال مع منافسيه.
يحمل غينغريتش، الذي الف أكثر من 20 كتابا، الافكار السياسية لمحافظ جنوبي مستوحيا اراء رونالد ريغان. وهو يندد بجراة بوسائل الاعلام وبـ”نخب نيويورك وواشنطن” متفاخرا بقدرته على إخافة المؤسسة الحاكمة.
Leave a Reply