أثبت النظام السوري بأنه لايزال يشكل مصلحة استراتيجية فائقة الأهمية بالنسبة لروسيا، وأكدت روسيا هذه العلاقة من خلال اسقاطها لكل القرارات الدولية بحق سوريا التي يسعى لها الغرب والعرب على حد سواء، والتي تهدف إلى تقويض النظام ومحاصرته ومن ثم إسقاطه. ولم تنفع التطمينات الغربية والعربية لروسيا بشأن مصالحها في البحر المتوسط، لاسيما تلك التي تبعث على السخرية الصادرة عن رئيس المجلس الوطني السوري برهان غليون. وعليه فقد بدأ النظام السوري الحسم العسكري بخطى واثقة وحثيثة تحت المظلة الروسية دون التفات الى الأصوات الأميركية والأوروبية والتركية والعربية المحذرة من مغبة “العمل العسكري الكبير”.
إلا أن “الحسم” كما يريده النظام السوري لن يشق طريقه الى النجاح ولن يحقق نتائجه المرجوة بوضع حد لأعمال العنف والقتل بشكل مطلق ونهائي، إنما سيحد من هذه الأعمال ويطوقها بشكل مؤقت، حتى تجد لها منافذ أخرى أو حتى تهدأ عاصفة الحسم، وكل ذلك على وقع الحراك العربي الغربي التركي العامل على إسقاط النظام السوري.
وفي ظل العجز الدولي الأممي عن إزاحة النظام يبقى العنف في سوريا حاجة لهذه الدول والأمم كي تغذي الاحتراب الشيعي-السني وتجعله قنبلة موقوتة قد تنفجر في أية لحظة، في منطقة يجرح ويقتل فيها المئات من أجل مباراة في لعبة كرة القدم، فكيف إذا وصل الإخوان المسلمون الى السلطة في ظل الاحتراب المذهبي. من هنا يكمل الأميركي مخططه في مصر ويعيد تجربته العراقية بشكل مقلوب مع أمل أن لا تكون النتائج مأساوية. في العراق عقدت الولايات المتحدة صفقة مع الشيعة وحملتهم إلى الحكم على أنقاض نظام صدام حسين، ولكنهم ما لبثوا أن انقبلوا عليها فخرجت من العراق خروجا مأساويا.
وفي مصر لا يجد الأميركي مانعا من تحالفه مع تنظيم “الإخوان” إذا تم ضمان المصالح الاسرائيلية، على أن تشكل مصر العصب السني في مواجهة الشيعة في كل من ايران والعراق وسوريا ولبنان. كذلك فإن تنظيم “الاخوان” لا يجد مانعا من تحالفه مع الأميركي وحتى مع الاسرائيلي حتى يثبت أقدامه في الحكم، بالرغم من فداحة الثمن الذي ستدفعه مصر إذا ما سار “الإخوان” في ركب الحرب المذهبية المتفجرة في المنطقة.
وهنا يبرز اسم لبنان كإحدى الساحات البديلة اذا نجحت سوريا في حسم أزمتها وإذا وصل الإسلاميون في مصر الى السلطة. فإذا تخطت سوريا أزمتها فإنها ستبادر فورا الى لعب دورها الاقليمي وتأكيده من البوابة اللبنانية، وستضرب النفوذ السياسي الواسع للطائفة السنية الذي اكتسبته بفعل اتفاق الطائف وبرضى سوري. ولن تحتاج سوريا وقتها الى اختلاق الذرائع التي لا تعد ولا تحصى بدءا من المؤامرة الى الخيانة الى العمالة الى الخطر القومي. واذا وصل الاخوان الى السلطة فإنهم سيسعون فورا الى احتضان سنة لبنان ودعمهم وتسليحهم، ويمكن الإشارة هنا الى قوات الفجر الإسلامية العسكرية التابعة للجماعة الاسلامية في لبنان والتي تم اعادتها الى العمل بعد طول انقطاع.
وسط هذا البركان يقف “حزب الله” أمام أكبر امتحان له منذ حرب تموز 2006، فعليه أن يتجنب الحرب المذهبية وأن يكبح جماح السوري في لبنان وأن يتصدى لحرب اسرائيلية قادمة وأن يواجه أحكام المحكمة الدولية الاتهامية بقتل رفيق الحريري وأن يحافظ على أكثرية نيابية هشة هي ضرورة ملحّة له.
انطلاقا من هذه المخاطر المحدقة بالحزب فإنه يفضل سيناريو التسوية في سوريا على الحسم الأمني الذي لن ينتهي، كذلك فإنه يفضل ويسعى لابرام اتفاق مع إخوان مصر عنوانه “أولوية العدو”.
فهل يقتدي إخوان مصر بشيعة العراق؟
Leave a Reply