قرر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اتخاذ خطوة “وقائية” تحميه من حلفائه مع اقتراب موعد بروتوكول التمديد للمحكمة الدولية وتصاعد الاشتباك السياسي على خلفية ملف التعيينات فضلا عن انزعاج على ما يبدو من الانجازات التي يسعى وزراء تكتل التغيير والإصلاح تحقيقها في الملفات المعيشية الرئيسية، ففاجأ الجميع بتعليق جلسات الحكومة “حتى اشعار اخر”؛ في موقف يصيب ما تبقى من هيبة المؤسسات بجرح عميق بعد ان باتت رهينة مزاجية سياسية.
وكان الخلاف على اقتراح تعيين رئيس الهيئة العليا للتأديب “القشة التي قصمت ظهر الحكومة”، نتيجة الخلاف بين ميقاتي ووزراء تكتل التغيير والإصلاح، من دون ان يخفى على احد ان السبب او الأسباب الرئيسية لردة فعل رئيس الوزراء متراكمة منذ فترة على الرغم من مساعي الرئيس نبيه بري الحثيثة طوال الفترة الماضية لفضّ الاشتباكات، علما ان موقف رئيس الجمهورية ووزراء النائب وليد جنبلاط كان لافتا في الجلسة الأخيرة في دعم ميقاتي ووزائه.
وعلى الرغم من مسارعة وسائل إعلام قوى الرابع عشر من آذار الى وضع خطوة ميقاتي في إطار النية للاستقالة او الاعتكاف الا ان الواقع الراهن لا يوفر لرئيس الوزراء “الوسطي” الكثير من الخيارات، فهو يدرك جيدا انه لا يستطيع الذهاب بعيدا في لعبة سياسية لا تضمن له شعبية بين الحلفاء ولا ترحيبا لدى الخصوم.
وتفيد الروايات المختلفة من مصادر طرفي النزاع الأخير في جلسة الحكومة ان ردة فعل ميقاتي ازاء رفض وزراء تكتل التغيير والإصلاح اسم شخصية مفاجئة وغير مطروحة مسبقا لمنصب رئاسة المجلس التأديبي تخطت حدود السياق الطبيعي للنقاش، حيث بدا واضحا انه كان ينتظر أدنى معارضة له ليبادر الى رفع الجلسة بناءً على قرار مسبق.
ويُسجل لوزير العمل شربل نحاس شجاعته في إبداء موقفه على الرغم من محاولة ميقاتي اخذ الامور الى مكان اخر وبالرغم من السجال الهادئ بين رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والوزير جبران باسيل، حين رد نحاس على رئيس الوزراء بالقول “لن نقبل تحويل لبنان مجدداً إلى إمارة خليجية تُدار خلافاً للقانون والدستور”.
واستهلت الحكومة الجلسة نفسها بإقرار تشكيل لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة وعضوية وزراء الداخلية والدفاع والعدل والاتصالات من أجل البحث في إمكان تعديل قانون صون الحق بسرية المخابرات (القانون 140) والمراسيم التنظيمية وإعداد آلية لعمل مركز التحكم التابع لوزارة الداخلية على أن يصار الى استكمال تجهيزه وتطويره خلال مهلة ثلاثة اشهر، في محاولة لحسم الجدل الذي دار مؤخرا حول “داتا الاتصالات” والشائعات عن محاولة اغتيال شخصيات امنية رسمية (في إشارة الى قائد فرع المعلومات وسام الحسن).
وخلال الجلسة، أعيد طرح الآلية التي كانت مقرة في زمن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، بمعزل عن القانون 140، حيث كان بمقدور أي جهاز أمني أن يوجه كتابا إما الى وزير الداخلية أو وزير الدفاع، يوقعه ثم يحيله الى رئيس الحكومة، فيبادر الى توقيعه ويحوّل الى وزارة الاتصالات من أجل تقديم الـ”داتا” كاملة، غير أن مجلس الوزراء رفض الصيغة السابقة ووضع آلية جديدة لطلب “داتا” الاتصالات بانتظار صدور اعمال اللجنة الوزارية، وتضمنت الآتي: “يقدم وزير الدفاع او وزير الداخلية طلباً خطياً ومعللاً لرئيس مجلس الوزراء للحصول على قاعدة المعلومات المتناسبة مع الحاجات الأمنية وفق الآلية المعتمدة التي نص عليها القانون. اما في حالة طلب قاعدة المعلومات الكاملة، فتتم احالة الطلب الى الهيئة القضائية المستقلة المنصوص عنها في القانون 140”.
ولئن كان ميقاتي قد اتخذ قراره بتطيير جلسات الحكومة حتى الرضوخ لمطالبه، فإن المعطيات المرتبطة بالوضع الإقليمي لا تحتمل “تسامحا” كالذي أبدته قوى “الثامن من آذار” وعلى رأسها امين عام “حزب الله” حين قام رئيس الحكومة بتمرير تمويل المحكمة من خارج الاطر القانونية. وسيكون للسيد حسن نصرالله بالتأكيد كلمة حاسمة في الموضوع الداخلي في خطابه المرتقب في ذكرى القادة الشهداء في الثالث عشر من شهر شباط الجاري.
Leave a Reply