لم تكن الصورة أوضح مما كانت عليه في الأمم المتحدة حيث رد كيد حمد بن جاسم ونبيل “العربي” إلى نحريهما وذهبت آمالهما بتخريب سوريا أدراج الرياح، وتحطمت كل المؤامرات والأكاذيب والمكائد التي حاكها بني عربان ضد سوريا، على صخرة “الفيتو” الروسي-الصيني المزدوج الذي إستخدم لأول مرة منذ وقتٍ طويلٍ في تاريخ مجلس الأمن التعيس. وكم كانت مهزلة وفضيحة بجلاجل تلك التي شهدها العالم حيث بلغ الكذب والرياء من قبل “جبانة الدول العربية” حداً تآمرياً رغم أن سوريا نفذت كل تعهداتها بقبول “بعثة المراقبين العرب” على أراضيها مع أن تحريض الجيش السوري للإنقلاب على السلطة وخرق السيادة السورية وصلا إلى مراحل خطيرة، فانسحبت الحكومة السورية من المناطق المتوترة وأطلقت المعتقلين، وذلك بناءً على نصيحة روسية من أجل تفادي تدويل الأزمة. لكن بعد أن فشل فخ “البعثة” التي وثّقت وجود “جماعات مسلحة” تعتدي على أمن البلاد والعباد وليست مجرد مجموعة سلمية تتظاهر من أجل الحرية كما تروج قناتا “التزويرة” و”العبرية”، “غط” العربي وسيده القطري على نيويورك بعد إلغاء عمل “البعثة” رغم التمديد لها شهراً كاملاً فمنعا عرض تقرير الدابي وأخذا يحرضان على النظام السوري بحمية “ونخوة” لم نعهدهما ضد دولة الكيان الغاصب!
الموقف الروسي المشرف لم يأت من العدم وليس من أجل سوريا فحسب، إنما صدر نتيجة تراكماتٍ وتجاوزاتٍ واستفزازاتٍ قام بها القطب الأوحد، أميركا، خصوصاً خلال ولاية المضروب بالحذاء دبليو، الأب الروحي لثورة “ربيع فيلتمان” في لبنان! ولعل أجمل اللحظات في الأمم المتحدة ذاك الحوار الذي دار قبل التصويت بين مندوب روسيا في مجلس الأمن فيتالي تشوركين وحمد بن جاسم الشارب لحليب السباع، حيث وجه الأخير لمندوب روسيا تحذيراً من أي “فيتو” وإلا “فستخسر روسيا كل الدول العربية”. فرد المندوب الروسي بكل هدوء “إذا عدت لتتكلم معي بهذه النبرة مرة أخرى لن يكون هناك شيء إسمه قطر بعد اليوم على الخريطة”. وأضاف تشوركين لممثل المشيخة التي “شمخت” أكثر من حجمها “انك تخاطب روسيا الإتحادية العظمى وبالتالي إلزم حجمك.. ثم أنت هنا دخيل، وأنا لا أتحدت إليك بل إلى الكبار”. لقد أكلها حمد بن جاسم علقة وبهدلة تساوي حياته! تصوروا إذا كان إبن جاسم يجرؤ على تهديد مندوب أميركا وهي تستخدم “الفيتو” لصالح اسرائيل!
هذا الموقف الروسي النبيل، رغم كل التهويل الغربي المتكالب اليوم على سوريا والذارف لدموع التماسيح على الشعب السوري لكن المتجاهل للشعب الفلسطيني وهو يسحق أمام آلة القتل الإسرائيلية، يضاهي موقف نيكيتا خروتشوف زعيم الإتحاد السوفياتي الذي ضرب بحذائه على الطاولة أثناء مناقشات مجلس الأمن الدولي في تشرين (أكتوبر)١٩٦٠. لكن ماذا لو كان خروتشوف حياً اليوم في مجلس الأمن وهو يرى “العهر السياسي” وشفقة الغرب على الشعب السوري، خصوصاً “الإخونجي” سمير جعجع، وصاحب القلب الكبير الثمل ساركوزي الذي قتلت بلاده مليوني مجاهد جزائري فقط ثم يدين المجزرة التركية ضد الأرمن (لا الأكراد)، أو المستشارة الألمانية ميركل التي كان يهمها أمن اسرئيل أولاً بعد حربها المجنونة ضد لبنان في ٢٠٠٦؟ ماذا كان سيفعل خروتشوف لو علم أنه لو وقعت الحرب الآن بين سوريا وإسرائيل لنسي الغرب بقضه وقضيضه، برهان غليون و”مجلس الآستانة” و”مجازر” المدنيين في سوريا وألتفوا حول “الشعب الإسرائيلي” المضطهد؟! بل ماذا كان سيقول خروتشوف عن رايس مندوب الولايات المتحدة في مجلس الأمن التي شعرت “بالتقظظ” من “الفيتو” الروسي-الصيني، بينما استخدمت أميركا حق النقض لحماية إسرائيل ومنع ادانتها على المجازر الوحشية التي ارتكبتها عبر تاريخها الأسود، حوالي٢٠٠ مرة وجعلت من إسرائيل إستثناءً دولياً لا تطبق عليه القرارات الدولية؟ لقد أبلى مندوب سوريا، الدبلوماسي الشاطر، بشار الجعفري في تبيان نفاق بعض العرب اللاهثين الذين يستشرسون على سوريا بكل هذا الحقد والكراهية والعقد النفسية وعلى سوريا بعد اليوم أن لا تقيم وزناً لجامعة “خربانة”!
لقد تلقى ما تبقى من النظام العربي الرسمي البائد صفعةً كبيرةً تلو الصفعة، سبحان الله، تماماً كما ينص المثل العربي القديم “من حفر حفرةً لأخيه وقع فيها”. لكن هؤلاء العرب ليسوا أخوة أبداً بل أشد الأعداء والتاريخ لن يرحمهم لأنهم يستعينوا بالغريب على بلدٍ عربي ويضعون الشروط ثم يخالفونها وهدفهم أصبح أوضح من عين الشمس، التخلص من النظام الذي يقلق إسرائيل ويتحالف مع قوى الممانعة. فبعثة المراقبين العرب جاءت لكي تسدي خدمةً كبيرة للنظام بعد كشف حقيقة الجماعات المسلحة، ثم أن نقل “المسألة السورية” إلى مجلس الأمن من أجل تدويلها أدى إلى فرز فعلي بين القوى ودشن رسمياً عودة الحرب الباردة مما يعني أن إستخدام مجلس الأمن المتآمر لشرعنة التدخل العسكري وتغيير النظام وتنحي الرئيس بشار الأسد أصبح ضرباً من الخيال. الأمم المتحدة أصلاً لم تكن إلى جانب الشعوب المناضلة وتاريخها يشهد على ذلك، حيث أضحت أداةً طيعة بيد الغرب وأميركا وحظاً سعيداً لنبيل العربي “بتاع كامب ديفيد” وحمد بن جاسم في الحصول على عدالة من مجلس الأمن الإسرائيلي وليتعظ حكام الردة العرب من المدعو أمين عام الأمم المتحدة الأبله، بان كي مون، الذي إستقبل بالصرامي في غزة لأنه رفض أن يلتقي بعوائل الأسرى الفلسطينيين في أقبية اسرائيل بينما إستقبل بالترحاب عائلة الأسير الصهيوني المطلق سراحه جلعاد شاليط!
حتى دولاب اليانصيب اليومي البشري وليد جنبلاط حزن للفيتو الروسي-الصيني الذي “كأنه يدعو إلى مجزرة جديدة”! إن المجزرة الفعلية هي المجزرة الأخلاقية التي يمثلها هذا الميكيافيليّ الذي هو أكبر ناكر للجميل في العالم. إن حذاء خروتشوف وأحذية كل العالم قليلةٌ على هكذا مجلس أمن وعلى ممتعضين من “الفيتو المجيد”، وعلى المحكمة الإسرائيلية وكل الخونة من بائعي المواقف الذين ستلفظهم حركة الشعوب مهما آل الزمن.!
Leave a Reply