العالم ينقسم حيال الأزمة السورية.. والاحتمالات مفتوحة!
عواصم – قضى الفيتو الروسي-الصيني المزدوج، يوم السبت الماضي، على آمال وطموحات المحور الغربي- العربي-التركي المناوئ لنظام دمشق بتدويل الأزمة السورية من بوابة “الشرعية الدولية”, لكن ذلك لم يمنع هذا المحور من البحث سريعاً عن طرق أخرى للتضييق على النظام بهدف إسقاطه، حيث تدور في أوساطه ثلاثة خيارات: إما مزيد من الضغط على روسيا، أو إنشاء تجمع “أصدقاء سوريا”، أو تسليح المعارضة بشكل علني ودفعها الى مزيد من التصعيد، وقد يكون التفجيران الإرهابيان اللذان استهدفا فرع الأمن العسكري ومقر كتيبة لحفظ النظام في حلب صباح الجمعة (مع صدور هذا العدد) إحدى الترجمات الفعلية السريعة للتوجه الأخير.
وأمام الوضع السوري المتأزم تتزامن الجهود الديبلوماسية، الموالية كما المناوئة، مع حملة عسكرية يشنها الجيش العربي السوري على بؤر المسلحين في البلاد لاسيما في مدينة حمص، من غير أن يقودا معاً، أو أحدهما، إلى انفراج في الحرب الدائرة بين نظام الرئيس بشّار الأسد ومعارضيه، بشقّيهم السلمي والمسلح. في ظلّ عالم منقسم نصفين حيالها، لتصبح المسألة السورية بذلك أزمة دولية مفتوحة.
من جهتها، تتمسك موسكو، التي تتعرض لضغوط قوية جدا من العواصم الغربية، بموقفها من الأزمة السورية، محذرة من التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا، أو من “أي تحرك أُحادي” في مجلس الأمن الدولي أو خارجه. وكررت رفضها الخطة العربية التي تنص على تنحي الرئيس السوري بشار الأسد، وضرورة تشجيع السوريين من خلال الضغط على المعارضة، لإجراء حوار في ما بينهم للخروج من الأزمة.
وراء “العند” الروسي كان هناك معلومات تلقّاها الجانب الروسي تفيد بأن أي قرار يصدر عن المجلس ويزكّي خطة الجامعة العربية، سيستتبع بخطوات عسكرية على الأرض ستأتي سريعاً تحت الغطاء الدولي. موسكو وبكين تعلمان تفصيلاً حجم الدعم المالي واللوجستي الذي تقدمه الدول الغربية والخليجية للمجموعات المسلحة التي تفجّر الأوضاع في المدن السورية، وتوسّع الهوة بين الحكومة والمعارضة المدنية المطالبة بحقوقها الشرعية. تلك الجماعات التي تعمل عبر الحدود من لبنان وتركيا والعراق والأردن. بل إن موسكو تحديداً كانت تنقل إلى دمشق تفاصيل عن حجم الموضوع وليس العكس. ومن تلك التفاصيل خطة عربية-غربية لتوسيع التدخل العسكري في سوريا كجزء من مشروع دفاعي عن دول الخليج العربية التي تواجه خطر الحرب على تخومها أو على أراضيها في حال تقرر خوض المواجهة مع إيران. واعتبرت الخطة إسقاط سوريا العاجل من ضمن الأولويات، كمرحلة استباقية لتقليص الخسائر وضمان النصر في أي مواجهة إقليمية مقبلة تعيد رسم خريطة المنطقة على أسس جديدة تستبعد منها موسكو وبكين وطهران. الخطة بحثت في اجتماع سرّي على انفراد عقد في بروكسل بين عبد اللطيف الزياني، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، والأمين العام لمنظمة حلف شمالي الأطلسي أندرس فوغ راسموسين في 29 كانون الثاني (يناير) الماضي، حسب صحيفة “الأخبار” اللبنانية.
في هذا الوقت، أعلن البيت الأبيض الاميركي أن واشنطن تأمل عقد اجتماع مع “الشركاء الدوليين” قريبا للاتفاق على الخطوات المقبلة لـ”وقف قتل المدنيين في سوريا” وسيتضمن ذلك على الأرجح تقديم “مساعدات إنسانية” دون أن تستبعد مصادر أخرى إمكانية رفع تسليح المعارضة ودفعها الى حرب استنزاف مع النظام حسب صحيفة “دايلي تلغراف” البريطانية.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني إن اجتماع “أصدقاء سوريا” قد يعقد في القريب العاجل. وكشف وزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلو، قبيل سفره الى واشنطن، ان أنقرة تعمل على تنظيم مؤتمر دولي بمشاركة أطراف إقليمية ودولية حول الأزمة السورية “في أقرب وقت ممكن”.
ومن جهته، قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، خلال لقائه مفتي سوريا أحمد بدر حسون على هامش المؤتمر الـ25 للوحدة الإسلامية في طهران، إن “إيران ستبقى حكومة وشعبا مع سوريا في كل مواقفها التي تبنى بها سوريا المتجددة”.
وشدد الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف، في مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي عاد لرفع التوتر مع دمشق، على “ضرورة الاستمرار في البحث، بما في ذلك في مجلس الأمن الدولي، عن سبل منسقة لمساعدة السوريين على ضبط الأزمة بأنفسهم”، مؤكدا أن ذلك يجب ان يحدث “من دون تدخل خارجي، وباحترام تام لسيادة سوريا”.
وقال الكرملين في بيان آخر إن ميدفيديف دعا، في اتصال هاتفي تلقاه من نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي، إلى تجنب اتخاذ “تدابير أُحادية متسرعة” لحل الأزمة في سوريا، وخصوصا في مجلس الأمن.
وبناء على طلب ساركوزي الذي بادر إلى الاتصال بميدفيديف، أطلعه الرئيس الروسي على نتيجة محادثات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأسد.
وقال رئيس الحكومة الروسية فلاديمير بوتين، خلال لقائه ممثلي الطوائف في موسكو، “بطبيعة الحال ندين أي عنف مهما كان مصدره. ولكن لا يجوز لأحد أن يتصرف وكأنه فيل في دكان لبيع الأواني الخزفية، بل يجب ترك الناس يقررون مصيرهم بأنفسهم”.
الفيتو المزدوج
على وقع حملة إعلامية شنتها قنوات عربية تبث أخباراً، تم نفيها من قبل دمشق، عن وقوع مجزرة في حمص يوم السبت الماضي، استخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار طرحته دول غربية وعربية، فيما صوتت الدول الأخرى الـ13 في مجلس الأمن لصالح مشروع القرار الذي يدعم “بشكل كامل خطة الجامعة العربية” لتسوية الأزمة في سوريا.
ورغم أن مشروع القرار لا يطالب مجلس الأمن صراحة بتنحي الرئيس الأسد لكنه “يدعم في شكل كامل قرار الجامعة العربية الصادر في 22 كانون الثاني بتسهيل عملية انتقال سياسي يتولاها السوريون أنفسهم”. وكانت موسكو شكت من أن “المبادرة العربية” تحتوي على الكثير من التفاصيل التي يمكن أن تحدد مسبقا نتيجة أي حوار للتسوية بين الحكومة ومعارضيها.
وندد مندوبو الدول الأعضاء في مجلس الأمن بالفيتو الصيني والروسي. وقالت المندوبة الأميركية سوزان رايس إن واشنطن “مشمئزة من هذا الفيتو الذي يمنعنا من معالجة أزمة تزداد خطورة في سوريا”. واتهمت رايس الصين وروسيا “بالتخلي عن الشعب السوري وحماية طاغية”، مؤكدة “أنهما سيتحملان مسؤولية أي إراقة دماء جديدة”. وأدان مندوب فرنسا جيرار آرو “الفيتو المزدوج”، معتبرا انه “يوم حزين لهذا المجلس، للسوريين ولاصدقاء الديموقراطية”، فيما اعتبر نظيره الألماني بيتر فيتيغ ان المجلس “تخلف مرة جديدة عن مسؤولياته وتخلى مرة جديدة عن الشعب السوري”. واعرب مندوب بريطانيا مارك ليال غرانت عن “صدمته”.
ودافع مندوب روسيا فيتالي تشوركين عن فيتو بلاده. وقال إن النص “يدعو إلى تغيير النظام، مشجعا المعارضة على السعي للسيطرة على السلطة” ويوجه “رسالة غير متوازنة إلى الطرفين”، النظام والمعارضة، مؤكدا انه “لم يكن يعكس واقع الوضع في سوريا”.
وقال مندوب الصين لي باودونغ ان القرار لم يكن ليساعد على فتح حوار سياسي في سوريا، مشيرا الى ان بكين كانت “موافقة على التعديلات” التي طرحها الروس. وأضاف ان “الضغط لاجراء عملية تصويت في وقت لا تزال هناك خلافات كبرى بين الاطراف حول المسألة لن يساهم في الحفاظ على وحدة مجلس الامن ونفوذه، ولن يساعد في ايجاد حل” للازمة.
وفي الجلسة تحدث مندوب سوريا بشار الجعفري لمدة 25 دقيقة، وسأل مندوبة الولايات المتحدة إن كان ذلك الاشمئزاز من الفيتو ينسحب على الستين فيتو التي استخدمتها بلادها لمنع التسوية الشاملة والعادلة للصراع العربي-الإسرائيلي. وانتقد مندوب سوريا مشروع القرار ورعاته، معتبرا ان الدول التي تحرم النساء من حضور مباراة لكرة القدم ليس لها الحق في الترويج للديموقراطية في سوريا. ونفى ان تكون قوات سورية قصفت حمص، ما ادى الى مقتل واصابة المئات. وقال ان “اي شخص عاقل لن يشن مثل هذا الهجوم في الليل قبل استعداد مجلس الامن لبحث مشروع قرار يخص بلاده”.
وعرضت قنوات عربية مشاهد لما قالت انها ضحايا القصف في حي الخالدية في حمص، تظهر جثث قتلى داخل منازلهم قضوا في القصف الذي تشنه القوات السورية على المدينة. ولكن مصادر إعلامية متنوعة أكدت أن الجثث التي عرضتها القنوات المناوئة للنظام السوري هي لمواطنين اختطفتهم المجموعات الإرهابية المسلحة وقتلتهم وصورتهم على أنهم جثث لضحايا القصف وقد تم التثبت من أن الضحايا كانوا مكبلي الأيدي ولا دليل على أنهم انتشلوا من تحت الركام.
زيارة لافروف-فرادكوف
وبعد “ليلة الفيتو المزدوج” انفتح الصراع على سوريا على مصراعيه، حيث أعلنت موسكو عن توجه وزير خارجيتها سيرغي لافروف يرافقه رئيس الاستخبارات ميخائيل فرادكوف، حيث عمل الثاني على طلب إعادة تفعيل اتفاق روسي-سوري سابق لاستئناف محطة التنصت الروسية في دمشق عملها في منطقة القوس التركي الأسيوي. ويأتي المسعى الروسي رداً على نشر حلف شمال الأطلسي (الناتو) درعه الصاروخي في تركيا، وهو ما اعتبر تهديداً أطلسياً مزدوجاً لروسيا وإيران، رد عليه الإيرانيون بالتهديد بقصف المواقع الجديدة، فيما اعتبره الروس تجديداً للحرب الباردة لروسيا من الجناح الجنوبي للأطلسي.
وشجع لافروف في زيارته، التي لاقت حفاوة شعبية واسعة، القيادة السورية مجددا نحو تسريع الإصلاحات، متحدثا عن توجه الأسد نحو إعلان موعد للاستفتاء الدستوري ولاحقا الانتخابات النيابية. وقال ان الطرفين اتفقا على ضرورة استمرار عمل بعثة المراقبين وزيادة عددها، إلا أن الجامعة العربية أبلغت المراقبين المقيمين في دمشق بقرار سحبهم بعد ساعات على مغادرة لافروف.
ورفض وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مؤتمر صحافي بعد محادثات مع نظيرته الباكستانية هنا رباني خار في موسكو، الرد على سؤال عما إذا كان بحث مع الأسد احتمال تنحيه من السلطة.
وأكد لافروف من جديد تأييد روسيا لمبادرة جامعة الدول العربية الأولى التي طرحت في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي والتي اقترحت انسحاب القوات من المدن والبلدات وإطلاق سراح السجناء والبدء في تنفيذ إصلاحات.
ودافع لافروف عن الفيتو الروسي، معتبرا أن موسكو إنما حالت بذلك دون تمكن المجموعات المسلحة المعارضة من السيطرة على المزيد من المدن. وقال “لقد فوتنا فرصة للسماح للمجموعات المسلحة التي تحارب القوات الحكومية بالسيطرة على المزيد من المدن والقرى”. وأضاف “نعم لقد فوتنا تلك الفرصة. وإذا كان ذلك هدف معدي مشروع القرار فكان لا بد أن يقولوا مباشرة إننا نريد أن تسيطر المجموعات المسلحة على المدن في سوريا”.
وتقول مصادر عربية إن الخبراء الروس بدأوا بالعودة بقوة إلى الأجهزة السورية التي ساهموا في بنائها وتدريب ضباطها في الماضي، ويشرفون على إعادة تأهيل بعضها، في ظل الحديث عن رغبة النظام السوري بالاستفادة من نافذة مفتوحة ودعم روسي واضح كي يحاول استعادة المناطق التي أنكفأ عنها في الأشهر الماضية، لا سيما في أرياف المدن التي تجنب فيها مواجهات واسعة، والمبادرة إلى تصعيد الحسم ضد المعارضة مستفيداً من تقارير مراقبي الجامعة العربية التي أكدت تسلح وعسكرة في الحراك الشعبي، لا سيما مع توسع “الجيش السوري الحر”.
في المقابل اعلنت واشنطن انها تقترب خطوة اضافية نحو التدخل المباشر في الازمة السورية تحت عنوان “تقديم مسـاعدات إنسانية للشعب السوري”. وقال رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان “سـنطلق مبادرة جديدة مع الدول التي تقف إلى جانب الشعب وليس الحكومـة السـورية. نحن نعد ذلك”، من دون أن يوضح طبيـعة هـذه المبادرة، وما اذا كانت تأتي في اطار القرار الاميركي الفرنسي تشكيل ما يسمى مجموعة “اصدقاء الشعب السوري”، التي يبدو انها تستعيد السيناريو الليبي.
واعلن البيت الابيض، ردا على حض السناتور الجمهوري جون ماكين واشنطن على درس فكرة تسليح المعارضة السورية، إن الولايات المتحدة تدرس تقديم مساعدات إنسانية للشعب السوري. وسئل المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني عن احتمال تسليح المعارضة السورية بناء على اقتراح عدد من النواب الأميركيين، فقال “لا ندرس هذا الخيار حاليا”. واضاف، غداة اغلاق السفارة الاميركية في دمشق، “ندرس امكان تقديم مساعدة انسانية الى السوريين ونعمل مع شركائنا لزيادة الضغط وزيادة عزلة الاسد ونظامه”.
ومن ناحيتها، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند ان “ما يمكن ان نقوم به ليس حتمياً”. واستبعدت ايضا تقديم اية مساعدة عسكرية للمعارضة. وقالت “لا نعتقد انه الحل الجيد لادخال المزيد من الاسلحة الى سوريا”.
وكان “المجلس الوطني السوري” و”الجيش السوري الحر”، دعوَا في بيان مشترك، “رجال الأعمال السوريين والعرب إلى المساهمة في تمويل عمليات الدفاع عن النفس وحماية المناطق المدنية”.
“الخليجي” يطرد سفراء سوريا ويسحب سفراءه
وفي سياق مواصلتها الحملة على النظام السوري أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي، الثلاثاء الماضي، أنها قررت طرد سفراء سوريا لديها وسحب سفرائها من دمشق، احتجاجا على تصاعد الحملات العسكرية والأمنية التي يشنها النظام على معارضيه، بينما تحدثت أوساط معارضة سورية عن اعتراف خليجي وعربي مرتقب بـ”المجلس الوطني السوري” الذي بدوره يعاني من أزمات داخلية بدأت تخرج الى العلن بوضوح. وحث البيان وزراء الخارجية العرب على اتخاذ كافة الإجراءات الحاسمة في اجتماعهم يوم الأحد المقبل بالقاهرة، ردا على ما وصفه بالتصعيد الخطير ضد الشعب السوري.
كما هاجمت بعض المجموعات ذات التوجهات الإسلامية مقرات السفارات السورية في عدة دول عربية مباشرة بعد “الفيتو المزدوج”، الأمر الذي قُرأ على أنه جاء نتيجة التخبط العربي في مواجهة تطورات الأزمة السورية.
وكانت تونس قد حذت حذو الخليجي وقررت طرد السفير السوري، الأمر الذي أثار شجب معظم الأحزاب والقوى الشعبية في البلاد بمن فيهم الاتحاد التونسي للشغل الذي يعتبر من أهم محركي الثورة التونسية.
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت أنها أغلقت سفارتها في دمشق، في ظل مخاوف على سلامة الطاقم الدبلوماسي الذي تم سحبه بالكامل. وحذت دول أوروبية بينها فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا حذو الولايات المتحدة باستدعاء سفرائها من دمشق للتشاور. وبررت هذه الدول استدعاء سفرائها بتصاعد وتيرة قمع المحتجين في سوريا.
Leave a Reply