كارسون، دنفر – شهدت الجولات الأربع من الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب الجمهوري لخوض انتخابات الرئاسة الأميركية، والتي شملت ولايات نيفادا وكولورادو وميزوري ومينيسوتا، تقلبات لافتة في صفوف الناخبين الجمهوريين كان أبرز ضحاياه المرشح نيوت غينغريتش الذي يبدو أن يمين الحزب الرافض لتأييد ميت رومني سيتخلى عنه لصالح المرشح ريك سانتوروم.
وفي أولى جولات الأسبوع الماضي حقق رومني فوزا كبيرا في نيفادا، كاد أن يثبته بموقعه كالمرشح الأوفر حظا لمنافسة الرئيس باراك أوباما في تشرين الثاني (نوفمبر) القادم، لكن العودة المفاجئة لسانتوروم في ثلاث ولايات كشفت بوضوح حجم الانشقاقات في الحزب الجمهوري قبل تسعة اشهر من الانتخابات الرئاسية حيث لا يزال جناح اليمين المحافظ يرفض تقديم دعمه لرومني رغم انه يعتبر الاكثر قدرة على إلحاق الهزيمة بأوباما. وبدوره، غينغريتش الذي حل في المرتبة الثانية في نيفادا، أكد أنه سيواصل المعركة حتى الفوز بترشيح الجمهوريين الذي سيعلن رسميا في آب (أغسطس) المقبل في فلوريدا.
ففي نيفادا، وبعد فوزه بالانتخابات الحزبية في هذه الولاية الغربية، حاول رومني أن يوجه معركته الانتخابية ضد أوباما مباشرة حيث قال إن “السياسات الخاطئة للرئيس أطالت أمد الأوقات الصعبة التي نعيشها”. وأضاف “سيدي الرئيس.. نيفادا نفد صبرها من مساعدتكم.. سيدي الرئيس الولايات المتحدة أيضا نفد صبرها”. وأكد رومني بحضور زوجته وأولاده أن “الولايات المتحدة تحتاج إلى رئيس قادر على انعاش الاقتصاد لأنه يفهم الاقتصاد. أنا أفهم الاقتصاد وسأفعل ذلك”. وحقق رومني في نيفادا ثالث فوز له على خصمه نيوت غينغريتش، بعد نيوهامشر وفلوريدا. وكان فوزه المريح هذا متوقعا في ولاية تضم عددا كبيرا من المورمون، الطائفة التي ينتمي اليها رومني، الذي فاز في العام 2008 في هذه الولاية قبل أن ينتصر عليه جون ماكين في نهاية المطاف. ونفى غينغريتش الذي يواجه حملة رومني المتقنة والممولة بسخاء، الشائعات التي تحدثت عن احتمال انسحابه من السباق للفوز بترشيح الجمهوريين للانتخابات الرئاسية، واتهم رومني بالوقوف وراء إطلاقها.
وقال غينغريتش في مؤتمر صحفي بعد نشر أولى النتائج في نيفادا “أنا مرشح للرئاسة في الولايات المتحدة. سأواصل الحملة حتى تامبا”، في إشارة إلى مؤتمر الحزب الجمهوري الذي سيعقد في 27 آب المقبل.. وأضاف “ننوي ان نكون حاضرين في كل ولاية في البلاد، واعتقد انه يمكنكم الاعتماد علينا”.
عودة سانتوروم على حساب غينغريتش تكبح رومني
من ناحيته، حقق سانتورم فوزا غير متوقع فى الانتخابات التمهيدية بحصوله على ترشيح مجالس الناخبين في ولايات كولورادو وميزوري ومينيسوتا. فقد حصل سانتورم في ولاية كولورادو على 40,2 بالمئة من الأصوات، متقدما على ميت رومني (34,9 بالمئة) ونيوت غينغريتش (12,8 بالمئة) ورون بول (11,7 بالمئة)، بحسب الحزب الجمهوري في الولاية. كما فاز سانتورم بترشيح مجالس الناخبين في ولاية مينيسوتا (شمال) وفي الانتخابات التمهيدية الرمزية في ولاية ميزوري (وسط).
وقال سانتورم أمام أنصاره بعد فوزه في ولايتي ميزوري ومينيسوتا “لست هنا لأقول إنني بديل محافظ لميت رومني ولكنني بديل محافظ لباراك أوباما”.
وقد أثار الفوز، الذي حققه سانتورم، شكوكا جديدة بشأن قدرة رومني على جذب القاعدة المحافظة فى الحزب الجمهوري، علاوة على أن هذا الفوز يقدم سانتورم بديلا لنيوت غينغريتش كمرشح لحركة “حفلة الشاي”.
وقبل انتخابات الثلاثاء الماضي، كان رومني، حاكم ماساتشوستس السابق، المرشح الأبرز للحزب الجمهوري بعد فوزه فى ولايتي فلورايدا ونيفادا على التوالي.
يشار إلى أن غينغريتش لم يشارك فى انتخابات ميزوري لكنه جاء فى المركز الرابع في مينيسوتا والثالث في كولورادو في حين احتل عضو الكونغرس رون بول المركز الثاني في مينيسوتا والرابع في كولورادو.
يذكر أن الجولة القادمة ستكون في ولاية ماين في ١١ شباط (فبراير) الجاري على أن تشمل الجولة اللاحقة (٢٨ الجاري) ولايتي ميشيغن وأريزونا. ولغاية الآن حصد سانتوروم أربع ولايات (آيوا، كولورادو، ميزوري، مينيسوتا) وحصد رومني ثلاث ولايات (نيوهامبشير، فلوريدا، نيفادا) أما غينغريتش ففاز في ولاية واحدة (ساوث كارولاينا). في حين أن المرشح رون بول حصد نتائج جيدة وغير متوقعة في معظم الولايات، خاصة وأن هناك ما يشبه الحصار الإعلامي لحملته بسبب رفعه لشعارات “غير منطقية”، بحسب الإعلاميين الأميركيين، تدعو الى إغلاق مجلس الاحتياطي الفدرالي ووقف الدعم لإسرائيل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
رومني.. وإقناع يمين حزبه
يواصل ميت رومني تعزيز موقعه كمرشح مرجح لتمثيل الحزب الجمهوري في السباق الى البيت الابيض بالرغم من شكوك المحافظين في قدرته على الدفاع عن القيم التقليدية للحزب. وعدم قدرة رومني على استمالة القاعدة المحافظة في الحزب تبينت من خلال نسبة المشاركة الخفيفة في المجالس الناخبة والانتخابات التمهيدية ما قد يؤدي في نهاية المطاف الى تعزيز مواقع اوباما بالفوز بولاية ثانية اذا استمر الانقسام حتى انتخابات تشرين الثاني.
لكن رومني يدافع عن نفسه موضحا ان ما يناسب ولاية معينة لا ينطبق بالضرورة على مجمل البلاد، وان اول قرار يتخذه في حال وصوله الى سدة الرئاسة سيكون الغاء اصلاحات أوباما. ويعتبر وصفه بالمعتدل عائقا امامه في حملة جمهورية تجنح الى اليمين. كما ان ايمانه المورموني لا يقنع المسيحيين الانجيليين الذين يشكلون شريحة كبيرة من الناخبين المحافظين.
ويتمتع رومني بمظهر جذاب بقامته الطويلة وقسماته المتناسقة وشعره الاشيب عند الصدغين، الا انه غالبا ما يواجه انتقادات لافتقاره الى العفوية في الكلام ما يجعله يظهر وكأنه يردد درساً حين يتكلم الى الناخبين. وقد اطلق آلة انتخابية قوية تملك احتياطيا وافرا من الاموال وهو يتسلح بنجاحه كرجل أعمال بقي مساره المهني بعيدا عن أروقة السلطة في واشنطن التي يمقتها الناخبون الجمهوريون. وتؤكد سيرته الرسمية انه لم يمتهن السياسة وقضى القسم الاكبر من حياته في القطاع الخاص، ما أكسبه معرفة وافية لمفاصل عمل الاقتصاد.
ريك سانتوروم
.. التركيز على القيم المسيحية
ريك سانتوروم الذي فاز في الانتخابات التمهيدية الثلاث، الثلاثاء الماضي، يركز حملته على القيم المسيحية ويرى نفسه رأس حربة الجمهوريين الاميركيين في مواجهة الديموقراطيين.
وبعد فوزه المفاجئ إثر تعديل النتائج في الانتخابات التمهيدية الاولى في أيوا (وسط) مطلع كانون الثاني (يناير)، حقق سانتوروم نتيجة ملفتة بفوزه في الانتخابات الثلاث في كولورادو ومينيسوتا ومزوري. ويعيد هذا النجاح بعد اخفاقات عدة اطلاق السباق في الحزب الجمهوري ولو ان سانتوروم لا يملك الامكانات والتنظيم كالمرشح الاوفر حظا ميت رومني.
وريك سانتوروم المعروف بتصلبه في الفترة التي شغل فيها مقعدا في الكونغرس، يؤكد انه بديل محافظ حقيقي للمعتدل رومني. ويقدم نفسه على انه رأس حربة الجمهوريين وانه مستعد للتحرك حين يتطلب الأمر مهاجمة الديموقراطيين.
وفي سن الـ53 يعبّر هذا المرشح عن مواقف ليبرالية جدا في المجال الاقتصادي. وجاء على موقع حملته الانتخابية على الانترنت ان “رؤيته لأميركا هي إعادة عظمتها عبر تشجيع الدين والعائلة والحرية” ما يجعله “محافظا متماسكا على كل الجبهات في اقواله وافعاله”.
وخلال المقابلات التلفزيونية يؤكد سانتوروم معارضته لزواج مثليي الجنس والاجهاض حتى في حال الاغتصاب، ولوسائل منع الحمل رغم انه لا يعتزم حظرها. وقال مؤخرا “اعتقد ان ذلك يؤدي الى العديد من الامراض المنقولة جنسيا والى حمل غير مرغوب به، ومن غير السليم ان يقيم الناس علاقات جنسية خارج اطار الزواج”.
وهذا الكاثوليكي المتزوج منذ 21 عاماً وله سبعة اولاد، ولد في 10 أيار (مايو) 1958 في وينشستر (فرجينيا، شرق) من أب مهاجر من ايطاليا وأم من اصل إيطالي-ايرلندي. وبعدما درس الحقوق، اصبح محامياً في بيتسبرغ المدينة الصناعية الكبرى في بنسلفانيا قبل ان يصبح مساعدا برلمانياً في واشنطن.
وريك سانتوروم الذي يهوى رياضة كرة المضرب، انتخب للمرة الاولى في مجلس النواب عام 1990 وهو في سن الثانية والثلاثين حيث هزم منافسا قويا في ولاية ديموقراطية تقليديا. ثم تولى مقعدا في مجلس الشيوخ اعتبارا من العام 1995 قبل ان تلحق به هزيمة كبرى في العام 2006. وتميز في الكونغرس بمعركته ضد حق الاجهاض.
وبخصوص إيران يرى سانتوروم ان الرئيس باراك أوباما “ساذج” بالنسبة للطموحات النووية التي تنسب لطهران. ووصف هذه الدولة بانها “دولة دينية متطرفة توعدت بتدمير إسرائيل والحضارة الغربية”. وفي نبذة مطولة عنه نشرتها مجلة “نيويورك تايمز” في العام 2005 جاء ان ريك سانتوروم كان يحضر كل يوم احد القداس باللاتينية في ضواحي واشنطن.
وكان روى عشية انعقاد المجالس الناخبة في ايوا، والدموع في عينيه كيف اضطر لأن يقرر مع زوجته في العام 1996 الى اجراء ولادة قسرية لجنينهما في الاسبوع العشرين من الحمل لأنه لم يكن ليعيش. وبعدما رفض تسليم المولود الميت الى المشرحة امضى الزوجان الليل في المستشفى حول سريره وأحضرا بقية أولادهما لرؤيته.
Leave a Reply