حروب البسوس: إله الحرب “أريس” عربي
على طول تاريخنا العربي وعرضه، والى عصرنا الحاضر، صبغت حياة العرب ظاهرة تكاد تكون ملازمة لهم، لا تفارق ديارهم إلاّ قليلا لتعود مسرعة كما المشتاقة دوما لأولادها ألاوهي الحروب، فمنذ حروب البسوس داحس والغبراء لازال العرب لا يُنهون حربا إلاّ ليستأنفون اخرى، وكأنّ الحرب صارت قدرا أو صناعة عربية، ورغم المواثيق الدولية والإعلام العالمي لحقوق الانسان وحسن الجوار والاخُوّة وغيرها من القيم التي تنبذ الحرب وإراقة الدماء يصرُّ عربٌ إلاّ على “الوفاء” لهذه الظاهرة، فإذا لم تُفرض الحروب عليهم من الخارج شعروا بالملل وحزنوا، وما هي إلاّ فترة أو فترات قصيرة حتى تراهم يَجدُّون السّعي ليبتكروا الوسائل لإشعالها فيما بينهم من جديد، وأن إسْتعَرت الحرب وعجز فريق منهم على الإستمرار في مناجزة الفريق الآخر، وأيقن بنهاية الحرب، قبل أن يُشفي غليله من أبناء جلدته، سعى وبذل الغالي والنفيس واستنصر عليه بمن حوله من الأقوام وهي ظاهرة مازالت للأسف مستشرية، ولا يمكن لوم العرب عليها، أليس العرب اهل الفروسية والجُود؟ بلى هم كذلك ولذلك فهم كفرسان يحبّذُون القتال أو بالأصح التقاتل، أمّا الجُود فحدّث ولا حرج، فلا يُوجد ساسة شعب فوق كوكبنا منعوا امواله على أهله وبَذَّرَوها ووهبوها لغيره بسخاء، كما فعل ويفعل بعض ساسة العرب.
طاحونة الحروب العربية تدور دون توقف، ها هي الصومال تعمُّها الفوضى والتقاتل بعد حروب غبية حولت بلادهم الى رماد وركام، وهاهم ساسة العرب المغاوير اصحاب القلوبة الرحيمة يتفرجون على الجوعى والمرضى والمشردون وهم يفترشون الارض ويتلحّفون السماء ولا يحركون ساكنا لإغاثتهم وإعانتهم.
مرحى عرب.. هذه هي أخلاق الإخوة الفرسان!
وتستمر طاحونة الحروب العربية في الدوران ليرسو الدور بعد الصومال على العراق، البلد المُهمّ والعريق، والشعب المتجذر والخلاّق دفع به “الوسواس الخناّس” الى حرب مع ايران على مدى ثمان سنين ثم انقلب العرب بعد ذلك عليه ليطلبوا النصرة ضد شقيق عاق، والمحصّـلة بلد منهار، مدمر، متشظي، منقسم، وصراعات طائفية طاحنة لا يعلم منتهاها، وانتظار سنين أخرى من العناء والمجهود والمال لإعادة إعمار بلد أصبح جزء منه أثراً بعد عين بعد أن كان منارة للحضارة.
مرحى عرب.. هذه هي أخلاق الإخوة الفرسان!
طاحونة الحروب العربية لم تتوقف بعد عن الدوران لتحط الرحال في بلاد السودان، أكبر البلدان العربية مساحة، ثروات مائية وبترولية وأراضي زراعية، بلد كان من الممكن ان يكون سلّة الغذاء العربي، أدار العرب طاحونة حروبه ثم بقوا يتفرجون على القتال بين أهله، ثم عندما تحرّكوا أدانوه وتملّصوا ممّا فعلوا وتركوه لمصيره، ولم يسعوا الى التوفيق بين الفرقاء ولا أصلحوا بين اهله، لتكون النتيجة؛ السودان صار سودانين وانفصل جنوبه الغني، قليل السكان، عن شماله، قليل الثروات كثيف السكان.
مرحى عرب.. هذه هي أخلاق الإخوة الفرسان!
طواحين الحروب العربية مثل بساط الريح الذي يطير من بلد عربي الى آخر لينشر الخراب أين ما حل، ليبيا التي كانت ترزح تحت نظام استبدادي، لوّثت الحرب سماء ثورتها وحولتها من ثورة شعب يتُوق الى الحرية الى معركة حول المصالح والحصص ثم انقشع دخان الحرب عن تدمير هائل للبلاد وإستشراء واسع للفتن والقلاقل ولا زالت المجموعات المسلحة التي كان من المفترض أنّهم ثوارا يعيثون في البلاد فسادا ويروعون الآمنين كما كان يفعل النظام السابق المخلوع.
مرحى عرب.. هذه هي أخلاق الإخوة الفرسان!
طاحونة حروبنا العربية لازالت تشتغل، لكنها طاحونة منحازة، تطحن من تريد وتساند من تريد، طاحونتنا أبقت على بن علي الرئيس السارق الهارب بأموال تونس والذي يعيش ويصرف من أموال شعبه عينك عينك وأين؟ في بلاد مقدسة وعزيزة على قلوبنا جميعاً، فهل يعاقب الجوعان سارق البيضة ليسرح ويمرح حرامي المليارات؟ دكتاتور اليمن هو الآخر احتفظ بأمواله وزادوه عليها “بُونصْ” الحصانة ضد الملاحقة لجرائم 33 سنة من الظلم لشعبه، وتستمر الترتيبات الآن لإخراج بقية حرامية العرب بإتفاقيات “مشرفة”.
تسلِموا لنا دعاة الحروب، حقيقة شرفتونا وين ما رُحتوا، عاشت سيوف الفرسان المسلولة للطعن من الخلف في ظهور إخوتهم، عاش جُودكم وكرمكم الحاتمي وشُنَطْ دنانيركم التي توزّع الأموال هنا وهناك لإستمرار صب الزيت على النار ولتأجيج الفتن في قرى ومدن وحقول بني عمومتكم.
أموالكم يا ساسة العرب، بكل أسف شديد، تصرف على مزيد التقاتل والتباغض ومزيد نزف الدم في رقصة عربية متواصلة في حروبكم التي تفرحون بإشعالها فرحكم بإقامة الأعراس لكنها للأسف “أعراس الدمّ”، حتى نكاد نجزم أنّ إله الحرب والجنون والدمار، “أريس”، في الميثولوجية الإغريقية هو من أصول عربية من كثرة ما مرّ على المنطقة العربية من حروب، وبسبب إسراع ساستها الى الإنخراط في الفتن التي عمّت كل مصر وعصر.
إخوة سوريا: أموال القُصُور وصَمْت القُبُور
إخوة سوريا هم أنفسهم إخوة شعب الصومال والعراق والسودان وليبيا وبقية الدول العربية التي أكلتها الحروب، فهل مازال هؤلاء الأصدقاء مُصطفيّن مع تلك الشعوب التي أشعلوا بينها الحروب وهل ساعدوها على تجاوز مخلفات حروبها لإستعادة مسيرة الوفاق والبناء، أم تركوها عالقة في صراعاتها ومشاكلها التي تتضاعف يوما بعد يوم بعد أن عمّقُوا جراحها وألبسُوها ثوب أتراحها؟ الجواب عندكم، والخراب غير خاف عن العيان.
نفس الإخوة تحامُوا وتجمّعُوا ونفخُوا في بوق النفير لنجدة شعب سوريا الذي أرادوه أن يخرج الى جنة النعيم التي وعدوه بها ولكي يعيش بعضاً من الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي ترفرف راياتها في كل بلدان الخليج، نعم إنها دعوة الى حرب عربية اخرى يقودها الإخوة من ساسة الدول والمشايخ العربية الديمقراطية ذات الانظمة الشفافة التي يتداول فيها أهل الخليج حُكم بلدانهم وفقا لآليات دستورية، أمّا اهداف اولئك الساسة فهو مساعدة شعب سوريا على تركيز مزيد من الحريات وتمتين عُرى الوحدة بين مكونات شعبه وبناء برلمان منتخب ديمقراطيا وشبيهاً بالبرلمانات المنتخبة المنتشرة في الخليج، وأسوة بما تعيشه شعوب تلك الدول من حرية، فهل بعد هذه الأهداف النبيلة يُلامُون على مساعيهم ويشكّك في نواياهم تجاه سوريا؟ حقيقي حرام!
الحقيقة لا يلومهم على ذلك إلاّ جاحد، مادام الهدف يخدم صالح سوريا وهو تركيز نظام ديمقراطي على الطريقة المشيخية. يا سعدهم ياهناهم!.
الأموال التي كان من المفترض أن تبني بلدانا نامية متضامنة، ديمقراطية، يكفل فيها حقوق الافراد والجماعات بنفس المقاييس الانسانية الكونية التي تحكم في البلدان المتقدمة، يُغدقها أهل القصور على تسليح المجموعات المسلحة، ويصمت عن إدانتها كصمت القبور بقية ساسة العرب الذين يرفضون تلك الفتنة لكن لا يجرؤون على رفع الصوت ، خوفا أن تنبحهم قنوات الفتنة وتلحقهم بسابقيهم. فعلا دام عزّكم يا طوال العمر نشدُّ على أياديكم البيضاء التي أينما حلت خلفت الفتن في كل بلدان المنطقة.
الإعلام العربي: المكاييل والـ”نفاقولوجيا”
النفاق، أو ما سأُسمّيه بمصطلح جديد إبتكرته وهو “نفاقولوجيا”، وهو إختصار للمصطلح المركّب “ايدولوجية النفاق”، وهي صفة اصبحت ملازمة لمجموعة من وسائل الاعلام العربية، التي كانت سابقا تلوم الاعلام الآخر وتصفه بالكيل بمكيالين او بإزدواج معاييره، إلاّ أنّ تلك الوسائل الاعلامية العربية اتقنت “سياسة المكاييل” تلك وتفوّقت فيها، واصبحت الـ”نفاقولوجيا” احد الأسلحة التي استعملها بعض إعلامنا في تناوله للأزمات والثورات التي تهزّ البلاد العربية خدمة لجهات معينة، مثلا يسمى ما يحصل في سوريا حراكا سلميا رغم الكمية الهائلة من القرائن التي قدمها الاعلام الداخلي والخارجي عن وجود مجموعات مسلحة كانت وراء قتل افراد الجيش والامن والمواطنين المدنيين، وهو ما اثبتته لجنة المراقبين العرب في تقريرهم حول سوريا، الا ان تلك الجهات تواصل نفس الاسطوانة وكأنّها المُبصرة الوحيدة والبقية عميان، كما تواصل نفس الوسائل غض الطرف والتعتيم الإعلامي عما يجري في البحرين فثواره يوصفون بمثيري شغب وحراكهم وقتلاهم ودمهم المهدور والانتهاكات التي تقترف ضدهم غير ذات اهمية. كذلك لا نسمع حديثا ولا تغطية إعلامية لعمليات القتل والتدمير والنهب والسلب الذي تمارسها المجموعات المسلحة في ليبيا ضد المواطنين، لأنّ ذلك يفضح صورة الثوار التي كانت تلك القنوات تسوّقها ليل نهار إبّان الحرب بليبيا.
في البداية كنا نسمع البكاء والنحيب من أجل الشعوب المسلوبة اموالها من حكامها ثم فجاة انتهى الحديث عن أولئك الرؤساء والمسؤولين الذي قتلوا ونهبوا وفروا بأموال شعوبهم، فهل مازال أحدكم يسمع أو يشاهد ملفات تلفزية أو صحفية تحقق وتدعو الى استرداد الاموال المسروقة، طبعا الأمر “فينيتو”، انتهى، فهل تستطيع دولة تأوي السرّاق والنصّابين أن تدينهم بعد أن وفّرت لهم الإقامة يرتعون في ارضها ويصرفون اموال الشعوب المسروقة.
الامثلة كثيرة عن دور الإعلام في تجميل الوقائع وتزييف الحقائق، انه اعلام مريض ومراوغ ومنافق وقد اصبح لعبه مكشوفاً، لأنّ حبال الكذب قصيرة، ولذلك ندعو شعوب المنطقة العربية الى ترتيب بيوتها بعيدا عن التأثر بأبواق الفتنة تلك.
إنّ هدف أيّ دعوة الى حوار الفرقاء في بلاد العرب ونبذ حرب الاهل بعيدا عن أيّ تدخّل يدعو الى مزيد من التقاتل و الفرقة والخراب؛ ليست دعوة للإصطفاف مع أيّ نظام أو سلطة أو هي نصرة لمذهب أو جهة بل إنها ببساطة دعوة للإصطفاف مع السلم الاهلي في المنطقة ورغبة في أن يسود السلام والتضامن وسلامة الافراد والجماعات ربوع العرب، عسى الأمل يُزهر مستقبلا يُشرق فيه فعلا ربيع الشعوب بعد ان أعيتهم الحروب الغبية بين الإخوة الأعداء الذين كان من المفترض ان يكونون كالبناء المرصوص يُشدّ بعضه البعض لأنّ ما يجمعهم أكثر ممّا يفرقهم، إنهم ببساطة أشقاء.
فهل يستمر نزيف الدم العربي في حروب بلهاء لإخوة أشقياء، أم يتحقق الحلم بمستقبل بدون حروب الإخْوَة لأنّ تلك هي طبيعة العلاقة التي يجب أن تسود بين الاشقاء.
Leave a Reply