فرحة رئيس “الجمهورية” ميشال سليمان لم تسعه، وهو يسمع نبأ إستقالة الوزير الوطني الشريف شربل نحاس.
كان “مزقزقاً” أكثر من خصم نحاس اللدود (ضربة المعلم!) نجيب ميقاتي ومن “المغرد الأكبر” سعد المتزلج. فالوزير العنيد تسبب في إستقالة وزيره بارود بعد مهزلة مبنى الإتصالات، وحمله على “الأكشن” بدل السكون بإحالة أشرف ريفي إلى القضاء العسكري (الذي كان نكتة وضحكاً على الذقون).
.. وأخيراً، “إرتاح” مجلس الوزراء من وزير شعبي مشاكس يتحسس آلام الفقراء، الذين زاد فؤاد السنيورة ومعلمه أعدادهم في لبنان. فلا مكان في هكذا وطن مشوه، لأصحاب الضمائر المنتفضين على المافيات ومصاصي دماء الناس وسارقي لقمة عيشهم ومستقبل أبنائهم. شربل نحاس تحول إلى كبش محرقة لنظام المحاصصة المذهبي العنصري. وهذا النظام لن “يحلم” لثانيةٍ واحدة بثورة “ربيع عربي” بوجود مرض الطائفية السياسية التي هي والنظام صنوان لايفترقان. ذلك أنه إذا إشترك الشيعي لوحده أو الدرزي أو السني أو الماروني في التظاهر ضد النظام المأفون يتهم بأنه مذهبي يسعى لإلغاء الآخر، والحل الوحيد هو ثورات “ربيعية” أحادية داخل كل طائفة ربما تتوحد لاحقاً في ثورة واحدة. لكن إذا بنينا على الماضي اللبناني، نستنتنج أن الأمل ضعيف في إمكانية إحداث ثورة حقيقية مستقلة ذاتية وتلقائية من دون أن تدار من الخارج. فمنذ ثورة “الفلاحين” بقيادة طانيوس شاهين، مروراً بما يسمى “ثورة الإستقلال” وصولاً إلى “ثورة ربيع فيلتمان”، شاهدنا تحركاتٍ سادت ثم بادت وأصبحت هشيماً تذروها الرياح. ثم كيف تقع ثورة مثلاً ضد وليد جنبلاط الذي رغم أنه يبدل موقفه قبل أن يرتد إليك طرفك، فلا يحاسبه جمهوره أبداً ويذعن له مع أنه يقوده إلى التهلكة كما يفعل اليوم محاولاً إقحام بني معروف، المعروفون بالشيم والوفاء، في معركته ضد سوريا؟ جنبلاط هذا المنافق الذي إنتقد ظهور الظواهري تأييداً للمعارضة السورية على أنها خدعة مخابراتية، لم يجرؤ على إنتقاد المسؤولين الأميركيين الذين اكدوا إختراق “القاعدة” لهذه المعارضة. وجنبلاط الذي نأى بنفسه أيضاً، كصديقه، عن كل السياسة المحلية عاد إلى إستخدام لسانه السليط، الذي لاينفع إلا في عمل الشر، مهاجماً الرئيس بشار الأسد رغم إعلان توبته سابقاً في قصر المهاجرين! وكم كان منظر جنبلاط السبعيني تافهاً وهو يتصنع المشاركة بمسيرة “شمعية” لنصرة الشعب السوري ويتبجح بسقوط أولياء نعمته بن علي ومبارك والقذافي متناسياً كم قبض من الطاغية الليبي ثم بعد سقوطه كان أول الزائرين ليهنئ بـ”الثورة”.
شربل نحاس هو الوحيد اليوم القادر على قيادة ثورة شعبية في لبنان، وخروجه من الحكم هو شرف وكرامة للأكثرية الصامتة من الشعب اللبناني وخسارة لا تعوض لتكتل “التغيير والإصلاح” الذي كان ينتمي إليه. لن يتمكن التكتل بعد الآن، مع اعترافنا بأن وزراءه هم السباقون والرواد في القيام بانجازات حقيقية للناس، من حمل راية محاربة الفساد وإصلاح النظام المتعفن، من دون حرج السؤال عما حصل لشربل نحاس. لقد سقط شربل لأنه رفض توقيع مرسوم النقل المخالف للقانون، أي أنه عوقب لأنه أراد عدم مخالفة القانون وغنيٌ عن القول أن هذا يحدث في مكان وحيد في الكون كله: “شبه الوطن”. هذا في الشكل، أما في المضمون فقد أخرج نحاس لأنه كشف الجميع وأسقط القناع عن المدعين بالحفاظ على حقوق العمال. والدليل أن الإتحاد العمالي العام رفع دعوة ضد وزارة العمل إلى “منظمة العمل الدولية”! أهذا معقول؟ هذا “الإتحاد”، المسخرة، ما هو إلا ديكوراً لأرباب العمل في لبنان الذين ينعمون بامتيازات كبيرة منذ “الإستقلال” ومنهم نجيب ميقاتي. أيعقل أن يهتم حيتان المال، بالعمال، أكثر من وزيرهم الذي بز مطالب “الإتحاد العمالي العام” في مسألة زيادة الأجور وغيرها؟
المقاومة منيت أيضاً بخسارة جسيمة برحيل شربل نحاس عن الحكومة. لقد قام نحاس بجهدٍ جبار عندما كان وزيراً للإتصالات فاستصدر قرار إدانة إسرائيل وفعل ذلك من دون منة ولا شكوراً ولاجميلاً ولا “تبييض وجه” عند أحد، بل بقناعة ذاتية. لكن، للأسف، كان شربل نحاس يتيماً في حكومة “كيفما إتفق”. هذه الحكومة، التي سماها “صغار ١٤ الشهر” (الكبيس) ليلاً نهاراً فقط “بحكومة حزب الله”، حققت لهم ولسعد الحريري أفضل مما كانوا يحلمون به. فقد سرق ميقاتي التمويل في ليلة ظلماء، بشكلٍ يشبه سرقة فؤاد السنيورة للمحكمة الإسرائيلية إلى الأمم المتحدة من دون موافقة رئيس الجمهورية العماد المقاوم إميل لحود ومجلس النواب. كما هرب التمديد للمحكمة بعد افتعال ميقاتي معركة “دونكيشوتية” بتعليق جلسات مجلس الوزراء منذ أول الشهر الحالي إحتجاجاً على تصرف العماد ميشال عون. وهكذا عطلً ميقاتي، كالسنيورة، الدولة كما يريد من دون مراعاة رئاسة الجمهورية ولا من يحزنون. أتذكرون صور السنيورة “رجل الدولة” معروضة في الطريق الجديدة بعد إنتهاء مدة رئاسة الرئيس لحود؟ لقد نأى ميقاتي بنفسه عن الدفاع عن الجيش الذي “هتكته” قرطة خالد الضاهر ونأى عن الصداقة وحسن الجوار مع سوريا مداهنةً للحريري، لكنه لم ينأ بنفسه عن التصدي للإصلاح الذي كان يقوم به نحاس لأن في ذلك أذى شخصي لجيبه. ومن كثرة هوس ميقاتي بارضاء الحريري من دون طائل، عدا عن طي ملف شهود الزور وإبقاء زلمه في الحكم، هو قراره تعطيل الدولة في ذكرى الرئيس رفيق الحريري وهذا ما لم يقدم عليه إبنه أو صديقه! إذا كان الحريري هو الكحل فميقاتي هو العمى.
لقد توعد سعد الحريري يوماً الوزير المناضل ملوحاً بإصبعه قائلاً “الله لا يخليني إذا خليتك”، فطار “الغريد” من الخدمة ولم يحقق مبتغاه فتكفلت الطبقة السياسية والميقاتية بأمنية الحريري. لكن شربل سوف يذكره التاريخ بأنه النحاس الذي بيض صفحة وطنية مشرقة من كتاب الدهر الطائفي الأسود.
Leave a Reply