عواصم – شغلت تصريحات الحرب على إيران عواصم عالمية عدة، خلال الأسبوع الماضي، على رأسها واشنطن وذلك مع تصعيد إسرائيل تهديداتها وتزايد الروح العدوانية في خطاب السياسيين الأميركيين، فيما اتسم رد إيران بالتحدي. ويحذر محللون من خطر الانزلاق، عن طريق الخطأ، إلى حرب من المحتم أن تنجر إليها الولايات المتحدة إثر عملية اغتيال أو عملية تفجير.
وقد أثارت التصريحات الأميركية الأخيرة التي حذرت من احتمال قيام إسرائيل بشن هجوم منفرد على منشآت نووية إيرانية، غضبا في تل أبيب خلال لقاء عدد من المسؤولين بمستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي توم دونيلون الذي زار إسرائيل مطلع الأسبوع الجاري.
وأصبحت الخطوط العريضة المحتملة لهجمة إسرائيلية ضد منشآت إيران النووية مصدر جدل في واشنطن، حيث أخذ بعض المحللين يتساءلون عما إن كانت إسرائيل تملك القدرة العسكرية اللازمة لتنفيذ المهمة.
وقال موظف حكومي إسرائيلي رفيع المستوى إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع إيهود باراك ومسؤولين آخرين أبلغوا دونيلون أن التحذيرات التي يطلقها مسؤولون أميركيون من هجوم إسرائيلي محتمل ضد المنشآت النووية الإيرانية إنما تخدم إيران. ونقلت صحيفة “هآرتس” الثلاثاء الماضي عن الموظف الإسرائيلي قوله “لقد أوضحنا لدونيلون أن كافة هذه التصريحات وهذه الإرشادات (لوسائل الإعلام) إنما تخدم إيران فقط”، وأوضح ذلك بأن الإيرانيين يرون أنه توجد خلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل وأنه توجد معارضة أميركية لعملية عسكرية، وهذا يخفف الضغط عليهم. وكان الموظف الإسرائيلي يشير بذلك إلى تصريحات مسؤولين أميركيين وبينهم وزير الدفاع ليون بانيتا ورئيس الأركان المشتركة للجيوش الأميركية مارتن ديمبسي وتحذيرهما من عواقب هجوم ضد إيران، وإلى تقارير صحفية أميركية تحدثت عن خطة الهجوم الإسرائيلية ضد إيران وعن أن إسرائيل لا تملك قدرة لتنفيذ هجوم كهذا. وأضاف الموظف أن نتنياهو وباراك عبرا عن استيائهما من أقوال ديمبسي خلال مقابلة أجرتها معه شبكة “سي أن أن” التلفزيونية الأميركية الأسبوع الماضي، قال فيها إن هجوما إسرائيليا ضد إيران لن يكون حكيما في التوقيت الحالي وإن هجوما كهذا سيقوض الاستقرار في المنطقة. وقال المصدر إن المسؤولين الإسرائيليين احتجوا أمام دونيلون على ما وصفوه بالإرشادات التي يمنحها مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى في الإدارة الأميركية إلى مجموعة من الصحفيين الأميركيين الذين نشروا خلال الأسابيع الأخيرة تقارير حول هجوم إسرائيلي محتمل ضد إيران.
وانعكس موقف إسرائيل على الساحة الأميركية. وباستثناء رون بول، فإن جميع المتنافسين للفوز بترشيح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية يتسابقون على توجيه التهديدات إلى إيران، وطرح أنفسهم حماة لإسرائيل. ونشرت مجموعة تضم أعضاء من الحزبين الرئيسيين، الثلاثاء الماضي، رسالة إلى الرئيس أوباما تقول إن إجراء محادثات جديدة يمكن أن يكون “مشاغلة خطرة” تتيح لإيران كسب الوقت للاقتراب من إنتاج سلاح نووي.
رد إيراني
نفت إيران مجدداً وجود أي طابع عسكري لبرنامجها النووي، لكنها شددت على استمرار العمل في هذا البرنامج مهما كانت المعوقات، وذلك بعد ساعات على إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية فشل مهمة خبرائها في طهران، بعد رفض السلطات الإيرانية السماح للوفد بزيارة موقع بارشين العسكري. وقال المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي، في كلمة أمام علماء نوويين، إن إيران “لا تسعى إلى امتلاك السلاح الذري”. وأضاف “بعون الله، ومن دون الاكتراث بالدعاية، فإن المسار النووي الإيراني سيستمر بإصرار وجدية”، مؤكداً أن “الضغوط والعقوبات والاغتيالات لن تؤتي ثمارها… ولا يمكن لأي عقبة أن توقف العمل النووي الإيراني”. وتابع “نريد كسر التفوق القائم على السلاح الذري… وبإذن الله سينجح الشعب الإيراني في ذلك”. وشدد على أن “الطاقة النووية مرتبطة مباشرة بالمصالح القومية الإيرانية”، مطالبا العلماء المجتمعين أمامه “بمواصلة عملهم الجوهري بأكبر قدر من الجدية”.
فشل الذرية في طهران
وفي سياق متصل، قال دبلوماسيون الخميس انه من المتوقع ان يقوم المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا امانو بتقديم تقرير الجمعة (مع صدور هذا العدد) يشرح فيه اسباب فشل فريق الوكالة الذي يحقق في برنامج ايران النووي، في تحقيق نتائج اثناء زيارته لطهران الاسبوع الماضي. وعاد كبير مفتشي الوكالة البلجيكي هرمان ناكيرتس وفريقه من طهران، الاربعاء الماضي، دون تحقيق أي تقدم في بحثهم عن اجابات من إيران على أسئلة بشأن مساعيها المفترضة لتطوير اسلحة نووية، مما دفع واشنطن الى وصف تلك الزيارة بـ”الفاشلة”.
وقال دبلوماسيون في فيينا انهم بدأوا مناقشة الخطوات التي سيتخذها مجلس حكام الوكالة (35 عضوا) عند عقد الاجتماع المعتاد التالي في الخامس من اذار. ونظريا، يمكن ان يصدر المجلس قرارا يدين إيران ويحيل ملفها الى مجلس الامن الدولي الذي فرض أربع مجموعات من العقوبات على الجمهورية الاسلامية حتى الان. وواصلت ايران برنامجها النووي رغم الانتقادات والضغوط فاطلقت عملية انتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمئة في موقع فوردو المحصن الواقع تحت جبل والذي يصعب قصفه، ما يقربها من حيازة اليورانيوم المخصب بنسبة 90 بالمئة الذي يسمح لها بصنع قنبلة ذرية.
هل تقدر إسرائيل على ضرب إيران؟
من جهة أخرى نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية على صفحتها الأولى تقريراً يقول أن “الهجوم الإسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية سيكون بمثابة مهمة عظيمة وخطيرة تقتضي استخدام ما لا يقل عن 100 طائرة فوق إيران، وتزود بالوقود في الجو، والهجوم المتزامن على عدة منشآت نووية، ومواجهة الدفاعات الإيرانية”.
وجاء في التقرير أنه “إذا أرادت إسرائيل قصف أربعة منشآت نووية: مفاعلات تخصيب اليورانيوم في نتنز وبوردو قرب مدينة قم، والمفاعلات في آراك وأصفهان، فستكون المشكلة الأولى هي في كيفية الوصول”. وفي هذا السياق يتحدث الخبراء العسكريون عن ثلاثة مسارات محتملة: “من الشمال عن طريق تركيا، أو من الجنوب عن طريق السعودية، أو المسار المركزي الذي يمر فوق الأردن والعراق”.
وبحسب تقديرات “نيويورك تايمز” فإن المسار العراقي هو “المنطقي”، باعتبار أن العراق دولة تبني نفسها ولا يوجد لديها دفاعات جوية، كما أن الولايات المتحدة غير ملتزمة بحماية أجوائها بعد انسحاب قواتها المحتلة من العراق. وتضيف أن المشكلة الثانية هي المسافة، حيث أنها تصل إلى نحو 3,200 كيلومتر ذهابا وإيابا، بدون احتساب الزمن اللازم للتحليق فوق الأهداف، وإمكانية القيام بمناورات للتهرب من الصواريخ المضادة للطيران، والطائرات الإيرانية. وبناء عليه فإن هناك حاجة للتزود بالوقود في الجو.
وبحسب “نيويورك تايمز” فإنه ليس من المؤكد أنه يوجد للكيان الإسرائيلي ما يكفي من طائرات التزويد بالوقود في الجو لتنفيذ عملية الهجوم، حيث يوجد لديها 8 طائرات “بوينغ 707” تم تحويلها إلى حاويات جوية، وليس من المؤكد أن هذه الطائرات صالحة جميعها للاستخدام. ولم يستبعد محلل عسكري أن “تكون إسرائيل قد قامت بتحويل طائرات أخرى إلى طائرات تزويد بالوقود في الجو”.
ويقول أحد المحللين العسكريين أن طائرات التزويد بالوقود بحاجة أيضا إلى طائرات قتالية لحمايتها، ما يعني أن عدد الطائرات المطلوبة لتنفيذ المهمة يتصاعد. وبحسبه فإنه “يوجد لدى إسرائيل 125 طائرة قتالية من طراز “أف 15 آي” و”أف 16 آي”. وأشار التقرير إلى مشكلة أخرى، وهي حاجة الكيان الإسرائيلي إلى استخدام طائرات للحرب الإلكترونية وذلك لاختراق المجال الجوي الإيراني، وتشويش محطات الرادار. وأضاف أنه بالرغم من أن التكنولوجيا الدفاعية الإيرانية قديمة نسبياً، إلا أنه لا يمكن تجاهلها، وأن بإمكان الصواريخ الإيرانية أن تدفع الطائرات الإسرائيلية إلى القاء القنابل قبل أن تصل إلى الأهداف.
كما يشير التقرير إلى قضية أخرى ذات صلة بمخزون القنابل في الكيان الإسرائيلي والتي تستطيع اختراق مفاعل نتنز، والذي تشير التقديرات إلى أنه محمي بجدران من الإسمنت المسلح يصل سمكها إلى 10 أمتار، وكذلك مفاعل بوردو المقام في جوف جبل. وعلى افتراض أن إسرائيل لن تستخدم أسلحة نووية، فإنه يوجد لديها قنابل أميركية خارقة للتحصينات من طراز “جي بي يو 28″، والتي تزن أكثر من طنين، ولكن ليس من الواضح إلى أي مدى يمكنها الاختراق.
كما يتناول التقرير إمكانية تدخل الولايات المتحدة، حيث نقل تقديرات أمريكية مفادها أن الولايات المتحدة تستطيع تنفيذ هجوم يشارك فيه قاذفات وطائرات شبح وصواريخ إلى جانب طائرات بدون طيار تصور النتائج وتساعد في توجيه الهجمات. وخلافا لإسرائيل فإن لدى الولايات المتحدة قدرات ملموسة في التزود بالوقود في الجو. كما أنه بإمكان القاذفات الأميركية التحقيق من قواعد عسكرية في قطر أو المحيط الهندي أو من بريطانيا أو من الولايات المتحدة نفسها.
إلى ذلك، نقل التقرير عن مصادر أمنية أميركية قولها إنه سيكون من الصعب اختراق المنشآت النووية الإيرانية المحصنة، ولذلك يجري العمل على تطوير “خارق التحصينات” المتطور والذي يزن نحو 13 طنا، جرى إنتاجه خصيصا لكوريا الشمالية وإيران.
Leave a Reply