“صدى الوطن” تحقق في ادعاءات القس المتعصب
ديربورن – خاص “صدى الوطن”
“الشريعة تحكم ديربورن.. وستحكم أميركا إذا لم نفعل شيئاً”.. هذا ما يسعى القس المتعصب تيري جونز إثباته للأميركيين بمساندة مجموعات يمينية متطرفة في أنحاء متفرقة من البلاد.. ومؤخرا أكد “القس الفلوريدي” أنه سيتوجه لديربورن مجدداً ليحتج على ”التهام الشريعة الإسلامية” لأموال دافعي الضرائب الأميركية.
ففي الأسبوع قبل الماضي أصدر جونز بيانا صحفيا يبرر فيه إصراره على التظاهر في مدينة ديربورن. وادعى فيه أن ما يسميه “تطبيق قانون الشريعة” (الإسلامية) في بعض المدن الأميركية، وخاصة ديربورن، يكلف دافعي الضرائب الأميركيين مبالغ إضافية تذهب بشكل أساسي كنفقات لإنشاء مغاسل للوضوء في بعض الجامعات والمطارات الأميركية، وكذلك بسبب اعتماد بعض المدارس للحم الحلال، ولكن لدى التدقيق مع الجهات المعنية تبين أنه لا صحة للادعاءات التي أطلقها “جونز حارق القرآن”.
وبالإضافة إلى هذه الادعاءات، وصف جونز، الذي يرشح نفسه لسباق الرئاسة الأميركية (في مسعى جديد منه لمزيد من الشهرة والنجومية)، بعض النشاطات التي يقوم بها المسلمون الأميركيون بأنها “غير دستورية”! وضرب مثالين على ذلك، الأول: تغيير مواقيت برنامج التدريبات الرياضية في “ثانوية فوردسون” في ديربورن إلى الفترة الليلة خلال شهر رمضان بسبب صيام الطلاب (!). والثاني: اعتماد بعض مدارس ديربورن العامة للحم الحلال. وجاء في بيان جونز: “إن تقديم اللحم الحلال يزيد من التكلفة بنسبة 30 بالمئة من تكاليف اللحم العادي، وهو ما يزيد أعباء دافعي الضرائب بأكثر من 228 ألف دولار سنوياً”.
وللوقوف على ادعاءات جونز، اتصلت “صدى الوطن” بمدير الاتصالات في مدراس ديربورن العامة ديفيد ماستونين الذي نفى صحة تلك الدعاوى، بالقول: “إن الأرقام التي أشار إليها جونز مبالغ فيها، لأننا نتبع طريقة المناقصات للحصول على الأغذية، وهذه السنة حصلت مدارس ديربورن على مادة اللحم (الحلال) من “أسواق رزق” في ديربورن، وفي كل سنة يتم التعامل مع شركة مختلفة وبأسعار مختلفة حسب الكميات المطلوبة”. أضاف: “ونعتمد هذه الطريقة المعروفة مع أي مورّد للأغذية لأننا لا نعرف كميات الطعام الحقيقية حتى نهاية العام، كما أننا نحصل عادة على تخفيضات كبيرة في نهاية العام”.
وأكد ماستونين أن اعتماد اللحوم الحلال لا تكلف المدارس أية أعباء اضافية. ونوه “أنه في نهاية المطاف، لا يهم كم تكلف، هذا هو نحتاجه من المال لشراء الطعام للطلاب. ليست أموالا إضافية. إنها كلفة تقديم الطعام لطلابنا”.
ولفت بالقول: “إذا كان جونز يبدي قلقاً من إعداد الأطعمة بخلاف التقاليد الأميركية فعليه أولا أن يظهر ذلك القلق في المكان الذي يعيش فيه، في ولاية فلوريدا التي تتواجد فيها أعداد كبيرة من اليهود الأميركيين الذين يأكلون، على الأغلب، اللحوم المعدة حسب الشريعة اليهودية (كوشر)، حيث ينتشر اللحم (الكوشر) أكثر من اللحم الحلال في الولايات المتحدة، فهناك أكثر من 80 كلية وجامعة تقدم لحم الكوشر كخيار لطلابها، ومن ضمنها “جامعة ميشيغن”، وقد تجاهل جونز في بيانه، الإشارة إلى تلك الحقيقة”.
في سياق آخر، كان جونز قد ادعى في بيانه أن تجهيز وإعداد مغاسل للأقدام في بعض الجامعات يثقل كاهل دافعي الضرائب بمزيد من الأعباء، وجاء في البيان أن “جامعة ميشيغن” في ديربورن، قد أنشأت مغسلين للوضوء كلفا دافعي الضرائب 100 ألف دولار. وأضاف البيان أن “كلية مينيابوليس للتكنولوجيا اعتمدت سياسة صارمة لمنع ممارسة الشعائر الدينية وحذرت من إقامة الطقوس الدينية علانية، خاصة تلك التي تلفت الانتباه إلى دين معين” مطالباً بالمثل في ديربورن.
ولدى اتصالنا بالمعنيين في “جامعة ميشيغن” أوضحوا أنه لا صحة لادعاءات جونز وأفادوا “أن المغسلين قد كلفا الجامعة حوالي 25 ألف دولار”.
وقال مدير العلاقات العامة في “جامعة ميشيغن” كين كيتنبيل: “إن الأموال التي استخدمت في بناء المغسلين لم تكن من جيوب دافعي الضرائب، وإنما تم تحصيلها من الرسوم التي يدفعها الطلاب من أجل صيانة المرافق العامة في الجامعة، وللتوضيح فإن تكلفة بناء المغسلين لم تكلف الجامعة أية أعباء إضافية، والجامعة تستخدم في العادة هذه الرسوم لتحسين مرافق الحرم الجامعي سنوياً”.
وأضاف “لسوء الحظ فإن جونز لم يقم بالتحقق من صحة معلوماته قبل نشرها من خلال الاطلاع على موقع الجامعة الإلكتروني، وهذه المعلومات المغلوطة يمكن أن تتسبب بتمزيق مجتمعنا وتقسيمه في الوقت الذي يفترض بنا أن نعمل سوية من أجل تكريس حوار بناء فيما بين جميع مكونات المجتمع”.
وبحسب كيتنبيل، فإن المغسلين قد بنيا كاستجابة لمطالب الطلاب والعاملين في الجامعة في العام 2007، ليس فقط من أجل أهداف دينية، وإنما لأسباب تتعلق بالسلامة العامة، فقد كان يحصل في السابق أن “بعض الطلاب يغسلون أقدامهم على المغاسل العادية وهو الأمر الذي كان يؤدي إلى تبلل الأرضيات مما يزيد من احتمال الانزلاق، ومغاسل الأقدام حلت هذه المشكلة، فهي مريحة وآمنة أكثر من المغاسل العادية”.
ونوه إلى أن الطلاب غير المسلمين يستعملون تلك المغاسل، كالرياضيين وبعض الطلاب الذين لديهم أطفال، وشدد كينتبيل إلى حقيقة أنه تنتشر الآن آلاف المرافق العامة التي تضم مغاسل للأقدام، من بينها العديد من المطارات والجامعات.
وكان جونز قد أشار في بيانه إلى جامعات في العاصمة واشنطن وبوسطن وتوليدو قد بنت مغاسل للأقدام، وكذلك مطاري أنديانابوليس وكنساس الدوليين، وذلك لخدمة المسافرين المسلمين ولخدمة سائقي التاكسيات المسلمين، وأشار البيان بشكل اعتباطي أن 70 بالمئة من سائقي سيارات الأجرة في أميركا مسلمون. إلا أن الإحصائيات أوضحت أن نسبة 38 بالمئة من سائقي سيارات الأجرة هم من الشرق الأوسط ولكنهم ليسوا جميعا مسلمين.
وبسبب المغالطات الكثيرة التي وردت في بيان جونز، حاولنا الاتصال بأعضاء من فريقه، واستطعنا الاتصال مع واحدة من ممثليه، وهي ستيفاني ساب، ولدى مواجهتها بتلك الحقائق، والطلب إليها توضيح تلك المغالطات، اقترحت علينا أن نقوم بإرسال الأسئلة عبر البريد الإلكتروني من أجل أن يقوم القس جونز بالإجابة عليها، إلا أننا لم نتلق أي رد على رسالتنا الالكترونية ولا على الاتصالات الهاتفية حتى الآن.
ومن المتوقع أن يقوم جونز بزيارة استفزازية لمدينة ديربورن في 7 نيسان (أبريل) القادم للتظاهر أمام “المركز الإسلامي” في أميركا” ضد ما يدعوه “تطبيق قوانين الشريعة” (الإسلامية) في المدينة وذلك بعد ان ربح استئنافاً لحكم قد صدر ضده يمنعه من الاقتراب من “المركز الإسلامي” لمدة ثلاثة سنوات.
Leave a Reply