بوادر حلول إيجابية شهدها الإجتماع الثاني
إجتماع “فوردسون” حول بلطجة الطلاب بدأ بـ “كلام معسول” وانتهى بانفعال الأهالي
إستجابت فعاليات إجتماعية وحقوقية لدعوة إدارة ثانوية »فوردسون« الى عقد اجتماع مساء الثلاثاء الماضي في الثانوية، لمناقشة مسألة البلطجة المدرسية بين الطلاب وسبل معالجتها والوقاية منها. وجاء الإجتماع على خلفية تعرض عشرين طالبة في الشهرين المنصرمين الى أفعال البلطجة من قبل زملاء لهم في الثانوية تطاولوا عليهن مشككين بشرفهن.
حضر اللقاء الهيئة الإدارية للثانوية وأولياء أمور وتلاميذ وإعلاميون (منهم عاملون في القناة السابعة) وممثلون عن هيئات إجتماعية متعددة، فيما لوحظ غياب الشخصيات الدينية التي كان من المأمول حضورها.
وفي مستهل اللقاء، تحدث مدير ثانوية »فوردسون« يوسف مسلم عن ظاهرة البلطجة وانتشارها في معظم المدارس الأميركية كظاهرة تقليدية إزدادت خطورتها مع إستخدام مواقع التواصل الإجتماعي، وقال: »إن إستخدام الإنترنت كوسيلة للبلطجة، يجعل من التحرش والإساءة مسائل يصعب الإحاطة والتحكم بها، خصوصاً وأننا نتعامل مع فضاء إفتراضي. كما أنه، في كثير من الأحيان، يصعب تحديد الشخصيات التي تلجأ الى إستخدام أسماء مفبركة«.
ولفت مسلم الى التعقيد الذي يلف مسألة البلطجة، وصعوبة إفهام الآخرين حول دور المدرسة فيها. فليس من صلاحية المدارس معاقبة المسيئين أو التشهير بهم، وإنما يمتد دورها الى حماية »الجناة« و»الضحايا« وهذه مسألة يصعب، أحيانا، على أهالي »الضحايا« أن يتقبلوها.
وأضاف مسلم: »من الصعب إجتثاث المسألة من جذورها كونها ترتبط بالثقافة العامة والتربية وغيرها.. وإن تعرض طالبات للتحرش والإساءة من قبل زملائهن في ثانوية »فوردسون«، في الفترة الأخيرة، لا يعكس أجواء الإنضباط والوئام والإحترام المتبادل الذي يسود بين الطلاب، حيث يتعاملون مع بعضهم البعض كعائلة واحدة«.
وشدد، مستشهداً بدراسات وبحوث مختصين في مجال سبل مواجهة البلطجة، »إن أفضل طريقة لمعالجة تداعيات الحادثتين الأخيرتين هو عبر عدم التشهير بهما أو تحميل المسألة أكثر من اللازم، كي لا يبدر مواقف إنتقامية في المقابل«.
وبعد ساعة من اللقاء، بدا أن مسلم مهتم أكثر »بتلميع صورة الثانوية« مفضلاً عدم مناقشة الأسباب التي إستوجبت ذلك اللقاء. وشاركه في هذا الموقف هيئات طلابية وموظفون في الهيئة التعليمية، حيث دار الحديث حول التأكيد على أن صورة »فوردسون« الإيجابية تنعكس من حقيقية أن 95 بالمئة من طلابها وخريجيها قدموا صورة ناصعة عن مجتمع الجالية العربية، سواء في تحصيلهم العلمي أو المهني. وأن نسبة قليلة لا تتعدى 5 بالمئة تنتشر فيها بعض الظواهر السلبية، ومنها البلطجة. وهؤلاء الطلاب لا يعكسون صورة الثانوية ولا صورة المجتمع العربي الأميركي في مدينة ديربورن.
من ناحيته، وافق المدير الإقليمي لـ»اللجنة العربية الأميركية لمكافحة التمييز« (أي دي سي) عماد حمد على معظم ما جاء على لسان مسلم. بينما أشارت الناشطة سهيلة أمين الى أنها شهدت إحدى حالات البلطجة قبل 16 سنة عندما كانت طالبة في ثانوية »فوردسون«، وأبدت إستغرابها من عدم قيام العاملين في الثانوية على تطوير أساليب لتطويق هذه الحالات وإنهائها.
كل هذا الكلام »المعسول« لم يبرّد قلوب أولياء الطالبات اللواتي تعرضن للتحرش والمضايقات التي أساءت الى سمعتهن، وهو ما قاد الى مواجهة كلامية عاصفة بين المدير وأحد الآباء الذي صرخ قائلا: »نحن لم نأت الى هنا من أجل الإستماع الى المحاضرة، ونحن نعرف ما معنى البلطجة ولقد جئنا للبحث عن حلول واقعية للمشكلة«. وأضاف: »كان الأجدى بك كمدير الثانوية أن تستمع الى شكوانا وتتفهم الإحراج والألم الذي أصابنا جراء قيام بعض الطلاب، قليلي الأدب، بالإساءة الى شرف بناتنا«.
وكانت المفاجأة أن المدير وبدلا من إظهار موقف متفهم لمشاكل الأهل ومواجعهم، أصر على مقاربة هذا الموضوع من زاوية مختلفة، وقد أدى موقفه الى »إنفجار« الوضع، فتعالت أصوات الأهالي الآخرين و»ضاعت الطاسة«.
وإنتقد ناشر »صدى الوطن« الزميل أسامة السبلاني في مداخلة له خلال الاجتماع طريقة تصرف المدير، وقال له: »كان من الأجدى بك الإستماع الى وجهة نظر الأهالي منذ بداية الإجتماع بدل إلقاء محاضرة عن البلطجة، لأن الهدف من هذا اللقاء هو حل مشكلة معينة وهي مشكلة طالبات تعرضن للتحرش والمضايقة ضمن الثانوية، وإعادة الحقوق لهن يقع في صلب مهام الإدارة«.
وإرتفعت وتيرة المناقشات الكلامية وإختلط الحابل بالنابل وبدا أن الإجتماع الذي أعد لحل المشكلة قد خلق مشكلة أخرى أكثر تعقيدا وإحراجا. وكانت المفارقة أن الحاضرين الذين جاؤوا لحل المعضلة تسببوا هم أنفسهم بخلق معضلة من نوع آخر. ولم يكن من سبيل أمام المجتمعين، من الأهالي وممثلي الهيئات الحقوقية والاجتماعية والتربوية إلا الإتفاق على الدعوة الى إجتماعات أخرى مغلقة بدأ من اليوم التالي.
وهذه الحادثة تضع سؤالاً مهما حول السياسات المدرسية والأساليب التي ينتهجها المسؤولون في المؤسسات والتي هي الأكثر خطورة وأهمية في تكوين الإنسان، والمقصود هو المؤسسة المدرسية التي لا يقتصر دورها على الجانب التعليمي بل يتعداه الى الجانب التربوي الذي يعزز قيم المسؤولية والنزاهة والمعرفة، فضلا عن القيم الأخلاقية مثل الصدق والأمانة وإحترام الآخرين.
الإجتماع الثاني
تماما كالمثل القائل »إذا ما كبرت ما بتصغر«، وبعد المناوشات الكلامية التي جرت في الإجتماع الأول والإستياء العام الذي نتج عنه، انتقلت أجواء الإجتماع الثاني من حالة الفوضى الى حالة من الحوار البناء، حيث التقى الأهالي والطالبات اللواتي تعرضن للمضايقات وممثلون عن هيئات حقوقية وإجتماعية بالهيئة الإدارية لثانوية »فوردسون« متمثلة بالمدير مسلم في اليوم التالي. وقد توصل الإجتماع الى قرارت أولية تمثلت بتأسيس لجنة من الأهالي والطلاب وناشطين حقوقيين تعنى بالمتابعة الشهرية للتطورات الخاصة بأحداث يواجهها الطلاب ومن بينها »البلطجة«.
ومن ناحيته، قدم مسلم إعتذاره من أهالي الطالبات، معتبرا أنه كان يجدر به الإحاطة والتعامل مع حادثتي البلطجة بأسلوب أفضل. كما ووعد أن ينظر الى النواحي القانونية التي تتعلق بمعاقبة مرتكبي البلطجة عن كثب وإتخاذ الإجراءات المناسبة بحق المرتكبين.
كما أبدى الأهالي رضاهم عن ما توصل اليه الإجتماع، وكذلك الطالبات اللواتي تعرضن للمضايقات. وعبر أحد الأهالي بالقول: »أخيرا إستطعنا أن نعبر عن مخاوفنا ونحن راضين عن القرارات التي توصل اليها الاجتماع«.
أما الطالبات اللواتي تعرضن للمضايقات فطالبن بضرورة إتخاذ إجراءات عقابية فعالة بحق زملائهن الذين تعرضوا لهن بالاساءة وليس عبر الطرد من المدرسة لبضعة أيام لأن هذا العقاب هو الأحب على قلوب الطلاب، حسب تعبيرهن.
Leave a Reply