آناربر – خاص “صدى الوطن”
تحت عنوان “سوريا تنزف” وبدعوة من “تحالف طلاب ميشيغن من أجل الحرية والمساواة” (أس أي أف إي) و”جمعية الطلاب المسلمين” (أم أس أي)، أقيمت ندوة حوارية في “جامعة ميشيغن-آناربر” مساء الأربعاء الماضي.
تناولت الندوة الخلفيات الإجتماعية والثقافية والسياسية التي أسست “للثورة السورية” المستمرة والأوضاع الإنسانية الحرجة التي تمر فيها المناطق المنكوبة في سوريا. لكن سرعان ما تم تبادل الاتهامات بين المحاضرين بالمبالغة والتجني وسط حضور كثيف.
الندوة ضمت ثلاثة محاضرين هم، خوان كول، أستاذ التاريخ في “جامعة ميشيغن” المتخصص بالتاريخ الإسلامي والشرق أوسطي، وأسعد أبو خليل، أستاذ العلوم السياسية في “جامعة كاليفورنيا” و”جامعة ستانيسلاوس” والمحاضر في “جامعة بركلي”، ومنى جندي، محامية الهجرة وعضو في الاتحاد الأميركي للحريات المدنية (أي سي أل يو) ورئيسة “إتحاد سوريا الحرة” ومندوبة “الهيئة العامة للثورة السورية” و”المجلس الأعلى للثورة”.
وبدأت الندوة التي كان من المفترض أن تكون ذات بعد أكاديمي وتثقيفي لتنتهي بأجواء من التعبئة السياسية والتجاذبات في المواقف الشخصية المتناقضة حول ما يدور في سوريا. ولا يخفى على أحد مدى حساسية الأوضاع الراهنة في سوريا، والتي بلا شك تحمل أبعادا وخفايا تاريخية وسياسية يصح تناولها من نواح أكاديمية متعددة ومتشعبة. ولكن كان مؤسفاً، حسب العديد من الحضور، أن تدخل الآراء الشخصية على ندوة تلقى أمام طلاب جامعيين حضروا بحماسة من أجل سماع ما هو مختلف عما تتناوله الوسائل الإعلامية.
استهل اللقاء كول، الذي تناول محاور عدة حول ما يحدث في العالم العربي عموما وفي سوريا بشكل خاص. كما ركز على الناحية الإنسانية الحرجة التي تمر فيها سوريا بحيث يسجل وقوع 100 الى 200 شهيد يوميا “هم إخوة وأهل وأولاد أحد ما” حسب تعبيره.
وانتقل في حديثه حول السياسة الحكومية في العالم العربي وتأثير تعديل القوانين الدولية بعد الحرب العالمية الثانية على سياسات الدول الخارجية. وقال: “إن الفيتو الروسي-الصيني الذي يقف حائلا دون تحقيق قلب النظام ورئاسة الأسد في سوريا يأتي نتيجة شعور البلدين أنه تم إستغلالهما من قبل “الناتو” في الدخول بمعمعة ليبيا”. وأضاف: “عند روسيا والصين مصالح مختلفة عن تلك التي تسعى لتحقيقها الولايات المتحدة الأميركية. كما أن الدولتين تدعمان إيران وبالتالي دعم النظام القائم في سوريا جزء من حماية الوجود الإيراني”. كما وأشار كول، البروفسور الذي عرف بمعارضته لغزو العراق عام ٢٠٠٣، الى أن تضامن بلدين بحجم روسيا والصين غايته الأسمى هو الوقوف بوجه العملاق الأحادي القطب الذي يسيطر على العالم، والمقصود به أميركا. وإعتبر كول “أن الظروف الإستراتيجية التي تحوم حول القضية السورية والتجاذبات الخارجية بين مؤيد ومعارض للتدخل الخارجي بغية إسقاط النظام والتبدل الدائم في المواقف جعل من الشعب السوري اليوم في ساحة المعركة وحدهم”.
بدورها، ركزت المحامية جندي على دور المرأة في “الثورة السورية”، الذي “كان من أسباب اشعال فتيل الثورة مع إعتقال طل الملوحي ابنة الثامنة عشر في العام 2009، والتي لايزال مصيرها مجهولا حتى اليوم”.
واعتبرت أن غياب المرأة السورية عن التظاهر في بداية الثورة كان سببه الخوف والقلق حول حقيقة ما يحدث على أرض الواقع، وقالت: “نحن كسوريين كنا نظن أن “الربيع العربي” لن يمرّ في سوريا بسبب علمنا وإدراكنا لنظام الحكم والسلطة التي تختلف عن كل المحيط الخارجي”. وأشارت الى أن “التحركات النسائية ما لبثت أن بدأت بتنفيذ التظاهرات في الشارع وتميزت هذه التحركات بتخطيها الحدود السورية الى الخارج لتضم نساء من خلفيات وجنسيات وعقائد وإديولوجيات مختلفة”.
وقالت جندي أن “ما يجري في المستشفيات في سوريا هو تعذيب للمصابين وإغتصاب للنساء”، وأضافت “سجل الشهر الماضي 700 حالة إغتصاب”، وأضافت أنه يجري العمل على إنشاء حملة على موقع التواصل الإجتماعي “تويتر” لـ”رفع الصوت عاليا ضد حالات الإغتصاب التي تتعرض لها النساء في سوريا من قبل النظام”.
من جانبه، ندد الدكتور أبو خليل بالجرائم والمجازر التي يرتكبها النظام السوري، ولكنه اختار أن يشعل جبهة الإنتقادات على كل المحاور، ضد النظام الحاكم في سوريا وضد المجلس الوطني السوري المعارض ورئيسه برهان غليون وضد “الجيش السوري الحر” وضد قطر والسعودية وضد سياسات الولايات المتحدة الأميركية الخارجية ودعوة السناتور جون ماكين للتدخل العسكري في سوريا، وقال: “إن الإنتفاضة الشعبية في سوريا تحولت الى مؤامرة تدخل في جدول أعمال السعودية وقطر وأميركا وإسرائيل وتأخذ طابعا قمعيا”. كما إعتبر إن الصورة التي حاولت جندي نقلها للحاضرين كانت أقرب الى الخيال، وقال: “هؤلاء الذين يصورون أنفسهم على أنهم أصدقاء سوريا هم في الحقيقة أعداء لها تماما كما حدث في العراق عام 2003”.
وأعاد أبو خليل انتقاد السناتور الجمهوري جون ماكين الذي دعا الى تسليح القوى المعارضة في سوريا.
وقال مهاجماً المجلس الوطني السوري “إن هذا المجلس بدأ مسيرته بالكذب على الشعب السوري، وبالتالي لا يمكن الوثوق به”. وانتقد أبو خليل بشكل لاذع الحركات المتطرفة و”الجيش السوري الحر” معتبرا اياهم “المتعصبين الذين يحاولون التخفي بقناع العلمانية على شاشات التلفزة ووسائل الإعلام”. وتحدث عن التدفقات المالية التي تأتي من الخارج، خصوصا السعودية وقطر، لتدعم الحركات المتطرفة في سوريا وأطرافاً أخرى في محاولة لخلق فوضى عارمة وفي محاولة لتقوية الأصوليين المتعصبين على حساب حركات أخرى.
وأثارت مداخلة أبو خليل حفيظة جندي، التي كانت الناطقة باسم “المعارضة السورية” في الندوة، فردت عليه بالقول: “ان الإدعاء بأن الثورة في سوريا تم إختطافها أمر مهين”، واعتبرت أنه لا يوجد دعم مالي يأتي من الخارج(!).. وامتد الجدال بين أبو خليل وجندي ولكن سرعان ما تم تدارك الموقف بسبب ضيق الوقت المحدد وضرورة فتح باب الحوار مع الطلاب للإجابة عن أسئلتهم التي تمحورت حول الأبعاد المستقبلية للوضع في سوريا ومصير الثورة ومستقبل الدولة في حال سقوط نظام الرئيس بشار الأسد.
Leave a Reply