ديترويت – خاص “صدى الوطن”
لم يكن الدكتور تشاد عودة يتوقع أن تطول تجربته مع مؤسسة “بعثة مهمة إنقاذ ديترويت” (دي آر أم أم) لكنها في الواقع شكلت منعطفا حاسما في حياته المهنية، فالمؤسسة التي تعنى بالعائلات الفقيرة والمتشردين ومدمني الكحول والمخدرات والأفراد المعوزين ومنحهم الأمل الضروري لمواجهة الحياة، ألهمت الطبيب العربي الأميركي ليبدأ مسيرة طويلة في العمل الإنساني في منطقة ديترويت.. وقد تكون تجربته الخاصة في تبديل مصير إمرأة يائسة السبب الذي دفعه الى هذا طريق الذي يقول أنه لن يرضى له بديلاً. يقول: “لم يكن في تصوري أن أسلك هذا الطريق، ولكنني الآن أحب عملي ولن أتراجع عن هذا الإختيار لصالح أي عمل آخر”.
تجربة المرأة الفقيرة مكنت الطبيب عودة، بفضل مؤسسة “دي آر أم أم”، أن يخلص إمرأة من إدمانها على الكحول والمخدرات واستعادتها لشهادة التدريس وانخراطها في الحياة مجدداً، يقول عودة: “لقد شعرت أن المرء يختبر شيئا مختلفا بهذا النوع من العمل لا يمكن إختباره في أي مكان آخر، حيث يمكنه أن يرسم الإبتسامة على وجوه أولئك الذين فقدوا الأمل بالسعادة. يمكن منح الأمل لأولئك الذين إستبد بهم اليأس”.. ويقول مبتسماً “كنت أعود الى البيت ولدي شعور بأني أنجزت عملاً إنسانياً.. منذ البداية شعرت أن نداء خفيا يدفعني الى القيام بهذا العمل”.
كان عودة يخطط للعمل مرحليا مع “دي آر أم أم” ريثما يحصل على عرض عمل بعائدات أكبر، ولكن عند حصوله على العروض المغرية وجد نفسه متمسكا بعمله الإنساني فقرر الإلتزام بالعمل مع البعثة حتى أصبح مديرها التنفيذي بعد سنوات طويلة من الالتزام.
إنضم عودة الى القسم المالي في “مهمة إنقاذ ديترويت” عام 1997 وترقى سلم المسؤوليات حتى غدا نائبا لرئيس القسم المالي والإدارة. ولاحقاً عين رئيسا لقسم العمليات. وفي عام 2005، تم إختياره ليكون المدير التنفيذي للبعثة. و”مهمة إنقاذ ديترويت” هي منظمة غير ربحية تبلغ ميزانيتها السنوية 22 مليون دولار. وتوفر ما يزيد عن المليون وجبة طعام سنويا للمحتاجين بمعدل 3500 وجبة يومياً، وبزيادة نسبة مئوية قدرها 40 بالمئة عن العام الماضي. إضافة الى إيواء ما يزيد عن 1400 شخص كل ليلة في أمكنة خاصة. وتقديم خدمات للمشردين وعلاجات لمدمني المخدرات والكحول وضحايا العنف المنزلي والسجناء السابقين والمحاربين القدماء وغيرهم.
يعتبر الدكتور عودة سفيرا حقيقيا لأولئك الأشخاص المستغلين والذين لا حيلة لهم، وكان قد خاطب حاكم ولاية ميشيغن ريك سنايدر ومسؤولين منتخبين حول الإقتطاعات التي تضمنتها الميزانية العامة، موضحاً كيف أنها ستفاقم من معاناة الأسر التي تعاني من سوء الحالة المادية أصلا. وزار عودة العاصمة واشنطن ليتكلم بإسم هذه العائلات ويشرح معاناتها لذوي الصلة.
وتحت إدارة الدكتور عودة، أصبحت “دي آر أم أم” هي الأكبر من نوعها في البلاد، وكان ذلك بفضل إيمانه بأنه يمكن تحويل منظمة غير ربحية من مؤسسة عادية الى مؤسسة فعالة جداً. وكانت “دي آر أم أم” قد تأسست في العام 1909 كمطبخ يقدم الحساء للمحتاجين والمشردين في جنوب شرق ميشيغن. ولم يكن مؤسسها ديفيد ستاكي يتوقع أن هذه البعثة سوف تستمر الى ما يزيد عن القرن من الزمان، وأنها ستضم لاحقا مراكز علاج الإدمان وإسكان دائم وعيادات وبرامج تعليمية..
خلال سنوات عمله اجتهد عودة في زيادة التبرعات المقدمة للبعثة بشكل ملحوظ وأرسى دعائم إستقرارها المالي. كما تم إفتتاح مطعم “كورنر ستون بسترو” في مدينة هايلاند بارك في العام 2010، وهو مطعم مكتف ذاتيا. بحيث تقوم البعثة بتدريب وتشغيل العديد من الناس، الذين تحتضنهم وتساعدهم، في هذا المطعم. ويتطلع الدكتور عودة الى إنشاء العديد من الأقسام المستقلة ماليا على غرار مطعم “كورنر ستون بسترو”.
ويرى عودة أنه من السهولة أن يصبح المرء في عداد المشردين خاصة في ظل الأوضاع الإقتصادية المتردية، حيث يعتاش الناس على ما يجنونه أولا بأول، فإذا فقدوا وظائفهم أصبحوا في الشارع لأن ليس لديهم أية مدخرات مالية. كما أن معظم هؤلاء المشردين الذين تخدمهم المنظمة يعانون من مشاكل عقلية ونفسية.
وفي غضون الخمس سنوات الأخيرة، كانت البعثة هي الخيار الأوحد للمعوزين والمحتاجين. ومعظم هؤلاء كانوا يعملون لدى شركات صناعة السيارات الثلاث في المنطقة، ولكنهم فقدوا وظائفهم بسبب الأزمات المالية التي عصفت بالشركات. ويصف عودة الإدمان على الكحول والمخدرات بالمرض، ويشير الى أن ثلاث دراسات بحثية تثبت ذلك. وتمتد مسؤولية عودة على مدار الساعة، فإن وظيفته، بحسب قوله، “تجعله صاحيا طوال الليل، وأنها وظيفة 7/24 لأن الناس اللائذين بالبعثة “يعيشون تحت سقفه” وأن الموت ومواجهته يحدث في كل لحظة”. ويذكر عودة إمرأة عمرها 101 تم طردها من بيتها ولم يكن لديها أي ملجأ يأويها وقد ضمتها البعثة تحت جناحها. “مثل هذه الحوادث تجعلني صاحيا طوال الليل” يقول عودة.
يحوز عودة على شهادة دكتورا، لكن، وفقا له، التعليم الجيد ليس كافيا لمزاولة مثل هذا العمل الذي يتطلب إيمانا وشغفا بالدرجة الأولى إضافة الى الإرادة والصبر والرحمة، وبعد ذلك يأتي الخبرة العلمية والشهادة الجامعية ويقول: “الشغف يأتي في المقدمة، فنحن لا نتعامل مع الناس كأرقام وإنما نتعامل معهم ككائنات بشرية”.
ورسالة عودة الى مجتمعه تقول: “علينا أن لا نتلطى خلف شهادتنا العلمية والمهنية والا أصبحنا مفصولين عن الناس الذين قد تعود لهم الفرصة ليصبحوا مثلنا”. وأضاف: “ويجب أن تكون هذه رسالتنا مع الناس الذين يعانون الإدمان لأن هذه الطريق الأمثل لمساعدتهم. فعلينا أن لا نتعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثانية”.
Leave a Reply