وبجانب القاتل المتسلسل الذي في الجوار، ثمة أيضا قاتل متسلسل في قلب الوطن، يعد ضحاياه بقلب بارد ويلغ بدمائهم كل لحظة. القاتل إياه.. وعلى براعته الدبلوماسية و”حربقته” السياسية وموهبته في إخراج “الشعرة من العجين”، هو نفسه، وبكل إصرار قطع “شعرة معاوية” التي تمثل جوهر السياسة وفلسفتها وواقعيتها..
/
جزء كبير من الغموض والإرباك الذي يصيبنا حيال متابعة قضية ما، الأوضاع السورية مثلا، هو التغطية الإعلامية بكافة أنواعها: المقروءة والمسموعة والمرئية. والسبب في ذلك يكمن في أن الإعلام يقوم أساسا على مبدأ “التغطية”.. التي تعني في المقام الأول الحجب والستر والتستر.. والقص واللصق. وهذا يعني في جملة ما يعنيه، أن كل الوسائل الإعلامية، المؤيدة والمعارضة لقضية ما، الأوضاع السورية مثلا أيضا، تقوم بالشيء ذاته، لا بسبب سوء النية والطوية، لا سمح الله، (!) بل لإن الإعلام يقوم على.. التغطية.
/
لأن الشعر مايزال يعني الكلام عن الحب، والوطنية تعني حفظ الأناشيد المدرسية، والثقافة تعني الانخراط الطويل في الجدال العميق والعقيم حول سؤال البيضة والدجاجة وحول من يأتي من الآخر، والتدين يعني دائما الخوض في الأحاديث الطائفية.. ألخ. لهذا نجد أنفسنا دائما ونحن نستمع إلى شعر عادي عن حب عادي، وننتمي بشكل اعتيادي إلى أوطان عادية، ونأكل بشكل عادي جدا البيض والدجاج.. وطبعا ننخرط جميعاً بشكل عادي في أتون الطائفية!
/
إذا كنا نعرف أن الكاتب والشاعر صموئيل بيكيت قد اخترع مفهوم الكتابة العبثية والمسرح العبثي لأنه لم يستطع أن يفسر دوافع الشخص المجهول الذي هاجمه وطعنه بالسكين في رقبته. وإذا كنا نعرف أن المتنبي قتل بسبب عزة نفسه وبسبب بيت شعر قاله، مع أنه مدح كل من هبّ ودبّ. وإذا كنا نعرف أن وظيفة الضيف في برنامج “الاتجاه المعاكس” هو تحمية الأجواء. فما الذي علينا أن نستنتجه.. سوى القول: تبا!
/
ثم ماذا يعني أن يذهب مارادونا، أعظم لاعب كرة قدم في التاريخ، إلى الخليج العربي من أجل العمل، والسؤال ليس حول الطريقة التي يمضي بها أيامه (مع حفيده) في ارقى فنادق الكوكب، بل في شعوره، وهو يراقب فريقه الذي يخوض مباراة هزيلة للغاية، يضطر بعدها إلى التحدث لكاميرات الصحفيين بابتسامة الظاهر الهزيلة. طبعا التساؤل في هذه الحال عن الأسباب التي تدفع مئات آلاف المصريين والسوريين والهنود والباكستانيين للعمل في تلك البلدان، هو تساؤل نافل، ومن الصعوبة بمكان إيجاد “اللينك” (الرابط).
/
شعبان عبد الرحيم الذي كان يغني لعمرو موسى وضد إسرائيل في شهر العسل المصري الإسرائيلي، والذي كان يغني للرئيس المخلوع حسني مبارك في عز أيام الثورة المصرية.. قد لا يغني (وقد يغني، فلا أحد يعرف) في المستقبل للإخوان المسلمين، وإذا منعه الإخوان من الغناء فلن يهمه “لأن المكوى مازال موجودا” في إشارة إلى استعداده للعودة إلى العمل كمَكوَجي. وربما لن تكون هذه المقدمة مناسبة للقول إن العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، شاغل قلوب العذارى، ورمز المرحلة السياسية الناصرية، كان يغني في أعراس شيوخ الخليج، وبينهم شيوخ من درجات ثالثة ورابعة..
/
لسبب ما.. يبقى إشعال عود ثقاب أجمل من إشعال ولاعة!
Leave a Reply