بغداد – بسرعة قياسية انفضت القمة العربية الـ23 في بغداد، التي كان أبرز ما لفت الأنظار فيها خفوت الصوت القطري والسعودي ودعوة البيان الختامي إلى حوار بين الحكومة السورية والمعارضة اللتين طلب منهما التجاوب مع مهمة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان. ووسط غياب كل قادة الخليج، باستثناء أمير الكويت. اختتمت قمة الخميس الماضي بسلام، وودّعت بغداد الزعماء العرب التسعة (فقط) من ضيوفها الى جانب ممثلي الدول الاخرى من وزراء أو مندوبين. لكن ذلك لم يمنع القمة التي انعقدت لساعات قليلة، أن تخرج بمقررات الى جانب “اعلان”، يحاول الايحاء بالاتفاق على ما طرح من قضايا، لعل ابرزها كما كان متوقعاً، الازمة السورية.
ومع هيمنة الازمة السورية على اجتماع الساعات القليلة في “المنطقة الخضراء” في بغداد، وبحراسة قل نظيرها في حجم القوات الامنية والعسكرية المشاركة فيها، ظهرت فلسطين بشكل خجول في الكلمات التي ألقيت وفي البيان الختامي! كما تناولت كلمات زعماء الدول قضايا أخرى، مثل القضية الفلسطينية وموضوع الصومال واليمن، والخلاف بين السودان ودولة جنوب السودان، والعمل العربي المشترك وسط تغييب للأزمة البحرينية.
ولعل الخبر السعيد كان بالنسبة الى السلطات العراقية، التي تمكنت من إنجاز القمة رغم المصاعب الأمنية، الحضور “التاريخي” لأمير الكويت الشيخ صباح الاحمد الصباح في زيارة هي الاولى من نوعها منذ اكثر من عقدين، في ما يبعث التفاؤل بإمكانية طي صفحة غزو الكويت قبل 22 سنة.
وشارك في القمة تسعة زعماء عرب هم: أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، ورؤساء لبنان ميشال سليمان، وفلسطين محمود عباس، وجيبوتي إسماعيل عمر غيلة، والسودان عمر حسن البشير، وتونس محمد منصف المرزوقي، وجزر القمر إكليل ظنين، والصومال شيخ شريف شيخ احمد، ورئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل. ومثل الدول العربية الأخرى وزراء وسفراء ومندوبون. كما حضر القمة الأمين العام للأمم المتحد بان كي مون والامين العام للبرلمان العربي نور الدين بوشكوج والأمين العام للمؤتمر الإسلامي إكمال الدين إحسان أوغلي.
وسلم عبد الجليل الرئاسة الدورية للقمة إلى الرئيس العراقي جلال الطالباني ليصبح أول كردي يتولى رئاسة القمة العربية.
الى ذلك، حذر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، أمام المشاركين في القمة، من أن “خيار تزويد طرفي الصراع (في سوريا) بالسلاح سيؤدي إلى حروب بالإنابة، إقليمية ودولية، على الساحة السورية”.
وفي ظل تغييب سوريا عن القمة، أعلن غالبية المتحدثين دعمهم لمهمة أنان. ورأى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن “النزاع في سوريا قد يشكل خطراً على المنطقة”، داعياً “المعارضة إلى التعاون مع الممثل الدولي”. كما دعا أمير الكويت “الحكومة السورية إلى الإصغاء إلى لغة العقل والحكمة ووقف كل أشكال العنف ضد شعبها”. وتجنب المندوب السعودي احمد قطان الحديث عن الأزمة السورية، وأكد أن “أحد أهم وأكبر التحديات التي تواجه العالم العربي في الوقت الراهن هو التحدي الاقتصادي”.
وطالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خلال مؤتمر القمة، “بإعادة القدس إلى صدارة العمل العربي في كل المجالات، ولتكون القدس عنواناً مركزياً وأساسياً في علاقاتنا كعرب مع جميع دول العالم”. وانتقد فتاوى وآراء تحريم زيارة القدس. وقال “ليس هناك نصوص لا في القرآن ولا في السنة ولم يحصل في التاريخ أن أحداً أو مفتياً من المفتين أو قاضياً من القضاة أو رجل دين حرم زيارة القدس، التي وقعت تحت احتلالات كثيرة ولم يأت شخص يقول حرام عليكم زيارة القدس، منذ أن قام الرسول (ص) بالإسراء للقدس وبالصلاة بكل الأنبياء في القدس إلى الاحتلال البريطاني لم يأت شخص ليقول هذا حرام وهذا حلال، الآن هو وقت دعم القدس بصرف النظر عن وجود احتلال أو عدم وجود الاحتلال”.
وأكد القادة، في القرار الخاص بسوريا، “موقفهم الثابت للحفاظ على وحدة سوريا واستقرارها وسلامتها الإقليمية وتجنيبها أي تدخل عسكري”. وطالبوا “الحكومة السورية بالوقف الفوري لكافة أعمال العنف والقتل، وحماية المدنيين السوريين، وضمان حرية التظاهرات السلمية لتحقيق مطالب الشعب السوري في الإصلاح والتغيير المنشود، والإطلاق الفوري لسراح كافة الموقوفين في هذه الأحداث، وسحب القوات العسكرية والمظاهر المسلحة من المدن والقرى السورية وإعادة هذه القوات إلى ثكناتها من دون أي تأخير”.
وأدانوا “الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في حق المدنيين السوريين، واعتبار مجزرة بابا عمرو المقترفة من الأجهزة الأمنية والعسكرية السورية ضد المدنيين جريمة ترقى إلى الجرائم ضد الإنسانية، وتتطلب مساءلة المسؤولين عن ارتكابها وعدم إفلاتهم من العقاب والتحذير من مغبة تكرار مثل هذه الجريمة في مناطق أخرى في سوريا”. كما طالبوا “الحكومة السورية بالسماح بالدخول الفوري لمنظمات الإغاثة العربية والدولية”.
وشددوا على “تنفيذ خطة الحل العربية للأزمة السورية التي تقوم على جملة القرارات الصادرة عن مجلس الجامعة كوحدة متكاملة من دون تجزئة، مع التعبير عن بالغ الأسى والأسف لما أحدثه إصرار الحكومة السورية على الحل العسكري والإمعان في القتل وما خلفه ذلك من آلاف الضحايا والجرحى والاعتقالات وتدمير للقرى والمدن الآمنة”. ورحبوا “بمهمة أنان ونائبه ناصر القدوة لقيادة العملية السياسية نحو إيجاد حل للأزمة السورية والانتقال السلمي إلى حياة ديموقراطية في سوريا، وذلك وفقا للتفويض الممنوح للمبعوث المشترك بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة وقرارات جامعة الدول العربية، ودعوة الحكومة السورية وكافة أطياف المعارضة إلى التعامل الايجابي مع المبعوث المشترك ببدء حوار وطني جاد يقوم على خطة الحل التي طرحتها الجامعة وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، والترحيب بالبيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن القاضي بدعم مهمة الوسيط المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية”.
وأيد “إعلان بغداد” الذي صدر في ختام القمة “التمسك بالحل السياسي والحوار الوطني ورفض التدخل الأجنبي ودعم مهمة انان”. وشدد على “ضرورة التنفيذ الفوري والكامل” لهذه الخطة.
وطالب الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري في ختام القمة، دمشق بتطبيق خطة انان المكونة من ست نقاط “بالكامل وفوراً”. وشدد على أن “الطابة في ملعب سوريا وعليهم أن يتحركوا إيجاباً، وما يحدث بعد ذلك سيقرره مجلس الأمن”، مضيفاً إن “المسار السياسي يأخذ بعض الوقت، وهذا طبيعي لكن المطلوب وقف نزيف الدم”.
Leave a Reply