عاشت في ديربورن لسنوات وقتلت بعد أسابيع من انتقالها مع عائلتها للعيش في كاليفورنيا
إل كاجون، ديربورن – خاص “صدى الوطن”
استيقظت أميركا مطلع الأسبوع الماضي على تفاعلات جريمتي قتل بشعتين اقترفتا بدافع العنصرية والكراهية. وكان ضحية الأولى مراهق أسود في فلوريدا (تفاصيل صفحة ١٣) والثانية عراقية مهاجرة في كاليفورنيا قتلت بوحشية.
وإذا كان مقتل المراهق في فلوريدا اكتسب ضجة وتغطية إعلامية واسعة وسط غضب الأفارقة الأميركيين في كافة أنحاء البلاد، فإن جريمة قتل العراقية شيماء العوادي في مدينة إل كاجون، على بشاعتها، لم تحظ بالاهتمام نفسه على الأقل في الإعلام الأميركي، لكن ذلك لم يمنع العديد من الأميركيين من إبداء غضبهم تجاه الجريمة النكراء التي ما هي إلا نتيجة لتفشي “الإسلاموفوبيا” في الولايات المتحدة.
ديربورن، التي قطنتها العوادي لفترة طويلة قبل انتقالها الى كاليفورنيا، شاركت في عدة فعاليات استنكاراً للجريمة العنصرية التي وقعت الأربعاء قبل الماضي، والتي كان الحجاب الإسلامي أحد أبرز دوافعها.
وإذا علق بعض الإعلام اليميني في أميركا جريمة مقتل المراهق الأسود في فلوريدا على شماعة “الهودي” (كنزة مع قبعة) في محاولة لنفي أن تكون الجريمة مدفوعة بأسباب عنصرية، فإن مقتل العوادي كان واضحا وصريحا: شيماء قتلت لأنها محجبة ومسلمة.
فقد هاجمت أيدٍ مجهولة امرأة عراقية-أميركية تُدعى شيماء العوادي (32 عاما وأم لخمسة أطفال) في منزلها في إل كاجون، منطقة تركز العراقيين في مقاطعة سان دييغو، وانهالت عليها بالضرب المبرّح حتى الموت. وبدا واضحا أن الدافع لهذه الجريمة هو الكراهية العنصرية والدينية، فقط لأنها كانت ترتدي الحجاب.
الاعتداء على العوادي كان صباح الأربعاء قبل الماضي حيث هاجمها مجهول بمفك للبراغي فهشّم رأسها . المعتدي تركها مغمى عليها ومكوّمة في غرفة الطعام بمنزلها المكون من طابقين، وبجوار نزفها رمى ورقة كتب فيها عبارة واحدة من قاموس العنصريين: “عودي إلى بلادك يا إرهابية”.
لم يكن في البيت ذلك الصباح إلا الضحية، شيماء العوادي، ومعها فاطمة، كبرى أبنائها الخمسة التي كانت لا تزال نائمة في الطابق العلوي من البيت الواقع في منطقة إل كاجون بمقاطعة سان دييغو في جنوب كاليفورنيا، حين فاجأ كاره العرب والدتها وعاجلها بضربات سريعة ومتتالية ارتمت إثرها شبه مصروعة على الأرض. أما الزوج، وهو عراقي أيضا واسمه قاسم الأحمدي، فكان خارج المنزل ينقل أولاده الأربعة بسيارته إلى مدارسهم.
هكذا تصبح قطع معيّنة من الملبس (الهودي في حالة مراهق فلوريدا والحجاب في حالة العوادي) رموزًا اجتماعية وسياسية ومدعاة لقتل صاحبها. وبينما تنكبّ السلطات الأمنية الفدرالية على دراسة الأبعاد العنصرية المتصلة بمقتل المراهق في فلوريدا، و”تحديد” ما إن كان مقتل العوادي كراهية دينية أو عرقية، يسود الأقليات إحساس بأن اختلاف اللون والعقيدة والثقافة هاجس لا يزال يصول ويجول في شوارع أميركا.
من ناحيته، أعلن “مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية” (كير) أن جثة العوادي، نقلت إلى العراق للمضي بإجراءات الجنازة والدفن، بعد حادث الضرب المبرح الذي قضت بسببه.
وتوفيت العوادي، متأثرة بجراحها، بعد نزع أجهزة دعم الحياة عنها، إثر تعرضها للضرب داخل منزلها.
وظلت العوادي على قيد الحياة بالاعتماد على أجهزة دعم الحياة، منذ أن وجدتها ابنتها ملقاة على الأرض داخل منزل العائلة، وإلى جانبها رسالة تحث على الكراهية العنصرية.
ولم تكشف شرطة الولاية عن مضمون الرسالة، إلا أن ابنة الضحية، فاطمة الأحمدي، 17 عاماً، قالت إنها تحتوي على كلمات كره، ودعوات وتهديدات للعودة إلى دولتهم، بالإضافة إلى كلمات عنصرية وتبين أنها قالت “عودي إلى بلادك أيتها الإرهابية!”.
وقالت الأحمدي، “لم تكن هذه هي الرسالة الأولى التي نتلقاها، فقبل أسبوع وجدنا رسالة على باب المنزل، جاء فيها: هذه دولتنا وليست دولتكم أيها الإرهابيون”.
وأضافت الابنة “لم تأخذ أمي الرسالة على محمل الجد، حيث اعتقدت أنها مرسلة من قبل أطفال يلهون، وفي نفس اليوم وجدنا رسالة أخرى جاء فيها نفس العبارات التي جرحت مشاعر والدتي، إلا أنها لم تعلق على الموضوع”. وكانت الأحمدي عثرت على والدتها فاقدة الوعي في صالون منزل الاسرة، يوم الأربعاء قبل الماضي، قبل أن توافي المنية العوادي يوم السبت الماضي.
واشنطن تستنكر
من جهتها، دانت وزارة الخارجية الاميركية، الاثنين الماضي، مقتل العوادي مشيرة الى أن تحقيقا قد فتح لتسليط الضوء على هذا العمل الذي اعتبرته عائلة الضحية عنصرياً.
وقالت المتحدثة باسم الوزارة فيكتوريا نولاند “نقدم تعازينا الحارة للعائلة ولأصدقاء شيماء العوادي”.
وأضافت نولاند أن تحقيقا قد فتح لتسليط الضوء على “كل أسباب هذه الجريمة الرهيبة وللعمل على احالة المسؤولين الى القضاء”. وأكدت ان “السلطات تسعى لتفهم دوافع المعتدين”، مضيفة ان الولايات المتحدة “لن تسامح أبدا هذا النوع من اعمال العنف المجاني”.
حزن في ميشيغن
وعبر الحزن أميركا بعرضها من كاليفورنيا الى ميشيغن، حيث أصدقاء العوادي ومعارفها في الولاية، التي هاجرت إليها في 1995، عام زواجها، وهي بعمر 15 سنة من العراق، وفيها عاشت 17 عاما تقريبا، وفيها ولد أبناؤها الخمسة، إلى أن قررت العائلة منذ أسابيع قليلة الانتقال للإقامة في إل كاجون.
وتلقت الجالية العربية بأسى بالغ نبأ مقتل العوادي التي كانت تقطن ديربورن.
وقد أقامت الجالية أسبوع عزاء للضحية في “مركز كربلاء الإسلامي” في مدينة ديربورن، أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس الماضية، ومن المقرر أن تنظم مظاهرة استنكار وشجب للجريمة البشعة، أمام المبنى البلدي لمدينة ديربورن، الساعة 3 عصرا، من يوم الجمعة (يوم صدور العدد). وتوجد لافتة كبيرة معلقة على مدخل “مركز كربلاء” تدعو أبناء الجالية العربية للمشاركة في الوقفة الاستنكارية تضامنا مع عائلة الضحية.
وقال لؤي الموسوي، وهو أحد أقارب الضحية المشاركين في العزاء: “لقد غادرنا العراق لننجو من الإرهابيين، ولكننا وجدنا أنفسنا نعيش هنا في أجواء من الخوف والتوجس”. وأضاف في لقاء مع “صدى الوطن” أنه تلقى اتصالات من أقاربهم في العراق، تسأل بحزن واستغراب “عن حقيقة ما جرى”.
بدوره، ابن الموسوي الذي لم يتجاوز الـ12 عاما، يدرك “مناخ الكراهية الذي يحيط بالمسلمين في أميركا”. وفي هذا السياق قال الأب: “أشعر بالسوء البالغ، إنني أخاف على مستقبل أولادي هنا، واشعر بالقلق من مجرد ذهابهم إلى المتجر المجاور”.
من ناحيته، قال إمام “مركز كربلاء” الشيخ هشام الحسيني إنه يعرف عائلة الضحية، وكان قد التقاها أول مرة منتصف التسعينات حين قدمت العائلة مهاجرة من العراق، وأضاف: “إنني أعرف والد شيماء الذي خدم كرجل دين في هذا المركز، وأتذكر تلك اللحظة التي قابلت فيها شيماء مع عائلتها”. ووصف الحسيني عائلة الضحية بـ”المحافظة والمسالمة”.
وتساءل الحسيني عن الضجة الإعلامية اللافتة التي استقطبتها جريمة قتل المراهق الافريقي الأميركي ترايفون مارتين في ولاية فلوريدا من قبل “مراقب الحي”، وقال “إن جريمة مقتل مارتن استقطبت انتباه الرئيس باراك أوباما نفسه، وتحدث حولها إلى المواطنين الأميركيين”. وأضاف: “إننا نتوقع من الرئيس أوباما أن ينخرط وأن يتكلم حول هذه الجريمة التي ذهبت ضحيتها امرأة من الأقليات”.
وأشار الحسيني إلى تكرار حالات الكراهية والعداء، مثل “حرق القرآن والتبول على جثث المسلمين من شأنها أن تدمر جسور التواصل والحوار بين المجتمعات، وكإمام مركز إسلامي أقول إن الناس لا يشعرون بالأمان بسبب تعميق التوتر”. وختم “مع جريمة من هذا النوع سوف يزداد التوتر وجاليتنا لا تشعر بالأمان والراحة بوجود هذه الحالات من الكراهية والاستعداء، وهذا شيء مؤلم ومؤسف للغاية”.
Leave a Reply