كانت الأخت الكبرى لخمس شقيقات في عائلة يكافح الوالد فيها لتوفير الحياة. وأم متعلمة كادحة تؤمن مطالب البنات وزوجها وترطيب الحياة الجافة في الحي الفقير، برج حمود، في بيروت قبل اندلاع الحرب الأهلية.
كانت تنظر حولها في الجامعة فتجد من ترتدي كل يوم فستانا وتأتي بسيارة والدها بينما هي تلبس الفستان نفسه. ولاعتزازها الشديد بجمالها تعلقت روحها بحلم الزواج من رجل ثري، يغنيها عن التفكير في المال باستمرار.
مضت في طريقها بإصرار، وصدت محاولات أي شاب حاول التودد إليها وقست بشدة على شاب كان يعاني بوضوح من حبه لها، وقالت له بصراحة: إنه لا يرضي طموحها وارتباطها به لا يبشر إلا بالعناء والحمل والهم.
بعد التخرج من الجامعة، تزوجت صديقتها من شاب يطفح ثراء ووجاهة وسافرت معه الى أميركا، فيما كانت هي على وشك أن تبدأ عملها في وظيفة عالية، عندما اشتعلت الحرب في بيروت واضطرت مع عائلتها للهروب الى منطقة أخرى في لبنان.
تفاعلت العائلة مع الوضع الجديد. واشتغلت هي لعدة سنوات، رفضت خلالها أكثر من عريس. غضب أبوها وثارت أمها عليها، كانت في قرارة نفسها تعلم أن الأغنياء لا يتزوجون إلا من هم في مستواهم أو أغنى منهم وأدركت وهي على مشارف الثلاثين أنها تحكم على نفسها بالوحدة اذا استمرت برفضها للعديد من فرص الزواج المعقولة، وساء موقفها بعد زواج أخواتها وخطوبة أختها الصغرى التي كانت مقدمة على الزواج من شاب عادي أحبته وأحبها.
أخيرا، رضخت كارهةً، تحت إلحاح الأهل، للزواج من شاب من أسرة طيبة وظروفه أفضل من ظروف كل أزواج أخواتها، لكنه لم يكن الفارس الثري المنتظر. بدأت حياتها الزوجية بعين السخط وعدم الرضى.
مضت خمس سنوات وأنجبت ولدا وبنتا. تقدم زوجها في عمله واستمرت هي في عملها، وبالرغم من كل ذلك ضاقت ظروف حياتها ونفقات الطفلين وتكاليف الحياة وقلة الأمن والأمان في لبنان، وشاء القدر أن يفوز زوجها بعقد عمل في إحدى جامعات أميركا. وكان السفر..
رغم مساوئ الغربة وهموم الزوج الثقيلة وكفاحه في حياته الجديدة، لم تقصّر هي في إشعاره أنه، ومنذ البداية، لم يكن هو طموحها الذي تطلعت إليه وهي طالبة بالجامعة، وبأنه لم يحقق لها ما كانت ترغبه وتتمناه لنفسها من حياة مرفهة ومريحة.
كان زوجها يحزن بصمت ولا يخطئ في حقها أبدا، بل بالعكس كان يفاجئها في أية مناسبة بهدية ثمينة أو مالا حصل عليه من عمل إضافي أو “بونص”، وكل ذلك لكي ترضى وتكف عن التذمر والشكوى من ضيق الحال.
في عيد ميلادها فاجأها زوجها ببطاقة لناد رياضي راق، ليس بعيدا عن سكنهما. فوجدت متنفساً في ممارسة الرياضة.
في إحدى المرات، جمعتها المصادفة في قاعة النادي مع صديقتها، من أيام بيروت. كانت مفاجأة للاثنتين. لكن من البداية شعرت بغيرة مريرة من أناقة صديقتها وملابسها الغالية وملابس ولديها. وذات يوم وبطريقة عابرة سألتها عن ثمن فستان جميل ترتديه، فعرفت أنه يساوي نصف راتب زوجها في شهر. وفي المساء حكت لزوجها القصة وأسمعته موشحاً ساخراً، ولأول مرة رد حانقاً أنه لا يعرف ماذا يفعل لكي يرضيها!!
يتبع…
Leave a Reply