كريغ مونتيل تحول الى فاروق عزيز.. “مسلم متطرف” يريد “الجهاد”
لوس أنجلوس – خاص “صدى الوطن”
لم يتردد المخبر كريغ مونتيل، الذي عمل لصالح مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي)، في ممارسة الجنس مع مسلمة استهدفها الجهاز الأمني الأميركي في كاليفورنيا بعد موافقة مسؤوليه، بل لم يتوان مونتيل عن تسجيل حديثهما في السرير.
قال مشغلوه في الـ”أف بي آي”، “إذا كان ذلك يعزز مهمتك الاستخباراتية أقم علاقات جنسية”، “وهكذا فعلت” قال مونتيل في لقاء صحفي هو الأول من نوعه بعد عدة سنوات من عمله لصالح الـ”أف بي آي”.
هذا جزء يسير مما كشفه مونتيل لصحيفة “الغارديان” البريطانية في آذار (مارس) الماضي، ضمن تفاصيل المهمة السرية التي أوكلت اليه في اختراق المجتمعات المسلمة الأميركية في جنوب كاليفورنيا ومن ضمنها تجاوزات انتهجها المكتب في استهدافها والتي توصف باللاأخلاقية.
مونتيل كشف عدة تفاصيل مفاجئة، في حوار مطول مع صحيفة “الغارديان”، حيث تظاهر أنه مسلم متشدد لينجح في القضاء على “التهديدات المحتملة” واختراق المساجد الموجودة في جنوب كاليفورنيا. وقال في مستهل حديثه إنه لم يحبط حين أجاز له مسؤولو الـ”أف بي آي” ممارسة الجنس مع نساء مسلمات أثناء قيامه بعمليته السرية التي كانت تستهدفهن.
ومن جهتها، قالت “الغارديان”، في هذا الصدد، إن تلك الاعترافات جاءت بمثابة الصدمة لأجهزة المراقبة الاستخباراتية الخاصة بالمجتمعات المسلمة داخل الولايات المتحدة خلال السنوات التي تلت هجمات 11 أيلول (سبتمبر) عام 2001.
وأضافت الصحيفة أن مونتيل تم استدعاؤه للمشاركة في واحدة من أكثر الأساليب التكتيكية إثارةً للجدل والتي تتمثل في استخدام “المخبرين السريين” بتلك القضايا التي يطلق عليها “قضايا الأفخاخ”. وفيها يقوم المخبرون السريون بإقناع أشخاص مشتبه بهم بتنفيذ أو تدبير “هجمات إرهابية” تحت الاشراف المباشر لمخبري الـ”زف بي آي”، وغالباً ما يكون لهؤلاء المخبرين سجلات جنائية خطيرة أو متوافر لديهم حوافز مالية.
وهذا الأمر، حدا بجماعات إسلامية منوطة بالحقوق المدنية إلى التساؤل عما إن كانت مجتمعاتهم تتعرض لمعاملة غير منصفة في لعبة تجسس مزورة ضدهم. وهنا، قال مونتيل “هذا ما كان يحدث بالضبط. فالطريقة التي كان يُسيِّر من خلالها الـ”أف بي آي” عملياته كانت ترتكز على الأفخاخ .. وكنت أعلم اللعبة، وأعلم الآليات التي تتم من خلالها. إنها نكتة، نكتة حقيقية. فلم يكن هناك تعقب حقيقي. والأمور كلها كانت مرتبة”.
لكن مونتيل عبر عن ندمه لاشتراكه في مثل هذا المخطط الذي أطلق عليه “عملية فليكس”، لافتاً إلى أن الـ”أف بي آي” كان يضطر للاعتذار علانيةً إذا لم تكلل جهوده بالنجاح في مساعيه الرامية للقضاء على المتشددين الإسلاميين في كاليفورنيا.
وتابعت الصحيفة بلفتها إلى أن المسؤولين في الـ”أف بي آي” كانوا يطلبون من مونتيل موالاة المسلمين وتسجيل محادثاتهم، على أن يعود بكل ما لديه من معلومات مرة أخرى إلى المكتب الذي كان يطلب منه أن يتصرف باعتباره مسلما متشددا لكي يجذب متعاطفين إسلاميين إلى جانبه. وأعقبت الصحيفة بإشارتها إلى أن مونتيل لم يكن يبدو كجاسوس، نظراً لما كان يتمتع به من سمات شخصية.
وأضاف مونتيل أن المسؤولين طلبوا منه في الأخير أن يعمل في مكافحة الإرهاب، وهو ما جعله يمضي ليعمل مع اثنين من مسؤولي المكتب هما كيفن أرمسترونغ وبول ألين.
وبعد أن تحدث باستفاضة عن الطريقة التي نجح من خلاها في التوغل داخل صفوف المسلمين، عبر تواجده في مساجد مختلفة بكاليفورنيا، لفت مونتيل إلى أنه نجح أيضاً في تكوين علاقات وطيدة مع البعض من خلال حديثه عن الجهاد والاستشهاد. وتابع بلفته إلى وجود هدفين للـ”أف بي آي” هما الكشف عن المتشددين المحتملين واستخدام أي معلومات يكتشفها مونتيل في تحويل المستَهدَفين إلى عملاء للمكتب. وأكدت “الغارديان” في الختام أن مونتيل انضم الآن إلى تلك الدعوى القضائية التي رفعها “اتحاد الحريات المدنية الأميركي” ضد “أف بي آي” بشأن الطريقة غير المنصفة التي استهدف من خلالها المسلمين في كاليفورنيا.
فبركات وألاعيب.. وإغراءات
ونددت منظمات حقوقية ومدنية في ما أسمته “حملة واسعة النطاق شنتها اجهزة الاستخبارات الاميركية ضد المسلمين في ارجاء الولايات المتحدة في أعقاب أحداث “11 أيلول”، ضمن ما اعتبرته قيادات للشرطة والـ”أف بي آي” بأنه “وسيلة لحماية أميركا من التعرض لهجمات ارهابية”، في حين وصفتها جماعات الدفاع عن الحقوق المدنية بانها “أعمال مفرطة في القسوة موجهة لاتباع ديانة معينة اعتبروا جميعاً مشبوهين”.
ووصفت الجهات الحقوقية، في السياق ذاته، مهمة مونتيل بأنها واحدة من “الأشرس” في تكتيكاتها المثيرة للجدل، والتي اعتمدت على استخدام مخبرين سريين لنصب الكمائن والايقاع بالضحايا، وهؤلاء المخبرون عادة ما يكونون من اصحاب السوابق الجرمية أو يمطرون بالمال لاستهداف مشبوهين وتوريطهم في عمل إرهابي.
ومن هذه الأساليب والكمائن، هناك قضية “أربعة نيوبيرغ”، والتي ادين فيها اربعة أشخاص بتهمة الضلوع في التخطيط لهجوم إرهابي مفبرك على أهداف يهودية في منطقة برونكس في نيويورك، حيث عرض مخبر سري على أحد الأشخاص المستهدفين مبلغ 250 الف دولار نقداً وقضاء رحلة والحصول على سيارة، في مقابل القيام بالهجوم الوهمي، فوافق الرجل ليجد نفسه وقع في كمين للـ”أف بي آي”.
وكذلك قضية “خمسة فورت ديكس” والتي تستند الى التخطيط لهجوم وهمي على قاعدة عسكرية في نيوجرسي. وتبين في تلك القضية أن أحد المخبرين متهم بمحاولة قتل، فيما اعترف آخر في المحكمة ان اثنين على الأقل من المدعى عليهم، كانا قد سجنا لاحقاً مدى الحياة، لم يكن لهما علم على الاطلاق بالمخطط الإرهابي.
مثل هذه الأعمال دفعت جماعات مدافعة عن الحقوق المدنية للمسلمين الى السؤال ما اذا كانت الجاليات المسلمة استهدفت ظلماً في لعبة التجسس، لكن مونتيل أكد صدق ما تعرض له المسلمون من استهداف في أميركا، حيث قال “كل ما يفعله “أف بي أي” هو نصب الكمائن، فانا أعرف اللعبة، وأعرف آلياتها، إنها بمثابة نكتة، ونكتة حقيقية. فليس هناك من صيد حقيقي، انه صيد مرتب”.
“عملية فليكس” الفاشلة
كريغ مونتيل الذي تحول الى فاروق عزيز
تبدو قصة مونتيل وكأنها حكاية مبهجة، حيث عمل تحت أمرة ضابطين في “أف بي أي”، أحدهما وضع مواصفات الشخصية الوهمية التي سيلعبها مونتيل، فهو فرنسي من أصل سوري، واسمه فاروق عزيز، ومنذ تلك اللحظة في العام 2006، بدأ مونتيل بشخصيته الجديدة يتردد على المساجد في مقاطعة أورانج الواقعة جنوب لوس أنجلوس وتظاهر باعتناقه للإسلام، وقد أوكلت له مهمة إقامة الصداقات مع مسلمين وتسجيل أحاديثهم ومن ثم إرسالها لـ”أف بي أي” حيث أبلغ بضرورة التظاهر بأنه مسلم متشدد بهدف الايقاع بالمتعاطفين معه.
والطريف في قصة مونتيل إنه لاحقاً أغضب المسلمين في مقاطعة أورانج لدرجة الابلاغ عنه لـ”أف بي أي” دون علمهم أنه كان مخبراً سرياً لهم. لم يكن يبدو على مونتيل أنه جاسوس، فهو ممتلىء الجسم وحديثه طلي وصدوق، عمره 49 عاماً لكنه يبدو أصغر من سنه، يقيم في منزل صغير في ايرفاين، لكن الحقيقة أنه جاسوس عرف لعبة الجاسوسية بحق.
وكان دخل هذه اللعبة بعد تعرفه على مجموعة ضباط خارج الدوام التقاهم في قاعة “الجيم”، وأخبرهم أنه أمضى وقتاً في سجن “شينو” بجريمة الاحتيال في شيكات بنكية، وانه كان خارجاً لتوه من محنة الطلاق من زوجته، وأخبرهم أنه أصبح مخبراً سرياً في قضايا المخدرات والجرائم، وحينها طلب منهم مساعدته ليصبح مخبراً سرياً في عالم الإرهاب، ليتم تقديمه الى اثنين من “أف بي أي” وهما كفين آرمسترونغ وبول الين، وهذان حددا المهمة والإسم المستعار الذي منحاه لمونتيل لاختراق المسلمين في المساجد في مقاطعة أورانج، حيث بدأ بزيارتها واحداً تلو آخر، قاضيا أيامه في الصلاة وقراءة الكتب وهدفه دوماً التحدث مع أكبر عدد من المسلمين.
قال مونتيل في حديثه مع “الغارديان” “بدأت ارتدي الثوب الاسلامي والقبعة وغطاء الرأس وبدأت أطلق لحيتي، وبعد 3 – 4 شهور قال لي رؤسائي من “أف بي أي”: هذا جيد، ابدأ الآن بطرح الاسئلة” التي كانت تتركز لمعرفة المتطرفين. أصبح مونتيل يعبر عن آرائه تجاه مسألة الجهاد، والسبل الواجب أن يتبعها المسلمون لمقاومة الظلم في العالم خاصة في مواجهة سياسة أميركا الخارجية. وتحدث عن سبل الوصول للأسلحة ورغبته في الشهادة، كل ذلك في محاولة لنصب الكمائن عبر تسجيل عبارات متطرفة من بعض المسلمين، مركزاً في ذلك على كلمة “الجهاد”.
وفي أساليب مماثلة كتلك التي يلعبها جيمس بوند في أفلامه، قال مونتيل أنه لجأ احياناً الى زرع كاميرا فيديو صغيرة في ياقة قميصه، وأحياناً أخرى زرع مسجلاً في سلسلة مفاتيحه، وكان يعمد الى نسيانها في المكاتب والغرف داخل المساجد التي يذهب اليها بأمل تسجيل الأحاديث أثناء غيابه، لدرجة أن الكثيرين اعتبرونها عادة عنده نسيان سلسلة مفاتيحه في كل مكان يذهب اليه، وكانت تلك التسجيلات تذهب اسبوعياً الى “أف بي أي”، علاوة على لقائه بهم مرة كل شهرين في غرفة بأحد الفنادق بالقرب من مدينة آنهايم لتداول مزيد من الاخبار والمناقشات، حتى أنه كان يُطلب منه الاطلاع على شبكة المعارف بين المسلمين في المساجد.
وقال مونتيل إن “أف بي أي” كان له هدفان: الكشف عن أفراد إرهابيين محتملين ومعرفة اسرار بعض المسلمين مثل اتجاهاتهم الجنسية واستخدامها في تجنيدهم كمخبرين سريين، علاوة على السماح له بمضاجعة نساء مسلمات لتحقيق الأهداف.
في إحدى اللقاءات بغرفة في فندق، شرح آرمسترونغ لمونتيل طريقة “أف بي أي” في مقاربة الـ”عملية فليكس” وأية أمور متعلقة بالحقوق المدنية، قائلاً ببساطة “كفين آرمسترونغ هو الرب” في إشارة له الى ضرورة الالتزام بكل التعليمات، في مقابل ذلك كان مونتيل يعتبر نفسه محمياً، برغم انه مدان سابق وتحت المراقبة، إلا أن احداً لم يكن بامكانه المساس به.
وقال مونتيل “قالوا لي أني محمي”، لكنه أقر أن عمله كمخبر سري لم يكن سهلاً فقد كان يباشر عمله من الساعة 4 صباحاً ولغاية 9:30 مساء، مؤكداً انه في تلك الفترة اختفى من حياته كريغ (اسمه الأصلي) وحل محله فاروق، وكان يتقاضى رواتب ومكافآت عالية أكثر من 11 الف دولار شهرياً، لكنه اعترف ان مقولة كونه محمياً كانت خاطئة، فقد انتهى به المطاف الى إبلاغ المسلمين في مساجد مقاطعة أورانج الـ”أف بي أي” عنه واتهموه بأنه مسلم متطرف وخطير، حسب الشكوى المقدمة ضده، الأمر الذي كان بمثابة إعلان موت “عملية فليكس” وسقوط شخصية فاروق عزيز.
وصدر بحق مونتيل أمر في العام 2007 بضرورة عدم الاقتراب من “مركز ايرفاين الاسلامي”، وبذلك أحبطت “عملية فليكس” وكان على مونتيل التخلي عن شخصية فاروق عزيز، لكن القصة لم تنته عند هذا الحد، فقد رفع مونتيل قضية ضد “أف بي أي” نظراً للطريقة التي عومل بها، متهماً اياهم بالتخلي عنه لحظة انتهاء “عملية فليكس”. ومن ثم أدخل السجن على إثر ادعاء شرطة إيرفاين باحتياله على امرأتين. وأصبحت هوية مونتيل مفضوحة رسمياً عام 2009 حين قدم “أف بي أي” أحمد نيازي، وهو مهاجر أفغاني في مقاطعة أورانج الى المحكمة، واشتملت الأدلة على تسجيلات سرية، بينها قوله إن “أسامة بن لادن ملاك”، وكان ذلك ثمرة عمل مونتيل الذي كشف ساعتها عن شخصية عزيز، وقال في شهادته أن “أف بي أي” حاول ابتزاز نيازي لتجنيده مخبراً سرياً ولاحقاً اسقطت التهم الموجهة له.
الآن انضم مونتيل لقضية رفعها “اتحاد الحريات المدنية الأميركي” ضد “أف بي أي” نيابة عن المسلمين في مقاطعة أورانج. في معظم حالات تجنيد مخبرين سريين كان هؤلاء يختفون بمجرد انتهاء مهامهم، لكن مونتيل فضح الاعيب “أف بي أي” في استهدافهم لمسلمي أميركا، ولم يعد هؤلاء يأمنون جانب “أف بي أي” من الآن فصاعداً.
Leave a Reply