هو فنان من الزمن الجميل، يوم كانت الأغاني تحمل معانٍ والألحان وقعها على النفوس عميق. بدأ الفنان الكبير وليد توفيق مسيرته الفنية في السبعينات وإستمرت عطاءاته المتميزة في الغناء والتلحين والتمثيل الى يومنا هذا، وهو يقدم أعمالا فنية تنافس زحمة المطربين وتفرض وجودها الجماهيري على الساحة الفنية. هو الفنان العربي الذي لا يؤمن بالحدود الإقليمية التي تفصل الشعوب العربية عن بعضها، يتمسك بآرائه الداعمة لحرية الشعوب في تقرير مصيرها ويرفض أن يكون طرفا في لعبة التجاذبات السياسية التي يقع في أسرها بعض الفنانين. ويعتبر نفسه طرفاً داعماً، دون جدال أو نقاش، عندما يتعلق الأمر بقضية فلسطين المحتلة والمقاومة ضد إسرائيل.
يزور الفنان وليد توفيق الولايات المتحدة الأميركية بعد غياب دام 15 عاماً، حيث أحيى جولة من الحفلات الغنائية كان آخرها في قاعة “لا بيتا” في مدينة ديربورن. وتستمر جولته في مدن أميركية أخرى كهيوستن وسان فرانسيسكو، ويأمل أن يكون له محطة أخيرة في مدينة ديربورن، يطلعنا على حيثياتها في أقرب فرصة. “صدى الوطن” إلتقت الفنان وليد توفيق الذي أطلعنا على بعض المحطات من مسيرته الفنية الغنية وآخر إصدارته ومشاريعه المستقبلية.
– كيف تصف الأعمال الفنية الحالية مقارنة مع الفن الأصيل الذي إتسم به الزمن الجميل، والذي نشأت نجوميتك من خلاله؟
– هنالك فرق كبير جداً بين الزمن الجميل الذي عاشه العالم العربي على صعيد الفن في السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي وبين الفن حالياً. ولا تصح المقارنة هنا، لأن كل فن يشبه زمانه. ونحن اليوم في عصر ثورة الإتصالات وسلطة الإعلام. ففي كثير من الأحيان يركز الإعلام على مسائل تافهة وفنون هابطة في الوقت الذي يوضع فيه الفن الجميل على الرف. وهذه المشكلة تجتاح العالم كله وليس فقط في العالم العربي. ونحن، للأسف، نستخدم دائماً حرية الإعلام لنقلد الدول الغربية وذلك يؤكد على أننا شعوب تعاني من إنفصام الشخصية. فنحن عرب أولاً وأخيراً ومن الجيد الإستفادة من الغرب في الأشياء الجيدة، شريطة أن لا نقع أسرى التقليد والتفاهة. ولا يمكن تشبيه هذا الزمن بالزمن الماضي ولذلك تبقى تلك الأيام تحمل إسم الزمن الجميل. وذلك لا ينفي وجود أصوات جميلة جدا في الوسط الفني اليوم وأعمال ناجحة، ولكن المشكلة الأكبر هي أن معظم الأعمال الفنية تخلو من الفكر ما يجعل إستحالة تصنيف ذاك العمل بالفني.
– أين تجد نفسك في الساحة الفنية اليوم؟
– أنا المعذب أنا (ضاحكا)، نحن باقون ومستمرون في العطاء ولنا جماهيرنا الوفية والمحبة. فنجاح الفنان أولا يأتي من محبة الناس، والناس تحب وليد توفيق وجورج وسوف وملحم بركات وراغب علامة وغيرهم من فناني الزمن الجميل. ولكن تبقى المشكلة الأساسية التي تواجه كل الفنانين هي عدم توافر الفن الراقي ذي المعنى والفكر والإحساس، فتصبح معظم الأعمال مبتذلة فيستمر نجاح الأغنية أشهراً قليلة وبعدها تنطفئ ويأتي غيرها وهكذا دواليك.
– بالنسبة لمسيرتك الفنية الشيقة، أين كانت أبرز المحطات؟
– كانت الإنطلاقة الأولى في “استديو الفن” في العام 1973، وكانت بمثابة فرصة ذهبية الا أنه سرعان ما إشتعلت الحرب الأهلية في لبنان، فإنتقلت الى سوريا.
وفي سوريا شعرت انني إبن البلد، فإحتضنتي الإذاعة والتلفزيون ونقابة الموسيقيين وإختطفتني السينما، فكان لي ثلاثة أعمال سينمائية الى جانب كبار الفنانين. أولها مع صباح الجزائري ومحمود جبر في فيلم “ساعي البريد”. وثانيها، فيلم “سمك بلا حسك” مع الفنان الكبير دريد لحام وأيضا صباح الجزائري، وضم الفيلمان مجموعة من الأغاني مثل “أبوكي مين يا صبية” و”مغرم بعيونك” و”بعدك عالبال” وغيرها. والفيلم الثالث كان “الزواج على الطريقة المحلية” مع أبو عنتر وأبو صياح .
أعتبر نفسي محظوظاً جداً لأنني عملت مع كبار النجوم وشكل ذلك علامة فارقة في حياتي ومسيرتي الفنية. وفي الوقت الذي كنت أحيي الحفلات في باريس، أرسل بطلبي الملحن الكبير بليغ حمدي ومأمون الشناوي للإنتقال الى مصر. كما أرسل بطلبي في الفترة نفسها محمد سلمان والمنتج محمد علي الصباح. فكانت الخطوة التالية مصر..
في مصر، كانت الإنطلاقة الكبرى مع فيلم “من يطفئ النار”، وتضمن الفيلم أغاني نالت شهرة جماهيرية ساحقة مثل “آه زينب” و”إيه العظمة” و”إنزل يا جميل عالساحة”. هذا الفيلم قلب حياتي رأسا على عقب وأصبحت بعدها نجم أكبر المهرجانات في العالم العربي من قرطاج الى جرش ومهرجانات المحبة والسلام ومهرجان مصر في الأهرام. وبعد النجاح الباهر للفيلم، كرت السبحة فأديت أدوارا وأغنيات لخمسة أفلام في مصر وكان لي أعمال مع الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب وبليغ حمدي والموجي..
– كيف كانت سنة الـ2011 عليك وما هي أصداء ألبومك الجديد “ما تعودت عليك”؟
– كانت سنة صعبة جداً على الصعيد العائلي، فقد خسرت أمي وباغت الموت أخي عن عمر 52. والموت في النهاية حق علينا.. أما على الصعيد الفني، فالنجاح يرافق دربي والحمد الله.. هذه السنة تكللت بالنجاح، والألبوم الجديد لازال طرياً ويلقى أصداء جماهيرية وإعلامية واسعة. وقمت بتصوير ثلاث أغان من الألبوم الجديد وهي “ما بعرف شو بدي” و”لا تعودني عليك” و”ما في شي بيتغير”. وأصدرت أغنية منفردة في عيد الحب حملت عنوان “إنت غرامي” ولاقت ترحيباً واسعاً. وأستعد لتصوير أغنية “جدي” وثلاث أغان أخرى من الألبوم نفسه. فأنا أؤمن أننا في زمن إذا لم تصور الأغنية في فيديو كليب تصبح مجهولة.
– ما هي أحب أغنياتك على قلبك؟
– “آه زينب” و”عد الى قلبي حبيبي.. فأنا قلبي جنوبي”..
– هل هنالك من معيار لنجاح الأغنية؟
– الصدق أولا وأخيراً.. وللإعلام دور كبير بلا شك.
– كيف هي علاقاتك بالوسط الفني؟
– في مسيرتي الفنية الطويلة لم يكن عندي خصام مع أي فنان، فأنا أعامل الناس كما أحبهم أن يعاملوني، فعلاقاتي بالفنانين قائمة على الإحترام المتبادل. وفي الآونة الاخيرة أصبحت مصلحا بين الفنانين، ففي عزاء أخي صالحت بين عاصي الحلاني ومعين شريف، وفي عزاء أمي صالحت ملحم بركات وراغب علامة.. أنا لا أحب أن يكون هنالك خصومات بين أحد. وللأسف لا يوجد غطاء للفنانين في لبنان والأكثرية تعمل على التفريق بيننا وليس الجمع.
– ماذا تقول عن إنتشار الأغنية الشعبية اليوم؟
– لطالما كانت الأغنية الشعبية مرغوبة من الناس، وأغاني الدبكة غناها كبار الفنانين بينهم فيروز ووديع الصافي وصباح وسمير صفير، مع حفظ الألقاب. وهذا اللون الغنائي يمس إحساسنا، لأننا في الأصل جميعا فلاحون وأبناء جبل وقرى. والشباب اليوم يحبون الرقص والأغاني التي تجعل الجسد يهز قبل الإحساس. وتبقى المشكلة في الفن الشعبي أنه كثر إستهلاكه فدخل فيه التقليد والإبتذال وتسفيط للكلمات. أنا مع الأغنية الشعبية وأنا فنان شعبي ولكن أرفض الرتابة في إختيار الكلمات التي بمعظمها تخلو من المعاني.. وأحب في هذا اللون الفنانين ملحم زين وعاصي الحلاني وغيرهما..
– ما هي صحة طلبك الإعتزال من الفنانة وردة الجزائرية؟ وبرأيك متى يكون الوقت المناسب للفنان للإنسحاب من الساحة الفنية؟
– كانت مجرد إشاعات وردت على خلفية قول فضل شاكر أنه على وردة الجزائرية أن تعتزل، فنسب الي الإدعاء زوراً. فأنا أقول يعطيها ألف عافية، أنها إستطاعت أن تقدم آخر ألبوم وهي متعبة جدا بسبب المرض. وأنا مع إعتزال الفنان في أوج عطاءه وصوته وشهرته كما حصل مع شادية وليلى مراد وهند رستم وغيرهن. ولكن إذا أرادك الناس “فاتركوا العصفور يغرد”..
– هل تعتقد، مثلا، أنه على صباح أن تعتزل الغناء؟
– الصبوحة كان عليها أن ترتاح منذ زمن طويل، ولكنها قالت لي في إحدى لقاءاتنا إنها اذا لم تعتلِ خشبة المسرح فإنها تحكم على نفسها بالموت، فليس في حياتها غير فنّها لتقدمه. وهنا ندرك مدى أهمية العائلة. فهنالك فنانون أخذتهم الشهرة والفن فخسروا عائلاتهم وأصبحوا وحيدين. فاذا خيروني بين فني وعائلتي أختار عائلتي بدون تردد.
– ماذا عنك؟
– أنا بكير علي، فقد أبدو أنني كبير السن لأنني بدأت مسيرتي الفنية في سن مبكرة. وأنا لا أحب أن أتحدث عن نفسي، فأنا حالة خاصة، الوحيدة التي عايشتها هي الفنانة الكبيرة صباح. وأشعر أنني لا زلت أنافس جيل الشباب وهذه نعمة من الله. وعندما يشعر الفنان أنه أكمل مشواره فعليه أن يعتزل، “لا أن يبقى متمسكا بالميكرفون كالزعيم اللي قاعد عالكرسي وما بدو ينهز”.
– ماذا تقول عن مواقف فضل شاكر الأخيرة؟
-كنت أتمنى أن لا يكون موقفه بهذه الطريقة ولكن هذا أمر يخصه. ولا شك أن خطوته لم تكن بالسهلة على الناس الذين يحبونه وعلى المجتمع، وربما يؤيده البعض فيما ذهب إليه..
– ما هو دور العائلة في حياتك؟ وكيف هو الزواج من ملكة جمال الكون جورجينا رزق؟
– أهم شيء في حياتي هو إيماني بربي وعائلتي، ثم عملي.. وزوجتي جورجينا، في النهاية، هي إبنة عائلة وبيت محترم وقد فضلت عائلتها وبيتها على شهرتها. وبعد زواجنا رفضت كل العروض مفاضلة عائلتها على كل شيء. وتجمعني بها علاقة حب واحترام متبادل. فالفن والشهرة لم يغيّرا لب مشاعرنا والتربية التي نشأنا عليها. فاذا أردت أن تختبر الناس أعطهم سلطة ومالاً، والشهرة تجمع بين الإثنين..
– ما هو موقفك من الثورات الشعبية التي تجتاح العالم العربي اليوم؟ وهل على الفنان أن يقف متفرجاً أم يكون منخرطاً؟
– أنا مع الشعوب في كل ما تختاره، فأنا مطرب الشعب وإبن الشعب والأرض، ولست مطرب حزب أو رئيس. وكل فنان حر بمواقفه ولكنني لن أضع نفسي في خانة التصنيف مع حزب أو طائفة أو سلطة حاكمة، لأنني المطرب العربي الذي يرفض التصنيف فأنا لست فنانا لبنانيا بل فنان عربي. والفنان هو مُلك الناس وبالتالي فالشعوب هي التي تقرر مصيرها وأنا أساند الشعوب. وأرفض الاصطفاف مع طرف ضد آخر والدخول في لعبة الشعوب في تقرير مصيرها. ولكنه عندما يأتي الأمر لقضية فلسطين، فأنا ضد إسرئيل ومع المقاومة بصوتي وأغنيتي ومالي..
– ماذا تقول للجاليات العربية في أميركا؟
– أنا سعيد جدا بمجيئي الى أميركا بعد غياب دام 15 عاما وذلك بسبب تعثر الحصول على تأشيرة سفر طوال تلك المدة.. وديترويت بالنسبة لي مثل بيروت والجاليات العربية تثبت يوما بعد يوم أنها أكثر الناس محبة وإنتماء لأوطانها. إلا أنني أخاف أن تنتقل عدوى الطائفية التي ترزح بلادنا تحت رحمتها وأتمنى أن لا تنجر الجالية الى هذه الكذبة الكبيرة. وعندي طلب خاص من أبناء الجاليات العربية، فقد فاجأني جدا، عند إحيائي لآخر حفلة إنتشار الأراكيل. ولا أفهم هذه المسألة، فنحن شعب حضاري والأركيلة عادة سيئة ويجب أن تكون حكراً على القهاوي وليس الحفلات الخاصة.
لمحة عن حياته
وليد توفيق مطرب وملحن وممثل لبناني من أصل سوري وينحدر من عائلة توتنجي. شارك بالعديد من الأفلام السينمائية الناجحة منها “سمك بلا حسك” مع دريد لحام، “قمر الليل” مع ليلى علوي، “أنا والعذاب وهواك” مع صابرين.. أما الفيلم الأهم كان “من يطفئ النار” مع فريد شوقي وآثار الحكيم ورغده ومن إخراج محمد سلمان وغنى فيه أكثر أغنياته جماهيرية من “انزل يا جميل عالساحة” و”ايه العظمة” و”آه زينب”. يمتاز الفنان المخضرم وليد توفيق، إلى جانب موهبته في الغناء والتمثيل، بموهبة التلحين بدليل نجاح الأغاني التي لحنها لنفسه مثل “وحدك حبيبي” و”انزل يا جميل عالساحة”.. يذكر أن كثيراً من أغاني وليد توفيق حصدت نجاحا جماهيرا منقطع النظير وتركت علامة مميزة في مشهد الفن العربي وفي وجدان وذاكرة الجمهور منها: “ابوكي مين ياصبيه”، “بهيه”، “لفيت المداين”، “عظمة على عظمة”، “تيجي نقسم القمر”، “وحدك حبيبي”، “أكبر جرح”، “آه زينب”، “ياوابور”، “يا بحر”..
Leave a Reply